المصارف الأهلية مفلسة.. والمودعون يحملون البنك المركزي مسؤولية حماية أموالهم
ويكيليكس بغداد: قبل عامين من الآن، كانت تعاملات محمود مع ادارة المصرف، تتم “بسهولة”؛ فهو يودع ويسحب وقتما يشاء، إلا انه ومنذ بداية العام الماضي بدأ “يكتنز” جزءا من امواله في المنزل، لكنه بدأ يخشى السرقة، مع زيادة تردي الأوضاع ببغداد.
ويمتلك محمود جاسم، وكالة رئيسة للمواد الغذائية في علوة جميلة، ويخوض تعاملات تجارية مستمرة مع تجار ومستوردين خارج البلاد، الا انه بدأ يفقد الثقة بالمصرف العراقي، بعد تأخر اطلاق ودائعه مرات عدة من قبل ادارة المصرف، الذي لم يشأ الكشف عنه، الا انه اكتفى بذكر انه مصرف أهلي.
وتحدثت إدارة البنك المركزي عن “خطة” تعتزم تطبيقها، من اجل جذب الأموال “المكتنزة” في المنازل، لغرض الاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد، بعد ان قدرت تلك الاموال بأكثر من 77% من رأس المال المحلي.
ويخشى مودعون وزبائن لدى مصارف أهلية من “الالتفاف على ودائعهم” من قبل إدارات تلك المؤسسات، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة مالية بسبب انخفاض أسعار النفط، مشيرين الى أن تلك المصارف دائماً ما تتعذر عن إطلاق ودائعهم بسبب عدم امتلاكها “سيولة مالية”.
فيما يعزو مصرفيون عدم التزام المصارف الحكومية والأهلية، بإرجاع الودائع الى العملاء ضمن وقت محدد، الى “تلكؤ معظم المقترضين في دفع المستحقات، وهذا مترتب على عدم ايفاء الحكومة بالتزاماتها المالية تجاه المقاولين او المستثمرين”.
الا ان قانونيين، اوضحوا ان المصارف “تزج بنفسها بتعاملات تجارية أكبر مما متوفر لديها من رؤوس اموال، بعد ان تستفد كل ودائعها، وعدم الابقاء على احتياطي الزامي (سيولة)، لتغطية احتياجات الزبائن”.
ويقول القانونيون ان بإمكان المودعين اقامة دعاوى قضائية بـ”النصب والاحتيال” ضد المصارف التي تتلكأ في صرف ودائعهم.
حسين كاظم، زبون لدى أحد المصارف الاهلية، يقول في حديث لـ”العالم” انه يمتلك ودائع في اربعة مصارف اهلية، بقيمة 350 مليون دينار.
ويضيف انه ذهب، مؤخرا، الى احد تلك المصارف لسحب جزء من مودعَه، إلا ان المصرف اعتذر عن صرفها سريعا، بسبب عدم توافره على سيولة مالية، بل طلبت إدارة المصرف من الزبون ان ينتظر أياما لحين تغطية طلبه المالي.
وفي مقابل ذلك، يقول كاظم ان تلك المصارف تطلق بعض الاموال لمودعين تربطهم علاقة مع اعضاء مجالس ادارتها.
ولم يكشف كاظم عن اسماء تلك المصارف، خوفا على ودائعه، الا انه اكد وجود سماسرة في تلك المصارف، ابدوا استعداهم لإقناع المصرف بصرف الوديعة الكبيرة، مقابل مبلغ يتجاوز 5 ملايين دينار.
سلمان جليل، مودع اخر، قال انه بدأ يقلق على امواله المودعة، بعد تعذر المصرف عن اطلاقها، أكثر من ثلاث مرات.
وصار جليل يفضّل خزن أمواله في المنزل، بسبب فقدانه الثقة بإدارات المصارف، بحسب حديثه لـ”العالم”.
وكان مواطنون وتجار كشفوا، الأربعاء الماضي، عن امتناع “مصرف دار السلام الأهلي” عن تسليمهم مبالغهم المودعة عنده بحجة حالة التقشف التي يمر بها البلد، وفيما ناشدوا وزارة المالية بالتدخل من اجل صرف أموالهم، حذروا من توقف أعمالهم.
وذكرت وكالات أنباء محلية، نقلا عن عدد من المواطنين، إن “المصرف امتنع عن تسليمهم أي مبلغ من المبالغ المودعة عنده بحجة حالة التقشف التي يمر بها البلد”، مؤكدين أن “المصرف يمتلك المبالغ ولم يتم استثمارها”.
وأضافوا أن “المدير المفوض للمصرف خضير طلال لم يوافق أو يوقع على أي طلب يتقدم به المواطنون للحصول على جزء من أموالهم المودعة في المصرف”.
ودعا تجار ورجال أعمال وزارة المالية إلى التحرك من اجل صرف أموالهم من قبل هذا المصرف، محذرين من توقف أعمالهم في حال عدم صرف الأموال وهذا ما يضر بالمصلحة العامة خاصة في الأزمة المالية التي بها البلد.
الخبير القانوني، طارق حرب اكد في اتصال مع “العالم”، ان سبب نقص السيولة لدى المصارف الاهلية يعود للمخالفات القانونية التي تتبعها المصارف الاهلية، مشيرا الى ان تلك المخالفات تتمثل بقبول معاملات اقراضية اكثر من رأس مالها، والتي هي عبارة عن كتب ضمانات وقروض تفوق ما متوفر لها من سيولة نقدية، الامر الذي يضطرها الى أن تضع يدها على ودائع الجمهور.
