فهد العسكر… الأكثر اتهاماً!
نجم عبد الكريم
لأنه الأكثر جرأةً، والأكثر صدقاً في مجتمع يُجرم الأفكار النيرة فقد تبوأ عن جدارة ألقاب تُهَم لا تعد ولا تحصى ظلت تلاحقه في حياته وبعد مماته. كفروه وزندقوه، بل اتهموه بالنازية، لأنه كان إنساناً حراً يجابه باعة الوهم للناس باسم الدين:
والدين أضحى سُلّماً للجاني.
وبالطبع نعقت الأصوات من كل حدب وصوب تُكفر فهد العسكر متعمدة سوء تفسيرها لقصائده لعدم قدرتهم على استيعاب مفردات هذه القصائد. فالرجل يقول لهم: أنا شاعر، ولست شيئاً آخر. قالها شعراً بصريح العبارة بهذا الشكل:
أنا شاعرٌ خُلقت لأشدو.
فاعتبروا ذلك مروقاً وزندقةً وخروجاً عن الدين يجب أن يعاقب عليه فهد العسكر، الذي لم يكن يملك غير أن يرد عليهم:
وتطاول المتعصبون وما كفرت وكفروني
وتحاملوا ظلماً وعدواناً عليَّ وأرهقوني
هذا رماني بالشذوذ وذا رماني بالجنون
وهي قصيدة طويلة غنى بعض أبياتها شادي الخليج (كفي الملام وعلليني)!
***
• وإذا كان شوقي، وحافظ، ومن قبلهما البارودي في مصر، والزهاوي، والرصافي، وسواهما في العراق، وإبراهيم العريض في البحرين، وغيرهم في أماكن أخرى، قد رفعوا أصواتهم وكرسوا أشعارهم مطالبين بحرية المرأة، فإن الدارس المنصف سيجد فهد العسكر في مقدمة تلك الأصوات، لأنه كان يطرق هذا الباب بعنف في بيئة هي الأكثر تشدداً من بيئات أولئك الشعراء، ولهذا نجد مواجهات فهد العسكر مع مجتمعه حادةً وصادمة!
والعسكر حسب الدراسات التي كُتبت عنه لم يكن مهادناً، بل كان مقاتلاً شرساً، ويُعلن رأيَه بشجاعة وفروسية في قصائده التي يصب فيها جام غضبه على التخلف والجهل الذي تعانيه الشابة الكويتية مثلما تعرض في هذه الأبيات للذين يبيعون فتياتهم نظير المال:
باعوكِ بالثمن الزهيد، فأين يا ليلى العدالة؟
وسقوكِ كأساً ملؤها صاب الأسى حتى الثمالة
زجوكِ وا أسفاه في سجن التقاليد القديمة
لله ما كابدتِ فيه من الأساليب العقيمة
لا در درك من أبٍ فظٍ ووالدة لئيمة
يا قاتل الله التعصب كم تمخض عن جريمة!
ثم وضع النقاط على الحروف حينما قال مخاطباً الفتاة الكويتية:
قد أرغموكِ على الزواج بذلك الشيخ الوضيع
أغراهم بالمال وهو المال معبود الجميع
فقضوا على آمالنا وجنوا على الحب الرفيع
ما راع مثل الورد يذبل وهو في فصل الربيع!
• أما عن وجدانيات فهد العسكر، فالحديث بنا يطول لأنه كان فيما يكتبه من أشعار نسيج وحده، ولم يكن له في الكويت من يجاريه في شعره إطاراً ومضموناً، لدرجة أن الشاعر صقر الشبيب بعث له بقصيدة طويلة يقول في مطلعها:
لو كنت ممن في طبيعته الحسد لحسدت دون الناس شاعرنا فهد
ولأن مساحة الصفحة لا تكفي للإتيان على غراميات ونسائيات فهد العسكر، فسوف أعود وأختتم بما قاله عن فتاة الكويت التي باعها أهلها وكيف هي حياتها بعد صفقة البيع:
أوكان أهلكِ يا فتاتي والأقارب والصحاب
إلا الأراقم والعقارب والثعالب والكلاب؟
قد شيعوكِ فخبريني بعدما طوي الكتاب
ماذا لقيت بذلك القبر المخيف من العذاب؟