جاسم المطير يكتب: لويس الخامس عشر في المنطقة الخضراء..!
في الجلسة التاريخية المشهورة لبرلمان باريس يوم 3 – 3 – 1766 صاح لويس الخامس عشر قائلاً:( أنا وحدي أملك القوّة السيّدة ..القوة مني فقط..تستمدون وجودكم وسلطتكم وقوتكم مني..لي وحدي تعود السلطة التشريعية بدون خضوع ولا مشاركة..جميع النظام العام ينبثق مني..كل حقوق ومصالح الأمة متوحدة بالضرورة مع حقوقي ومصالحي ، لا تخرج إلى الشعب إلاّ من بين يدي وموافقتي..أنا السيد..أنا السيد..أنا السيد.)
رغم أن هذا القول قد وُصف من قبل جميع الناس الشرفاء في أوربا أنه قول حقير ، مصيبة من مصائب الحكام ، وأنه تعبير عن نبرة خدّاعة من نبرات المتحدثين باسم الله وباسم الجمعيات الكهنوتية، لكنه، لم يتهدم طيلة الزمن الطويل، الذي مرّ منذ قيام الثورة ضده في فرنسا عام 1789 وفي أمريكا عام 1776 وفي روسيا عام 1917 وفي العراق عام 1920 وفي مصر عام 1919 وفي كل مكان بالعالم وبالرغم من وقوف آلاف الخطباء والشعراء في كل أنحاء المعمورة لتهديم هذا الصوت الصارخ ابتداء من فولتير وجان جاك روسو وروزا لوكسمبرج وموريس توريس ومحمد مهدي الجواهري وسيمون دي بوفوار واحمد شوقي.
في عام 2003 أُسقط نظام صدام حسين امبراطور العراق الأول، لكن من دون أن يتغير النظام الامبراطوري، من دون إلغاء العادات القديمة في إدارة الحكم والدولة، من دون تغيير شكل الدولة ومضمونها ، بل تمّ دمج (الفوضى بالديمقراطية) وتمّ دمج (حرية الشعب) بـ(الإسلام السياسي) حتى اصبحت الطائفية السياسية هي (الإرادة) و(القانون) و(الشرعية) في عصر جديد اسمه عصر (الفوضى الخلاقة). صار فيه الاسلام السياسي حاكماً باسم الله مثل الملك لويس الخامس عشر ..!
قام الاسلام السياسي الامبراطوري العراقي بتحويل السلطة إلى لقمة سائغة يمصّها قادته حتى العظم. كما حوّل الرعية الى ساخطين بكّائين وليس إلى ساخطين ثائرين..ثم مارسَ ، بفظاعة ، انواع الاستبداد ( القتل..الاغتيال..اختطاف الاطفال ..إلخ) ليضفي، على ذلك، طابعاً شرعياً باسم الله وباسم الدين ممهداً الطريق الى انطفاء السراج الاسلامي بإعلان دولة الخلافة الداعشية بقيادة ابو بكر البغدادي ..!
بعد ذلك ظلّ الناس العراقيون آملين ان يبتسموا من دون سماع صراخ الحاكم العراقي ، لكن السادة القادة ظلوا يطلّون من شاشة التلفزيون ليعبروا عن قدرتهم النشيطة بالصراخ بأشكال ونماذج مختلفة:
-نموذج مجلس النواب الحالي يمثله صراخ محمود الحسن حيث يعتقد أن سلطته المذهبية هي من سلطة الله على الأرض..!
- صراخ الرئيس حيدر العبادي في خطاباته التلفزيونية متصوراً أنها (المعنى الديمقراطي للإصلاح)..!
- صراخ الرواق الفخم الواسع، الذي ليس له نظير في أروقة آشور وبابل وسومر ينطلق فيه صوت السيد عمار الحكيم اسبوعياً تحت أرقى المعدات السمعية البصرية معلناً ان أمراء السياسة والسلطة ما زالوا أكثر قوة بتحويل المجلس الديني الى بلاط ..!
- صراخ نوري المالكي واسامة النجيفي وناهدة الدايني وعباس البياتي وغيرهم ممن وجدوا انفسهم في شغل شاغل لتصيد المناصب الكبرى..!
بهذا النوع من الصراخ الامبراطوري ضاع كل مبدأ إداري - رقابي قويم حتى تفسّد بين ظلاله مبدأ النزاهة العراقية من مناصبه الأولى ، نازلاً إلى الدنيا ، ليتحقق ما يلي:
(1) تحوّل (الإسلام السياسي) في العراق إلى أداة بخسة ،كما كان قد تحوّل (الكهنوت السياسي) في أيام لويس الخامس عشر إلى سلطة قامعة رهيبة .
(2) انتزاع (الإسلام السياسي) العراقي الجنسية جميع الوظائف الطبيعية من الناس البسطاء ليعطيها ،تعسفياً، إلى الجاهلين ، تماماً مثلما فعل لويس الخامس عشر.
(3) صار قادة (الإسلام السياسي) في العراق يحبون أهواءهم الشخصية أكثر من حب الوطن.
(4) (الإسلام السياسي) جعل العراق مدينة مسوّرة واحدة اسمها بغداد، عاصمتها المنطقة الخضراء..المنطقة الخضراء تحوّلت إلى بلاط واحد يعيش فيه لويس العراقي وبطانته وحماته مثلما كان قصر فرساي مركز الدكتاتورية الوزارية وفساد الحكم الاستبدادي.
لن تصلح أمور بلادنا إلاّ بالخلاص من كل حفيد من أحفاد لويس الخامس عشر ، إلاّ بإشاعة الحرية المستنيرة، إلاّ بزورق كبير يحمل روح القوانين في نهر دجلة، إلاّ بالتسامح الديني والمذهبي، إلاّ بالحراك الاجتماعي التقدمي في ساحة التحرير ، إلاّ بالمفاهيم العقلانية في إدارة الدولة، إلاّ بالنفيس والفعّال من العلوم في إدارة المؤسسات ، إلاّ بوجود وزراء ومدراء يؤمنون بتطبيق قاموس الديمقراطية والمهنية التكنوقراطية.
ترى هل يستطيع الرئيس حيدر العبادي أن يؤسس (تعديلاً وزارياً) أو (ترشيقاً وزارياً) أو (تغييراً وزارياً) لتحقيق إدارة نظام الحكم الصالح، الفالح، القادح ، وأن يخلّص الشعب العراقي من عقدة الحكم القديمة ، عقدة لويس الخامس عشر؟