إبراهيم عباس
في خضم عالم تتصارع فيه المصالح، وتغلي فيه التحديات في منطقتنا، يبرز الزعيم الكردي مسرور بارزاني الذي يرأس حاليا حكومة كردستان العراق، قائداً يقرأ المعادلات بذكاء هندسي فريد، ويعيد رسم خطوط العلاقات وفق رؤية تنسجم مع مستقبل العراق وكردستان ودورهما في منطقة لا تعرف الاستقرار. بين عواصف السياسة وتقلبات الاقتصاد، يبني بارزاني، مع فريقه العملي المكثف جداً، جسوراً تمتد من إقليم كردستان إلى الخليج العربي، حاملاً معه روح التعاون، ومشروعاً يضع الإنسانية في صلب الأولويات.
جاءت زيارته الأخيرة إلى البحرين كخاتمة لسلسلة من الجهود الحثيثة لتعزيز مكانة كوردستان والعراق في قلب العالم العربي. في المنامة، حيث التقى قادة البحرين، كان الحوار مزيجاً من السياسة والتنمية، اقتصاد المستقبل وسبل الرفاهية، وسبل تثبيت الاستقرار في منطقة تتغير ملامحها بسرعة. ناقش بارزاني مع مضيفيه قضايا الأمن، وفتح آفاق التعاون الاقتصادي، وتسيير خطوط مباشرة بين أربيل والخليج، مؤكداً أن إقليم كردستان ليس مجرد كيان شبه مستقل في شمال العراق، بل بوابة رئيسية تعزز دور العراق في المشهد الإقليمي.
التطورات في سوريا، وخاصة ما يتعلق بالتغيرات المتسارعة فيها، ومستقبل النظام السياسي فيها، كانت حاضرة في أحاديثه، إذ يدرك بارزاني أن استقرار كردستان والعراق مرتبط بحل مستدام للأزمة السورية. وبحس القائد الذي يزن الأمور بحكمة، لا يرى في سقوط نظام بشار الأسد مجرد نهاية حقبة، بل بداية مرحلة جديدة تتطلب توحيد الجهود لضمان ألا تتحول سوريا إلى ساحة صراع مفتوحة تهدد المنطقة بأسرها.
لكن بارزاني لم يكن يوماً أسير المخاوف، بل قائدًا يتعامل مع التحديات كفرص. ففي الخليج، أرسى قواعد التعاون مع دول مثل البحرين والسعودية والإمارات، واضعاً نصب عينيه ليس فقط استثمار الموارد، بل أيضاً بناء شراكات تخلق استقراراً طويل الأمد. هذه الخطوات ليست فقط لمصلحة كردستان، بل تعزز قوة العراق الذي ينتمي إليه الإقليم كجزء أصيل، لأنه يدرك أن قوة كوردستان لا تنفصل عن قوة العراق، وأن ازدهار أربيل (العاصمة الثانية) هو انعكاس لازدهار بغداد (العاصمة الأولى) لدولة العراق.
في منطقة مشتعلة بالتوترات، حيث تتقاطع مصالح الدول الكبرى وتتصادم، يتخذ بارزاني موقعاً استراتيجياً. فهو يضع كردستان طرف فاعلاً لا تابعاً، وشريكاً لا متفرجلً. رؤيته ليست فقط إنقاذاً للإقليم أو العراق، بل محاولة لبناء نموذج يُحتذى به في منطقة تفتقر إلى الاستقرار.
مسرور بارزاني ليس مجرد مهندس لعلاقات كردستان الخارجية، بل معمار سلام في منطقة تحتاج إلى من يبني جسوراً لا أسواراً. رؤيته، التي تجمع بين براعة السياسي وإنسانية القائد، تُبرز كردستان كقوة إيجابية في قلب العراق، وركيزة أساسية لاستقرار الخليج والشرق الأوسط.