حوادث الخطف تحوّل بغداد الى مدينة عصابات
طالت عمليات الخطف والتصفية الجسدية عناصر امنية ومسؤولين حكوميين وتجارا عراقيين، واختلفت الأهداف التي تقف وراءها بين جنائية وطائفية وأخرى سياسية، لكن ما يثير الجدل هو رصد حوادث متسلسلة في مناطق مختلفة ببغداد فيما تقف أجهزة الأمن عاجزة عن وضع حد لتلك العمليات.
تقع معظم الحوادث أمام أنظار قوات الجيش والشرطة أو قرب نقاط التفتيش التابعة لها، لكن ضباطا وعناصر امنية، يخشون التدخل في أحيان كثيرة، لان الجهات المنفذة ترتدي زيأ امنياً وتحمل أسلحة رشاشة اوتوماتيكية ومتطورة وتستقل عجلات دفع رباعي تماماً مثل التي تستخدمها فصائل الحشد الشعبي.
المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد العميد سعد معن اكد ان "هناك عمل دؤوب وكبير جدا تقوم به الاجهزة الامنية من خلاله اعتقال العصابات الاجرامية والارهابية المتورطة بحوادث الخطف والسرقة"، مبينا أن "اعتقال هذه العصابات جاء بمتابعة ميدانية من قبل القائد العام للقوات المسلحة ووزيرا الداخلية والدفاع وكذلك قائد عمليات بغداد".
ويبدو ان تلك الحوادث باتت تؤرق وزارة الداخلية العراقية حتى ان وزيرها قام بتكريم منتسبين في منظومة الاستخبارات نجحوا في القاء القبض على عصابة للخطف في بغداد.
عصابة نساء واحدث عمليات الخطف قيام قوة مسلحة باختطاف منتسب في الشرطة في منطقة الرشيد اثناء استراحته، وقبله بيوم اُختطف خمسة من عناصر الشرطة من شقة في شارع السعدون بغداد.
لكن ابرز تلك الحوادث هي اختطاف ثلاثة اميركيين من شقة في جنوبي بغداد، واختطاف وكيل وزير العدل عبد الكريم فارس، قبل اشهر وهو ما شكل حرجا كبيراً للحكومة العراقية.
مديرية مكافحة الإجرام في بغداد اعتقلت سيدة في العقد الرابع من عمرها وتدعى (ت. و. ج) ترأس عصابة للخطف و"تستخدم جمالها" ومعها ثلاث نساء ورجلان يقومون باستدراج شباب ومن ثم خطفهم ومطالبة اسرهم بفدية.
عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي قال لـ"إيلاف" انه تم مؤخرا "اعتقال شبكة كبيرة في بغداد تقوم بخطف المواطنيين وبخاصة النساء والأطفال والتجار وأصحاب محال الصيرفة وصاغة الذهب"، مبينا ان "عدد أعضاء هذه المجموعة هم 18 شخصاً وهي متصلة بـ 70 شبكة أخرى في العراق كلها تعمل على جرائم الخطف".
وكشف الربيعي ان "هذه المجموعة اعترفت بصلتها باطراف في أربيل حيث إدارة امورهم ومكتبهم وسكنهم". وأضاف "هناك عصابات مدعومة ماليا من جهات نتخوف ان نتحدث عنها ما يجعل بغداد في خطر كبير". مجلس بغداد المحلي وفي وثيقة حصلت "ايلاف" على نسخة منها أوصى بفتح مكتب في المجلس وبالتنسيق مع الشرطة المجتمعية لمتابعة هذه الحوادث وفتح ملف كاميرات المراقبة والتوجيه بمعاقبة من يطلق العيارات النارية وتحريك عناصر جوالة من الشرطة مع إعادة تقييم 92 مركز شرطة في العاصمة وتحريك 120 دورية شرطة كانت مثبتة لدى مسؤولين او في شوارعهم.
وصنف الباحث في شؤون الجماعات المسلحة والارهابية هشام الهاشمي في حديثه لـ"إيلاف" حوادث الخطف والقتل الى اربع فئات مبيناً ان الفئة الأولى "سياسية كما حدث مع الناشط المدني جلال الشحماني الذي لا يزال مصيره مجهولاً" .
