عزل القاضي الهيني.. نتيجة لخرق واجب التحفظ أم انتهاك لحرية الرأي والتعبير؟
إسماعيل عزام، المغرب (CNN)— لا يزال ملف القاضي محمد الهيني يثير الجدل في المغرب، فمنذ عزله منتصف الأسبوع الماضي من طرف المجلس الأعلى للقضاء بتهم منها "خرقه واجب التحفظ واتخاذ مواقف ذات صبغة سياسية"، ومجموعة من التنظيمات الحقوقية تصدر بيانات تتضامن مع القاضي الذي اشتهر بتعبيره عن آرائه وانتقاداته الكبيرة لمشاريع إصلاح العدالة في بلاده، ممّا فتح النقاش حول تعبير القضاة عن آرائهم وعلاقة ذلك بواجب التحفظ.
دعم واسع للقاضي
ووَجد الهيني الذي يصنّف في المغرب ضمن دائرة "قضاة الرأي"، دعمًا كبيرًا من طرف مجموعة من الجمعيات الحقوقية، فعلاوة على دعمه من طرف نادي قضاة المغرب، وقع المئات من المغاربة عريضة تطالب بإنصافه، كما أصدرت جمعية "عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة" بيانًا اعتبرت من خلاله أن عزل الهيني "يربك مسار التأسيس لاستقلال السلطة القضائية ويهدد القضاة النزهاء في أمنهم الدستوري والمهني ويمسّ بمقتضيات الدستور".
وأضافت جمعية عدالة أن محاكمة الهيني اتخذت "طابعًا سياسيًا بنية ترهيب القضاة والإجهاز على حقهم في التعبير"، معتبرة أن الهيني "لم يمس بواجب التحفظ، بل كان يعبر عن آراء تنسجم مع المعايير الدولة ومع روح الدستور وساهمت بفعالية في إثراء النقاش"، معتبرةً أن "التحفظ ينحصر في عدم الخوض في القرارات و الأحكام القضائية وعدم إبداء أراء ومواقف حول قضايا مازالت رائجة ولم يتم البت فيها بأحكام نهائية، وعدم إفشاء السر المهني".
مواثيق تدعم حرية تعبير القضاة
وبالعودة إلى المواثيق الدولية، فهي تتيح لكل شخص، مهما كان، الحق في حرية الرأي والتعبير، كما أن مجموعة المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي أعلنت عنها الأمم المتحدة تعطي الحق لأعضاء السلطة القضائية في حرية الرأي والتعبير، شرط المحافظة على هيبتهم ووقارهم ونزاهتهم، بينما في الجانب الآخر، هناك من يرى أن مواقف القضاة حساسة، وأن مهنتهم تفرض عليهم الالتزام بأقسى درجات التحفظ وليس التدخل بآرائهم في القضايا المعروضة على النقاش العام.
وتتحدث ملاحظة صادرة عن المقرّرة الأمنية المعنية باستقلال القضاء، أوردتها جمعية عدالة، أن السلطات الحكومية في البلدان التي لا توجد فيها قوانين تفعل المبادئ الدولية ذات الصلة، تتخوّف من القضاة الذين يعبرون عن آرائهم بشأن القضايا التي لهم دور فيها ومن ضمنها تلك التي تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، لافتة إلى أنه من الضروري مشاركة القضاة في الحوارات المتعلقة بوظائفهم ومركزهم وكـذا الحـوارات القانونية العامة.
أسباب متابعة الهيني
وقد تسبّبت في متابعة القاضي الهيني شكاية من الفرق البرلمانية لأحزاب الأغلبية الحكومية، إذ جاء فيها أن الهيني "أدمن الإساءة إلى مكوّنات الأغلبية البرلمانية وممثلي الأمة، وأنه يكيل الاتهامات والأحكام القيمية عن سبق إصرار وترصد"، بما أنه وصف في أحد مقالاته تعديلات الأغلبية على مشروع قانون بـ"المناورة الزئبقية التي تتعامل مع القضايا بمنطق المصلحة وليس الدستور".
وأضافت الشكاية ذاتها أن الهيني كتب في مقاله بأن تراجع الأغلبية البرلمانية عن نقطة الضوء في مشروع الميثاق الوطني، الخاصة باستقلال النيابة العامة عن وزير العدل "يظهر التعطش للسلطة وفرض التوجهات ويدوس على مقتضيات الدستور"، وقد وصفت الشكاية كلامه بأنه إخلالًا بواجب التحفظ المفروض في القاضي، مطالبة وزير العدل بـ"اتخاذ ما يلزم لإنصاف المؤسسة التشريعية"، وهو ما أدى إلى توقيفه أولا ثم محاكمته والخروج بقرار عزله.
العلام: آراء الهيني كانت وطنية
يتحدث الباحث في القانون الدستوري، عبد الرحيم العلام: "تعبير الهيني عن رأيه تتيحه له المواثيق الدولية والدستور المغربي، لا سيما أن آراءه لا تؤثر على القضايا التي يحكم فيها ولا تلحق الضرر بالغير ولا تخرجه عن واجب التحفظ أو تجعله يناصر طرفًا أثناء المحاكمة على طرف آخر"، مضيفًا أن "تراجع الأغلبية الحكومية عن مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح العدالة هو ما دفع الهيني وقضاة آخرين إلى رفض هذه التراجعات التي تمسّ باستقلالية القضاء والإجهاز على حقوق القضاة".
ويضيف العلام لـCNN بالعربية أن القانون يمنع القضاة من الانتماء فقط إلى النقابات والأحزاب وليس الجمعيات، وأن القضاة داخل هذه الجمعيات يعبّرون عن آراء تخص المجتمع بشكل عام وميدان القضاء بشكل خاص، معتبرًا أن المقال الذي بسببه اشتكت فرق الأغلبية القاضي الهيني، ليس مقالا سياسيًا، بل هو "انتقاد لبعض المواقف التي تحاول الالتفاف على نتائج الحوار الوطني، كما أنه موقف وطني بامتياز يتعلق بمصلحة العدالة في بلد يسعى إلى تكريس استقلالية القضاء".
هذا وقد اتصلت CNN بالعربية بوزارة العدل والحريات لأجل طلب التعليق على الموضوع وانتظرت لأجل ذلك عدة ساعات، غير أن انشغالات الوزير حالت دون تلّقي أجوبته وفق ما صرّح به مستشار له.
تعرّف أكثر على الموضوع: المجلس الأعلى للقضاء في المغرب يعزل قاضيًا اشتُهر بانتقاده وزير العدل والحريات
تغطية ذات صلة