نزول القرآن على النبي (ص) هو المعجزة الكبرى له في قومه أو في غيرهم ، وعندما يكون مرسل من قبل الله تعالى يتحتم عليه أن ينصره في المواقف التي يتعرض لها، وخصوصا اذا كانت هذه المواقف فيها أثبات حجة على الآخرين الذين يعارضون الرسالة المحمدية التي ختم الله بها كل الرسالات السماوية، لذا لما أثيرت أشاعة في واقعة أحد بأن النبي (ص) تعرضت حياته للخطر وعمت المسلمين موجة من الفوضى والارتباك سببها عدم الانضباط عند بعض العناصر المقاتلة، وعدم تنفيذ الخطة المحكمة الحكيمية التي رسمها رسول الله لسير المعركة........، وتعرض النبي للجروح وكسرت رباعيته، وأخذه نزف الجراح ، ونادى المنادي :ان محمد قد قتل ، فانكفأ الناس عن رسول الله ، ولم يثبت معه إلا خلاصة الإيمان وفيهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وأبو دجانه الأنصاري، وقال بعض الصحابة ليتنا نجد من يأخذ لنا الامان من أبي سفيان!. وقال آخرون لو كان محمد نبي لم يقتل ، الحقوا بدينكم الأول وحدثت البلبله، انطلقت الإشاعات ، وصار المسلمون في هرج ومرج. وهنا تدخل القرآن لحسم هذه المشكلة ، واختيار المبدأ الثابت وهو أن الرسالة لاتموت بموت الرسول والدعوة لا تنتهي بقتل الداعية. أن غياب القيادة مهما كانت عظيمة لا يوقف المسيرة ولايلغي الرسالة ، لأن عظمة القائد في حساب الرسالات لاتجمدها عند حدود حياته لتنتهي بانتهاء حياته، فالرسالةهي الأصل والقاعدة ، والقيادات المتتابعة تمثل دور الحملة لها، فقيمتهم بمقدار مايقدمون لها من خدمات وتضحيات ، وعظمتهم بقدر ما يواجهونه من مواقف الصدق والإخلاص، الأمر الذي يلغي في المسيرة عبادة الشخصية التي توحي بأن الشخص هو الأساس والرسالة من شؤونه وميزة من ميزاته وليس العكس. لكن الرسالة هي التي تصوغ الشخصية ويعطيها الموقع المتقدم في المجتمع، لهذا اذا مات الأنبياء وحملة الرسالات لايموت الدين، بل يبقى الحقيقة الثابته والقوة الفاعلة على وجه الارض، ووقف القران موقفآ حاسما وأكد أن الرسول محمد هو أحد رسل الله الذي جاء على فترة من الزمن،وجاهد في سبيل تبليغ هذه الرسالة حتى يربط الناس بالله من خلالها،فأذا مات ميتة طبيعية أو قتل في آية معركة من معارك الجهاد ، كان على الرسالة أن تستمر وعلى الناس المؤمنين بها أن يستمروا معها ،ولايجوز لهم ان ينقلوا على اعتقالهم فيكفروا أو ينحرفوا عن الخط لأنهم لم يربطوا بالرسول كشخص بل ارتبطوا بالله ورسالته من خلاله . وخلاصة الفكرة أن الدين يقرر عدم ربط الأيديولوجيات العقائدية أو الفكرية بالأشخاص بل ان الأشخاص هم الذين يجب أن يكونوا في خدمة العقيدة، وهذا خلاف ماسلكه فراعنة الأرض الطواغيت الدنيا واصنام البشرية، وصبح الوطن مرتبط بالطاعون والمصائر يتحكم بها ، والمقدرات تحت تصرفه كأنه هو المنعم على الناس بالهدايا وهو القائدالرمز والقائد الضرورة والى آخره من النعوت والإنصاف التي تكال بلا مسؤولية فتنتفخ شخصية الطاغوت فيرى نفسه عملاق الدنيا ، لذا طرح القرآن بقوله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }اتخذت الآية حقيقة إسلامية تتعلق بوجهة نظر الدين في الحياة والموت عند الرساليين والقياديين فتعبر عن النبي (ص) بانه رسول ليس إلا وقد سبقه كثير من المرسلين ،وكلهم ماتوا ، وهو سيموت كما مات الرسل من قبله، وأن البشريه كلها فانية والعقيدة وحدها هي الباقية ، واستقلالية الرسالة شئ، وحملتها الذين يبلغونها للناس شئ اخر على مدار التاريخ، فهم زائلون والمبادئ الرساليه هي الثابته ، والرسالة هي الخالدة والباقية ببقاء الله سبحانه وتعالى، وصرح القرآن بهذه الآية مستحقة ومحتقرة لهذه الشريحة التي انقلبت على اعقابهاحيث قالت :{ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } فالضرر والخسارة إنما تلحق الإنسان نفسه والله هو الغني الحميد ، يقول الإمام علي عليه السلام في خطبة يصف المتقين :{إن الله خلق الخلق حين خلقهم غنيآ عن طاعتهم آمنا من معصيتهم لأنه لاتنفعه طاعة من اطاعه ولا تضره معصية من عصاه}. هادي الدعمي