اما الفئة الثانية، والحديث للهاشمي، فهي "عمليات متسلسلة ذات بعد امني حيث يعثر يوميا على ثلاث جثث مجهولة الهوية في بغداد يتبين فيما بعد انها تشترك في ان الضحايا كانوا موقوفين في سجن بوكا وتم التعرف على جثتي حكمت الجبوري وسعد احمد الكرطاني"، ماضيا الى القول "يعني هذا ان هناك جهة مسلحة تمتلك قواعد بيانات حكومية تقوم بعمليات التصفية في ظل الفوضى الأمنية باعتقاد ان من يدير الخلايا النائمة هم من كانوا في بوكا". كما يشير الى ان هناك "من القي القبض عليهم بتهمة حزب العودة واطلق سراحهم في عامي 2009 و2010 لكنهم تعرضوا مؤخرا الى اختطاف في حوادث متتابعة بمنطقتي الغزالية والجامعة ولم يتعرف على مصيرهم حتى الان وتم رصد ثلاث حوادث لرجال كبار السن".
ويصنف الهاشمي الفئة الثالثة بانها "عمليات جنائية منظمة"، فيما الفئة الرابعة هي "عمليات طائفية وعرقية ولكنها لم ترتق الى القتل والهدف منها تغيير ديمغرافي كما حصل مع الاكراد والسنة في بعض مناطق شرق القناة وابرز الحوادث في ذلك مع تعرض له الناشط المدني الكردي احمد الاغا"
يلفت الهاشمي نقلا عن دراسات امنية عن حوادث كانون الثاني الحالي الى انه يتم يوميا العثور على ما بين (8 ــ 10 ) جثث مجهولة في بغداد فيما تراوحت اعداد المخطوفين يوميا بين (14ــ 20) شخصا يتم تحرير القسم الاكبر من قبل جهاز الامن الوطني فيما قسم اخر يحرر مقابل فدية واخرون يقتلون رغم دفعهم الفدية".
يرجح الهاشمي ان بعضا من هذه الحوادث يمكن ان يكون وراءها تنظيم داعش لخلط الأوراق لكنه اكد ان فوضى انتشار السلاح وفر غطاء سهل حركة العصابات المسلحة. وكان مسؤول في سفارة بنغلاديش ابلغ الجهات الأمنية العراقية وجود منزل في حي الكرادة يتم فيه احتجاز 39 عاملا بنغاليا ولدى تحرك القوة باتجاهه تبين انهم مخطفون وان عصابة من عراقيين وبنغاليين يديرون عمليات تفاوض مع أهالي العمال.
من جهته يؤكد الخبير الأمني في شؤون الميليشيات والفصائل المسلحة مهند الغزي لـ"إيلاف"ان "المناطق ذات الأغلبية الشيعية في بغداد تشهد اعمال قتل واختطاف"، مشيرا الى ان تم العثور قبل يوميين في منطقة الزعفرانية على ثلاث جثث مجهولة الهوية بينهم اثنان من النازحين من الفلوجة والثالث من أهالي العامرية غربي بغداد".
كما أشار الى ان هذه الحوادث طالت أيضا اكرادا في بغداد وخاصة في مناطق ذات اغلبية شيعية حيث يتلقى العشرات من المواطنيين الاكراد تهديدات مباشرة من قبل مسلحين ملثمين يقدمون انفسهم كافراد في ميليشيات مسلحة معروفة، وصلت حد مطالبتهم بالرحيل من بغداد.
الرئيس العراقي فؤاد معصوم وهو كردي استقبل عددا من رؤساء العشائر الكردية في بغداد ووضعوه بصورة ما يتعرضون له من تهديد بالخطف او القتل، لكنه تعهد بان من يمارسون ذلك "سيتلقون اشد العقوبات" مشيرا الى الاكراد متواجدون في بغداد منذ العصر العباسي.
النائبة في البرلمان العراقي اشواق جاف وهي كردية قالت لـ"إيلاف" ان " تعرض الاسر الكردية في بغداد الى تهديد وترويع على أساس عرقي أمر مخجل ويثير اكثر من تساؤل حيال الجهات التي تقف وراءه فالتهديدات جدية ويتعين على الحكومة وقف هذه الاعمال والتصرفات غير المسؤولة".
النائب عن اتحاد القوى العراقية لقاء وردي قالت لـ"إيلاف" ان "عشرات حالات الخطف سجلت مؤخراً في مناطق غرب بغداد وكذلك في جنوبها وان ستة من وجهاء العشائر قتلوا في منطقة السيدية قبل أيام".
وأشارت وردي الى ان "هذه الحوادث باتت تثير الذعر بين المواطنيين وانه يتعين على رئيس الوزراء نزع السلاح وحصره بيد الدولة".
لكن النائب احمد المساري يرى ان "ظهور تلك الجرائم في وقت تحقق فيه القوات الأمنية انتصارات على داعش في جبهات عدة، محاولة من مجاميع منفلتة لتبديد تلك الانتصارات التي لا تخدمها". ودعا المساري رئيس الوزراء الى "تعزيز دور القوات الأمنية في العاصمة لتقليل حالات الخطف والقتل والسرقة ".