كتب / ضحى الخالدي
هناك اعتراف متزايد داخل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزالة بشار الأسد.
يبدو هذا أبرز الإعترافات التي طرحها مارك إبيسكوبوس – مراسل الأمن القومي في موقع مجلة ذي ناشيونال إنترست الأمريكية قبل أربعة أشهر, في مقال عَنوَنَه بالتساؤل التالي:
هل ستعرقل سياسة أوباما الفاشلة تجاه سوريا خطط إدارة بايدن للشرق الأوسط؟
حيث نقل فيه إقرار وزير الخارجية الأميركي الحالي أنطوني بلينكن بفشل سياسة أوباما في إدارة الملف السوري حيث كان مسؤولاً كبيراً في مستشارية الامن القومي الأميركي, إذ لم تفلح بدرء مخاطر الحرب التي مزقت البلاد, أو بالتصدي لما أسماه بالعوامل الخارجية المتحكمة قاصداً روسيا وإيران, ولا حتى بإزاحة الرئيس بشار الأسد عن سدّة الرئاسة, ويرى أن قبضة الرئيس الأسد على السلطة في سوريا إزدادت قوةً بفضل الدعم الروسي و الإيراني, وأن ما أطلق عليه المعارضة السورية “المعتدلة” التي روَّجت لها إدارة أوباما تعتبر عاملاً سياسياً غير فاعل الآن بعد احتواء التهديد المتنامي لداعش على الأراضي السورية بنجاح في السنوات السابقة. لكن على الرغم من ذلك فهو يرى أن التطبيع الأمريكي مع النظام السوري غير وارد.
تتلخص إستراتيجية وزارة الخارجية الاميركية في إدارة بايدن في مقال رأي نشره أنطوني بلينكن في صحيفة نيويورك تايمز العام 2017 حيث رأى أن إدارة الرئيس ترامب تتمتع بنفوذ يجب أن تختبره مع نظام الأسد وروسيا؛ لتقييد القوات الجوية السورية، ووقف أي استخدام (للأسلحة الكيميائية أو البايولوجية) ، وتنفيذ وقف إطلاق النار الفعّال في الحرب (الأهلية) في سوريا وحتى التحرك نحو التفاوض على انتقال السلطة – وهي الأهداف التي استعصت على إدارة أوباما. حسب تعبيره.
إن وصف الصراع مع المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق بالحرب الاهلية هو في منتهى الإجحاف, وتتفيه العقول. خصوصاً من إدارة متورطة بخلق هذه الجماعات الإرهابية باعتراف هيلاري كلينتون, وعلى لسان دونالد ترامب.
يتمثل العنصر الثاني من استراتيجية بلينكن المقترحة في سوريا في مواجهة روسيا, قائلاً: “يجب على الإدارة أن توضح لموسكو أنها ستحاسبها على تصرفات الأسد في المستقبل ، وحشد الآخرين للقيام بالمثل, وشن المزيد من الضربات إذا لزم الأمر “، مطالبًا بفرض تكاليف على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعمه العسكري والسياسي المستمر لحكومة الأسد.”
يطمح البيت الأبيض في عهد بايدن, إلى توسيع عقوبات الضغوط القصوى على سوريا, والحفاظ على وجود عسكري نشط في سوريا لدعم الأكراد كإسفين دائم ضد كل من الأسد والكرملين. من المرجح أيضًا أن تلعب إدارة بايدن دورًا أكثر نشاطًا في إعادة الإعمار الجارية في سوريا ، وربما تدفع باتجاه إصلاحات سياسية من شأنها أن تمنح الفصائل المناهضة للأسد صوتًا محميًا في المجتمع المدني السوري. وهذا ما يبدو جليّاً في تنقلات الارتال العسكرية الاميركية عبر الحدود العراقية- السورية, وبناء المزيد من القواعد شمال شرق سوريا حيث آبار النفط الغنية, وحقول القمح.
تحدث الرئيس الحالي جو بايدن لمجلس العلاقات الخارجية في 2018عام بأن جهود أوباما لحشد دعم الكرملين لـ “انتقال السلطة” بعيدًا عن الأسد قد أثمرت القليل ، وبدلاً من ذلك طرح ما يبدو أنه ترتيب “مجالات نفوذ” مع موسكو, حيث قال:
(هناك طرق يمكننا من خلالها ، في الواقع ، العمل مع روسيا لأخذ أجزاء من البلاد بشكل أساسي – سيكون هذا بلدًا مقسمًا لفترة طويلة..وهكذا يمكنني أن أرى أين يمكنك العمل في مكان يوجد فيه ملاذ آمن بشكل أساسي لأجزاء معينة من ذلك البلد ، ويمكن أن تقلل بشكل كبير من عدد الأشخاص الذين يتم تهجيرهم وقتلهم. لقد حاولنا ذلك أيضًا ، ولم يلعبوا بشكل عادل هناك) في إشارةٍ إلى الروس. وبالنتيجة فإن توسيعاً للعقوبات على سوريا, و وجوداً عسكرياً دائمياً للولايات المتحدة على أراضيها يبدو هو الإستراتيجية التي ستتخذها إدارة بايدن.
