إطلعت على مقالةٍ لحضرتك نشرتها صحيفة الإتحاد في عمود وجهات نظر تحت عنوان ( الشيخ اليعقوبي .. التهمة ليست جديدة ) كنت قد كتبتها في ( أبريل / 2014م ) ويبدو أنه تم أعيد نشرها في هذه الأيام ، وأحببت ان أوضح لحضرتك بعض النقاط أدناه.
1 – إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي طرحته أنا شخصياً في عام ( 2014م ) هو ليس (قانون اليعقوبي ) كما سمّيته في المقالة إذ لم يكن لسماحة المرجع الديني الشيخ ( محمد اليعقوبي ) أية مدخلية في إنطلاق فكرة مشروع القانون المذكور بل أنني حتى لم أستأذن من سماحته للشروع بتنفيذ الفكرة والبدء بتحريرها بصيغة مشروع قانون كما انني لم أعتمد آراء سماحته الفقهية في تثبيت مضامين المواد التي تضمنها المشروع – بالرغم من أنني مقلد لسماحته - وإقتصرت في التدوين للمضامين على آراء السيد الخوئي والسيد الصدر الثاني ( رحمهما الله ) والمرجعين الدينيين آية الله السيد السيستاني وآية الله الشيخ الفياض وبعد أن إكتملت لدي النصوص بشكلٍ أولي قابل للمراجعة أعددت رسالة مفصلة الى جميع مراجع الدين الكرام وأساتذة الحوزة البارزين وضّحت لهم فيها المنهجية والأسس التي إعتمدتها في كتابة مشروع القانون وطلبت منهم إبداء ملاحظاتهم حول الموضوع وكان المرجع اليعقوبي من ضمن المراجع الكرام الذين فاتحتهم بالأمر ولم يعلم سماحته بالأمر إلا بعد إكتمال النسخة الأولية، فسماحته لم يوجهني ولم يلزمني بشيءٍ في هذا الصدد كما أشيع وكما وصل الى حضرتكم.
2 – لم يصف سماحة الشيخ اليعقوبي مخالفي ومعارضي القانون بـ ( السقوط وعداوة الله ) كما ذكرتم وإنما كان الرد على أولئك الذين إنتهجوا منهجاً لا أخلاقياً ولا مؤدباً في إبداء معارضتهم للقانون والذين لم يكن كلامهم ناعماً وإنما كان عبارة عن سبّ وشتم بالفاظٍ فاحشةٍ وبذيئةٍ ومهينة إمتلأت بها مواقع التواصل الأجتماعي ووسائل البث الأخرى وكلها كانت موجهة ضد الإسلام وضد مؤيدي القانون، أصحاب الكلام الناعم من المخالفين قطعاً غير مقصودين بهذا الوصف الذي ما كان ناتجاً عن إنفعالات نفسية شخصية وإنما هو دفاعاً عن الحق والإنصاف وغضبةً للمنطق والعقلانية التي غيّبها بعض المخالفين في ردود أفعالهم للأسف.
