الإستفتاء أو خطة التقسيم الجديدة، لجغرافية العراق، لم يكن بالأمر المفاجئ، فهو حلم لطالما لوح به الأكراد، ليس في العراق حسب، بل كان في إيران، واعلان دولة مهاباد الكردية، التي لم تصمد سوى بضعة اشهر، وكذلك جمهورية لاجين الكردية 1992، والتي كانت ضمن حدود أذربيجان، بعد تفكك الإتحاد السوفيتي، تلاشت وهرب رئيسها إلى إيطاليا، لاجئا" سياسيا"، ونفس الحال ينسحب على الكرد الأتراك، إستمرت منذ بدايات القرن العشرين، حينها تحصلوا على تأييد بريطاني، ولكن المصالح البريطانية، تطلبت الجفاء، وأداروا ظهورهم، وتركوا الأكراد ضحية للبطش التركي، وإلى وقتنا هذا. أمام هذه الحقائق التأريخية، بالإضافة للبعد الجيو سياسي، لماذا أصر مسعود بارزاني، على إجراء الإستفتاء، وفي هذا التوقيت بالذات؟ مسعود صاحب الخبرة السياسية، وهو الدارك لمستوى التحديات الكبيرة، تنتظر عملية الإستفتاء، فأكراد العراق يشكلون إقليما"، ضمن مصافي الحكومة العراقية الإتحادية، يحكمهم دستور، صوت عليه الشعب العراقي بأغلبية مكوناته، ومن ضمنهم الأكراد، والمادة الأولى منه تبين، على أن العراق دولة إتحادية موحدة، والمادة 13 من الدستور في أ، ب تبين إن الدستور يعتبر القانون الأسمى، ولا يجوز سن أي تشريع أو قانون خلاف ذلك، وهنا الإستفتاء فاقد للغطاء الدستوري. إذن فقدان التأييد الإقليمي، ثم فشل التجارب السابقة، لأكراد المنطقة والعالم، في إنشاء دولة كردية، ويأتي فوق ذلك كله، فقدان الشرعية الدستورية، لإجراء إستفتاء الإنفصال، ورغم ذلك، نرى مسعود يتعمد إجراء هذه الممارسة الغير دستورية، السؤال لماذا ذلك؟ السبب وراء ذلك خليط من دوافع، داخلية وخارجية، وبالمناسبة سبقت عملية الإنفصال، إجراءات سرية حقيقية هيئت لإجرائه، فمنذ تسلم هويشار زيباري، حقيبة وزارة الخارجية، بدأ يهيء الرأي العام العالمي، لدعم موضوع إعلان الدولة الكردية، فبدأ التحرك على بعض الدول الدائمة العضوية، ثم ِشراء أملاك للسفارات والقنصليات العراقية، التي يشغل مهامها، سفراء قناصل كردية تدين بالولاء للإقليم وليس للعراق. نعود للأسباب الداخلية، في سر تزمت البارزاني، في إجراء الإستفتاء، فالموضوع بعيد كل البعد، عن تحقيق مصلحة الأكراد، وكما روج إعلاميا"، للأسباب أنفة الذكر، إذن المصلحة تخص شخص البارزاني، والسؤال ما الذي يريده مسعود؟ مسعود المنتهية ولايته، كرئيس لحكومة الإقليم، منذ عامين مضت، ثم قيامه بتعطيل برلمان الإقليم، ومصادرة الحقوق السياسية لباقي الشركاء الأكراد، ومثال ذلك منع رئيس برلمان الإقليم، من دخول قبة البرلمان، والأدهى من ذلك كله، الأزمة الإقتصادية التي عصفت بالإقليم، جراء إستحواذ مسعود على واردات بيع النفط، المستخرج من كركوك والإقليم، فهو يمتنع تسليم الحكومة الإتحادية، ما قيمة 550 ألف برميل يوميا"، وحسب الإتفاق الموقع بين الطرفين عام 2015. كل تلك التصرفات الدكتاتورية، جعلت من شعبيته داخل الشارع الكردي تنحسر، وهبوط أسهمه الإنتخابية، ومع قرب إنتخابات الإقليم، فراهن على محاكاة عاطفة الإكراد، ودغدغة مشاعرهم، من خلال حلمهم بالإنفصال، وإعلان الدولة الكردية، ونجح من خلال ذلك، بقلب المعادلة وتحول من جديد، لبطل للأكراد، ولكن السؤال يثار هنا، من أين أكتسب قوة الإصرار، للمضي بهذه المغامرة؟ رغم جواره لدولتين، هما إيران وتركيا، اللتان تعتبران موضوعة إنفصال أكراد العراق، تهديدا" لأمنيهما الوطني، هنا تبرز الدوافع الخارجية لقيام الإستفتاء، فبعد أن شارفت مرحلة القضاء على داعش، من نهايتها، فرض نفسه محور المقاومة، وهو الذي أريد الإجهاز عليه، بواسطة داعش، ثم تقسيم المنطقة. لكن المحور الصهيو_أمريكي، فشل بذلك، بل وأصبحت إيران، تحادد الأراضي الإسرائيلية، ومن حفظ التوازنات الإستراتيجية، في منطقة الشرق الأوسط، كان لا بد للصهاينة، أن يصبحوا قريبين من الحدود الإيرانية، هنا برزت أهمية مسعود، هنا برزت أهمية إنفصال إقليم كوردستان، يراد لها أن تكون خاضعة للولاء الصهيوني، فجاء الدعم الرباعي لمسعود، من قبل إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، فلولا هذا الدعم، لما تجرأ مسعود بإجراء الإستفتاء، وهنا إسرائيل ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد، فقد أعادت مسعود بطلا" بنظر أبناء قوميته، وهو الحليف الإستراتيجي لإسرائيل، وأسست لبداية تقسيم العراق، والأهم من ذلك كله، سوف تكون على مقربة من الحدود الإيرانية، لذلك سوف يضغط التحالف الرباعي، على الأحزاب السياسية، لتغيير الدستور وقد يصار للتحول من النظام الفدرالي، إلى الكونفدرالي. الحقوقي علي فضل الله باحث في الشأن السياسي والأمني