اخبار العراق الان

د.نهى خلف: “فلسطين وبابل”: شهادة الصحفي اليافاوي “عيسى العيسى” عن بدايات النكبة

د.نهى خلف: “فلسطين وبابل”: شهادة الصحفي اليافاوي “عيسى العيسى” عن بدايات النكبة
د.نهى خلف: “فلسطين وبابل”: شهادة الصحفي اليافاوي “عيسى العيسى” عن بدايات النكبة

2016-05-15 00:00:00 - المصدر: راي اليوم


د.نهى خلف

‘النكبة’ ليست حدثا محددا في الزمان، النكبة مسلسل مستمر منذ أكثر من قرن ، منذ أن صاغ ‘هرتزل’ مشروعه وأن ثبته ‘بلفور’ بوعده. النكبة بدأت منذ أن بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين وأنشأت أول مستوطنة فيها. النكبة ليست قصة واحدة بل قصص متعددة لبشر تم اقتلاعهم من أرضهم و مدنهم وقراهم ، تعذبوا وشردوا وقتلوا. النكبة هي مجازر جماعية وجرائم َضد الإنسان والإنسانية  وهي مستمرة يوميا  بصمت وصبر وأحيانا  بهبات و رصاص ومجازر و صراخ وبكاء.  النكبة هي الشبكة ‘العنكبوتية’ الضخمة والممتدة عبر العالم من الأكاذيب الصهيونية التي تحاول تبرئة الجلاد و اتهام الضحية و النكبة هي أيضا مسؤولية كل الذين ساهموا في استمرارها.

في عام  1949، سنة واحدة قبل وفاته، كتب الصحفي اليافاوي، عيسى العيسى (1878ـ 1950)، مؤسس جريدة  فلسطين، شهادة صادقة عن كل المآسي التي أصابت  مدينته ووطنه حيث كانت يافا من أول المدن الفلسطينية المستهدفة لأنها  شكلت رمزا للتواجد الثقافي والرقي الفكري والتطور الصناعي والانتعاش التجاري لفلسطين، مما كان يقف عائقا أمام الأكاذيب الصهيونية التي ادعت أن فلسطين صحراء  جافة سيتوكلون هم  مهمة زرعها وإنعاشها، ولكنهم نهبوها وزرعوها ألغاما ورعبا ودمارا و موت.

شهادة عيسى العيسى شهادة حية  للمأساة رغم مرور سبعة و ستون عاما عليها ، كما إنها تحتوي على نقد لاذع لكيفية التعامل مع الفلسطينيين في دول اللجوء، وتوجه نصائح للعرب جميعا، لو كانوا قد استمعوا إليها ، ربما لم يكن  قد تدهور الوضع العربي  إلى ما هو عليه الآن . فهل من سخرية القدر أو من تقصير العرب  أن الدولة الصهيونية التي أسستها مجموعات إرهابية يهودية متطرفة  أصبحت قوة عسكرية إقليمية، بل دولية؟  بينما أن الدول العربية ‘المسالمة‘  وليدة اتفاقيات سايكس- بيكو  و التي أسست بعد استئصال فلسطين، وعلى حسابها،  أصبحت هي الآن  أسيرة لجماعات متطرفة  تشبه بالمصادفة التاريخية الجماعات الإرهابية الصهيونية  الأولى؟.

فبمناسبة ذكرى النكبة الثامنة و الستون، نستعيد هنا  شهادة  الصحفي عيسى العيسى و التي نظمها  كقصيدة بعنوان  ‘فلسطين و بابل’،  يصف  في كل سطر منها   بدايات  لقصة  لم تنتهي، من بين قصص الشتات و المأساة المستمرة……

فلسطين و بابل

قفوا و اسمعوا بالله ما أنا قائل         وما في فلسطين الشقية نازل

فما نكبة الأندلس للعرب بالتي            تشابه ما يلقاه أو ما يماثل

هنا امة قد هجرت من بلادها          و قد أقفرت أديارها و المنازل

إلى النيل حتى نهر دجلة شردت       شيوخ و أطفال و نساء حوامل

و من ضفة الأردن كانت جموعها       إلى بردى عن بعضها تتسأل

سرت بهم شرقا و غربا و قبلة           و نحو التقاء الرافدين قوافل

و لم يبقى في تلك الربوع  سوى     الذي به مرضا أو أقعدته الوسائل

فذا ولد يشكو لفرقة أهله                 ووالدة قد أصبحت وهي ثاكل

و أم رؤوم تطلب الدفء والغذا          و ليس لها بين الخلائق عائل

تخلف عنها زوجها حينما قضى      شهيدا عن الأوطان و هو يناضل

و تلك فتاة باعت العقد و الحلي          لتحفظ عرضا سامها فيه سافل

وذاك فتى تلقاه و البؤس ظاهر         عليه و لا شغل له فهو عاطل

و ذاك ثري مترف بات معدما            و يعوذه ما يكتسبه  ويأكل

و ذا تاجر يبكي على  رأس ماله      و  ذلك   فلاح و ها ذاك عامل

و هذا محام ليس من يستشيره         و ذلك قاض في المحاكم عادل

و ذلك أستاذ نأى و تفرقت                   تلاميذه أيدي سبا وهو ذاهل

و ذاك طبيب حال دون اشتغاله           بمهنته القانون و المنع شامل

و أكثرهم قد خاب المرزق سعيه          و لازمه الخذلان فيما يحاول

و ثم ألاف جندلتهم يد الردى                و لم يبقى منهم إلا القلائل

    تراهم و قد غاضت مياه وجوههم        قد إستسلموا لليأس و اليأس قاتل

و همهم أمر الرجوع لموطن         بهم كان بالأمس القريب يفاضل

به احتشدت بعد الجلاء عناصر           قد اكتملت للشر فيها عوامل

تخلص منها الغرب عمدا فبادرت    إلى الشرق و الشرق  المهدد غافل

و غير فلسطين من الشرق لم تجد               له بلدا سادت فيه القلاقل

تزعمه قوم فكانوا بلاءه                   و أغراضهم قد أثبتتها الدلائل

و في القدس قامت للزعامة ضجة   و عن غيرها لم يشغل القوم شاغل

تعاموا عن الأخطار و هي محيطة        بأوطانهم حتى دهتها النوازل

فنال بذاك الصهيونيون مأربا         له قد سعوا من قبل و السعي فاشل

**********************

أعاد لنا التاريخ قصة بابل            و في كل قطر قد نزلناه بابل

إذا ما حللنا منه بعض بلاده          نقابل كالأسرى فيه و نعامل

و في دول الأعراب كان رجاؤنا    فغاب الرجا منذ دب فيها التخاذل

***************************

بني العرب إني مخلص في نصيحتي     وقد كثرت في النصح مني و الرسائل

بني الشرق لا تنسوا بان مصابنا                       مصابكم يوما إذا لم تقاتلوا

و يا وطني صبرا على الضيم و الأذى                  فإن الذي تلقاه لا بد زائل

بقلم عيسى العيسى صاحب جريدة ’فلسطين’

طبعت  ووزعت في بيروت في 15 كانون الثاني عام 1949