3 – ذكرتم في مقالتكم ( كيف لوزير عدل بلاد كالعراق أن يتبنى مشروعاً فقهيا لقسم من طائفة ليس الطائفة كاف، ) فأقول أن المشروع ليس لقسمٍ من طائفةٍ كما ذكرتم وإنما هو هدف ورغبة لجميع الطوائف والأديان فمنذ عام (2004م ) والى يومنا هذا طرحت العديد من المحاولات لتشريع قانون خاص للمكون الشيعي لتنظيم إحوالهم الشخصية وفقاً لمعتقدهم الإسلامي إبتدأت بمحاولة السيد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) في فترة مجلس الحكم ومروراً بمحاولتي في ( 2014م ) المتمثلة بمشروع قانون الأحوال الجعفري وكذلك محاولة كتلة مستقلون في ( 2016م ) حيث تسلمت اللجنة القانونية مقترحا معدّا من قبل السيد ( علي عبد الحكيم الصافي ) وكيل السيد السيستاني مؤلفاً من ( 900 ) مادة قانونية مأخوذة من آراء مراجع الدين الكرام ومازال موجوداً في أدراج اللجنة القانونية الى يوم كتابة هذه الكلمات، وإنتهت أخيراً بمحاولة المجلس الإسلامي الأعلى في عام ( 2017م ) المتمثلة بالتعديل المطروح على قانون الأحوال الشخصية النافذ والمقدّم من النائب ( حامد الخضري ) رئيس كتلة المواطن البرلمانية، فهذه المحاولات تكشف عن رغبةٍ وتوجهٍ عام لدى الطائفة في تشريع هذا القانون ، ثم إنني كوزيرٍ للعدل وعند السعي لتشريع القانون كنت قد إلتزمت أولاً بالدستور والقوانين النافذة في عملية التشريع وإنما يكون سلوكي عرضة للنقد فيما لو كان تحركي خارج هذين الإطارين ( الدستور والقوانين النافذة ) وثانياً وعند عرض فكرة المشروع على بعض العلماء من المكون السنّي قال ما نصّه ( السنّة لا يحتاجون لهذا المشروع لأن فقههم السنّي يعتبر جميع القوانين النافذة شرعية والعمل بها مبرءٌ لذمة المواطنين بخلاف فقهاء الشيعة الذين يختلف إجتهادهم بهذه المسألة ) كما أن الديانات الأخرى غير الإسلامية قد نظمت شؤونهم وأحوالهم الشخصية وفقاً لديانتهم منذ عام 1931 في القانون رقم ( 70 ) لسنة 1931 وفي قانون تنظيم المحاكم للطوائف الدينية المسيحية والموسوية رقم ( 32 ) لسنة 1947 م وغيرها من القوانين، فبعد هذا هل من الإنصاف أن يتجاهل وزير العدل حقاً كفله الدستور لأحد المكونات العراقية في الوقت الذي يتمتع بذات الحق بقية المكونات بمن فيهم من لا يعتقد بالدين والمذهب كمرجعيةٍ قانونيةٍ لتنظيم أحوالهم الشخصية؟! .
4 – لاحظت أنكم قد وصفتم المشروع بأنه هتك للطفولة مستشهدين ببعض النصوص التي تضمّنها مشروع القانون، ولرفع الإلتباس في الفهم أسمح لي بأن أوضح لحضرتك بأنني وفي طور إعداد المشروع كنت قد إلتزمت بما ورد في كتب الأحكام الشرعية لمراجع الدين من تفاصيل الأحكام بالرغم من عدم قناعتي ببعضها أو جدواها في الوقت الحاضر وذلك من باب الأمانة العلمية في النقل ولكي أثبت بانني لم أختزل أو أضف شيئاً من عندي لأن المشروع سيعرض عليهم بالنهاية لتدقيقه وتصويبه وكان المشروع في حينه يمثل فكرة أولية قابلة للنقاش والمراجعة لذلك كان مطلبي في مجلس الوزراء عند التصويت عليه أن يكون مضمون القرار هو ( إحالة المشروع الى مجلس النواب مع تشكيل لجنة لتصويب ما ورد فيه من قبل مراجع الدين تمهيداً لإقراره ) مما يؤشر بأن المضامين الواردة ليست نهائية وقابلة للتغيير لتنسجم مع ظروف الزمان والمكان المعاصرين، إن السياق العلمي الجاري في أبحاث علماء الدين أنهم يتناولون جميع الحالات في أبحاثهم حتى الإفتراضية منها ويقررون لها حكماً من الأحكام ومنها ما ذكرته في مقالتك من نص مستقطع من المشروع وهو ( الصغيرة التي لم تكمل تسع سنوات وإن دخل بها زوجها ) وإعتبرته إنتهاكاً للطفولة، إن الحكم الشرعي الأولي الثابت في الفقه الإسلامي هو إن سن البلوغ هو إنطلاقة البرنامج الإعدادي والتربوي للبالغ ولمحورية دور المرأة في هذا البرنامج فهي تسبق الرجل في هذا الإعداد وهذا هو الغرض الأساسي من تحديد سن البلوغ وهو غير منظور ولا محورية له في موضوعة الزواج لذلك وضع المشرّع ضابطةً أخرى في الزواج هي أن يكون كلٌ من الرجل والمرأة متمتعاً بالرشد الذي هو مقدرة الشخص على تمييز ما هو في مصلحته وما هو في مضرّته وكذلك تمتعهما بالقدرة البدنية التي تؤهلهما للزوجية ، فالبلوغ لوحده لا مدخلية له لإبرام عقد الزواج فلو كانت المرأة - مثلاً - في عمر عشرين سنة وكانت تفتقد لما ذكرناه فلا يصح منها العقد وكذلك لو كانت – على سبيل الفرض – دون التسع سنوات وتمتلك الرشد والقدرة البدنية فيصح منها العقد ، هذه المسألة تطرح على سبيل البحث العلمي ووضع الأحكام حتى للحالات الفرضية والنادرة التحقق من باب ( أن ما من واقعة إلا ولها حكم ) فمع إحتمالية وجود هذه الحالة النادرة ولو كانت إحتمالية ضيئلة فليس للمشرع أن يغفلها بخلاف المسلك المتعارف في القوانين الوضعية التي غالبا ما تسن للحالات الغالبة في المجتمع وتغفل الحالات النادرة ، نعم نحن نعتقد أنه عملياً لا توجد الآن مثل هذه الحالات على أرض الواقع وأن الجيل الحالي تختلف بنيته الفكرية والجسدية عن الأزمنة القديمة فالحياة أصبحت معقدة جداً وبات من الصعب على من هو في سن التاسعة أو العاشرة او حتى الثامنة عشر أن يدرك ملابسات وحقيقة ما يحيط به ظروف حياتية تجعل قراره صائباً وليس كما في الأزمنة الغابرة التي كانت الحياة فيها بسيطة جداً في جميع جوانبها لا يجد المرء في ظلّها أية صعوبةٍ في تحديد ما هو في مصلحته ، فهذه المسألة مبنية على فرض نادر هو أنه لو كانت هناك فتاة دون التسع ولكنها رشيدة ولديها المقدرة البدنية وطلقها زوجها فليس عليها أن تعتد العدة الشرعية ، وهذا له نظير في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ حيث نص في المادة الثانية والعشرون منه على ( إذا وقعت الفرقة بعد الدخول في عقد غير صحيح فإن كان المهر مسمى فيلزم أقل المهرين من المسمى والمثلي وإن لم يسم فيلزم مهر المثل ) ومحل الشاهد هنا أن القانون الوضعي عالج الحالة النادرة وأقر ضمناً بأن المعقود عليها دون سن الثامنة عشر أو الخامسة عشر بإذن القاضي والمدخول بها – بإعتبار أن عقدها من مصاديق العقد غير الصحيح - يمكن التعامل معها كزوجة يحق لها طلب التفريق وتستحق المهر المسمى أو مهر المثل ، فهل ياترى يعتبر هذا القانون هتكاً للطفولة وإذا كان كذلك فلماذا لم يتم الإحتجاج عليه ولو بالكلام الناعم ؟! ، أما بالنسبة للنص المقتطع الآخر الذي أوردتموه في مقالتكم وهو ( ولا تفعل أي فعل ينافي حقه في الإستمتاع ) فهذا لا يعني ان الغرض من الزواج هو الإستمتاع فقط كما حاول البعض أن يصور الأمر وإنما جاء هذا النص في إطار الحديث عن إلتزامات الطرفين أحدهما تجاه الآخر ، إن هدف المشرع هو بناء الأسرة والحفاظ على كيانها من التعرض للإنهيار والذي من اهم أسبابه هو الإخلال بتلك الإلتزامات والتي يعتبر تحديدها ضروري جداً لترتب آثار قانونية لاحقة على الإخلال بها تمكن من تحديد المسؤولية التقصيرية لدى هذا الطرف أو ذاك .
الاستاذ الكريم ، الحوار الهاديء والطرح الموضوعي هو السبيل للوصول الى تصورات دقيقة وفهم ربما مشترك حيال أية قضية ونحن نرحب بأية مقترحات وأفكار تتفضلون بها حيال مشروع قانون الأحوال أو غيره وكم كنّا نأمل من المعارضين للمشروع أن يتحاوروا معنا ويستمعوا إلينا ونستمع إليهم ونحن على يقين بان هناك رؤى وتصورات مشتركة بيننا تساعد على تبنيها لحماية قيم الإنسانية في بلدنا الحبيب ، اعتذر للإطالة ولكن كان لابد منها ، مع التقدير
حسن الشــمّري
عضو اللجنة القانونية النيابية