ووفقا لحرب فإن هكذا حالات تدخل ضمن اطار “النصب والاحتيال”، وبالتالي فإن من حق المودعين اقامة دعوى قضائية ضد تلك المصارف، لدى محكمة البداءة.
ويوضح ان “تلك الدعاوى تأخذ وقتا طويلا”، ويبين ان عقوبتها القانونية لا تصل الى الحبس.
ويتعرض حرب لفوائد تلك المصارف، قائلا انها تحقق ارباحا “غير موجودة في كل مصارف العالم”، موضحا ان مبلغ المليون دولار الذي يشتريه المصرف من البنك المركزي، تكون ارباحه، بحسب تعاملات تلك المصارف، اكثر من 50 مليون دينار.
فيما حمّل رئيس مركز الإعلام الاقتصادي ضرغام محمد علي، في حديث مع “العالم”، إدارة البنك المركزي مسؤولية ضمان سلامة ودائع المواطنين في تلك المصارف.
كما شدد على ضرورة الحفاظ على سقف محدد للاحتياطي الالزامي، يؤمن تغطية الحسابات من الودائع.
ويطالب محمد علي، إدارة البنك بالتحقيق في هذه الظاهرة، واعطاء اجوبة مقنعة حول سبب توقف تغطية ودائع المواطنين من السيولة، خصوصا مع توسع الحكومة في الاقتراض الداخلي، فيما حذر من ان تلك التعاملات “تخلق عدم ثقة بالجهاز المصرفي”. واضاف، ان “عدم انسيابية العمل المصرفي والافراط بمنح الائتمان قياسا بالاحتياطي الخاص بالودائع يفقد المواطن الثقة بالمصرف، ويؤدي الى احتفاظ المواطن بودائعه في منزله وهو ما يعرضه لخطر السرقة والسطو لذا فان اعادة بناء الثقة تتمثل بتغطية كل الودائع”.
وكشف محافظ البنك المركزي علي العلاق، في وقت سابق، أن 77% من العملة العراقية المتداولة في السوق هي مكتنزة في الدور السكنية، لافتا إلى أن “هذه الأموال هي خارج القطاع المصرفي”.
وأضاف العلاق أن “المصارف إذا أحسنت تقديم الخدمات للزبائن من اجل جذب هذه الأموال المدخرة فانها ستسهم بتحريك الاقتصاد العراقي”، مبينا أن “البنك المركزي لديه خطة من اجل جذب هذه الأموال لغرض الاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد العراقي”.
رئيس رابطة المصارف الاهلية سابقا، عبد العزيز الحسون، ذكر في تصريح “العالم”، ان “المصارف الاهلية تواجه مشكلة شحة السيولة، اذ ان المقترضين من المقاولين والمستوردين لم يحصلوا على مستحقاتهم من الحكومة المركزية ما جعلهم يتأخرون في ارجاع القروض الى المصارف، كما ان بعض فروع البنك المركزي لم ترجع الى المصارف الاهلية ودائعها”، مشيرا الى ان “ذلك ولد مشاكل كبيرة لدى تلك المصارف”.
واضاف الحسون، “ينبغي على البنك المركزي ان يتخذ اجراءات سريعة لحل تلك المشكلة تتمثل باعادة اموال المصارف الأهلية من خلال الاحتياطي النقدي”، اضافة الى “ضرورة ان تتوجه الحكومة بصرف مستحقات المقاولين والموردين من اجل رفع نسبة السيولة النقدية في السوق المحلية”.
وبخصوص حجم الفوائد، لفت الحسون الى ان “البنك المركزي يمنح في الوقت الحاضر فائدة بقيمة 4 بالمئة للمصارف الاهلية عن حجم ودائعها”.
وبحسب وثيقة عن مؤشرات الجهاز المصرفي في العراق حصلت “العالم” عليها، فان اجمالي الموجودات لدى المصارف في العراق بلغ (212) تريليون دينار نهاية العام 2014، اما حجم ودائع الجمهور لدى المصارف فبلغ (24.3) تريليون دينار في 2013، وبلغ إجمالي الائتمان المقدم من قبل المصارف لمختلف القطاعات (32.6) تريليون.
بدوره، قال عضو اللجنة المالية النيابية جبار عبد الخالق إن “المصارف ملزمة بإعطاء الودائع إلى المتعاملين معها”، مبيناً أن “بعض المصارف تعاني مشاكل ادراية، واضطررنا لرفع الشكوى الموجهة ضدها إلى وزارة المالية”.
وأضاف عبد الخالق أن “المصارف الأهلية مراقبة من قبل المركزي العراقي، حيث تقدم المصارف موازنة شهرية إلى المركزي، والأخير يستخدم سلطاته في إيقاف أعمال المصرف فيما لو تصرف بأمواله خارج السياقات، وحين يجد بأن السيولة لديه أقل من الودائع سيقوم بإعلان إفلاسه”.
في حين ان عضو اللجنة ذاتها مسعود رستم، قال ان “اللجنة أرادت أن تتجنب مشاكل مستقبلية مثل عدم أعطاء المصارف الودائع، بتثبيت فقرة في الموازنة لتشريع قانون باسم (ضمان الودائع)”، مشيراً إلى أنه “لدى دول الجوار والعالم تجارب كبيرة في هذا الموضوع، ولديه قوانين متقدمة في حماية ودائع المتعاملين مع المصارف”.
وأكد رستم أن “اللجنة المالية شكلت لجنة مصغرة داخلها لبحث ما يتردد من تعثر بعض المصارف الأهلية من ارجاع الودائع إلى المتعاملين معه”.