خلال الحرب التي استمرت تسع سنوات ، تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية في سوريا بسبب القصف و القتال في الخطوط الأمامية. إنخفض إنتاج الغذاء وتوليد الطاقة وغيرها من الصناعات على مسار الحرب, وتعثَّر الاقتصاد السوري, و غمرت وسائل التواصل الاجتماعي صور مئات السوريين وهم يصطفون أمام المخابز للحصول على خبز مدعوم ووقفوا لساعات متتالية في محطات الوقود.
و حسب مجلة فورين بوليسي فإن شمال شرق سوريا ، سلة خبز البلاد ، يخضع لسيطرة حلفاء الولايات المتحدة الأكراد ، قوات سوريا الديمقراطية ، التي لم تتوصل بعد إلى اتفاق مع النظام بشأن إمدادات الحبوب. مضيفةً: ذات مرة كانت سوريا مُصدرة للقمح ، أصبحت تعتمد جزئيًا على الإمدادات من روسيا ، لكن حتى تلك المساعدة فشلت عندما خفضت موسكو مبيعات الدقيق في الخارج للحفاظ على الاحتياطيات في الداخل خلال الأوقات غير المستقرة لجائحة فايروس كورونا. كذلك فإن العقوبات الأمريكية على النفط والغاز تعني أن الخام الإيراني فقط هو الذي وجد طريقه إلى سوريا. كان لنقص هذا المورد الأساسي تأثير مضاعف على قطاعَي الزراعة والطاقة ، كما أثر على الشركات المحلية.
إضافةً للحرب فإن الأزمات هي أيضًا نتيجة للعقوبات القطاعية الأمريكية. و يتم إجراء مقارنة مقلقة: ما إذا كانت العقوبات ستكون قاسية وهازمة للذات في سوريا كما كانت في العراق قبل عقدين. الأرقام متنازع عليها ، لكن وفقًا لإحدى الدراسات ، فإن نصف مليون طفل ماتوا في العراق نتيجة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة. ظلَّ صدام حسين ديكتاتوريًا كما كان دائمًا ولم يُطَح به بعد سنوات من المعاناة إلا عندما هجمت الولايات المتحدة بجيشها, على حد تعبير المجلة, بإجحاف بيِّنٍ للآلاف المؤلفة من التضحيات العراقية ضد النظام السابق, والتي قوَّضت أركان الدعم الأميركي للنظام, وجعلت الولايات المتحدة تتخلص من ورقته المحترقة.
عقوبات قانون قيصر العام 2020، و التي سميت على اسم المصورالمنشق عن الشرطة العسكرية الذي فرّ من سوريا مع ما زُعِمَ أنها أكثر من خمسين ألف صورة تدين النظام السوري في مجال حقوق الإنسان؛ زادت من مأساة السوريين. ويصر دبلوماسيون غربيون كبار على أن دفع تكاليف إعادة الإعمار في سوريا ، بما في ذلك البنية التحتية مثل محطات الطاقة وأنظمة الري الضرورية للأمن الغذائي والحياة اليومية للبلاد ، سينتهي به الأمر إلى تقوية النظام. لكن آخرين يقولون إن العقوبات لا يمكن أن تصلح دكتاتورًا – حسب قولهم- وإنها مجرد معاقبة للشعب السوري. و يفترضون أن الشعب السوري ، كما هو الحال في العراق ، يتحمل وطأة العقوبات بينما لا يواجه الأسد وأعوانه نقصًا في الغذاء والوقود.
وقال آرون لوند ، المتخصص في الشؤون السورية في المعهد السويدي لأبحاث الدفاع ، إن العقوبات الأمريكية والأوروبية جاءت مع استثناءات للأنشطة الإنسانية والتجارة المدنية المشروعة. ومع ذلك ، كانت الشركات تميل إلى الخوف من أن يكون لها أي علاقة بدولة خاضعة للعقوبات ، وذلك ببساطة لأنها كانت معقدة للغاية لفهم القواعد ولم ترغب في تحمل أي مخاطر.
وقال “الشركات تتجنب حتى التجارة المسموح بها ، لمجرد الابتعاد عن المخاطر والمشاحنات القانونية”. “عندما تقرر المصارف الدولية أو شركات الشحن أن التعامل مع نظام العقوبات لا يستحق العناء ، فإنه يجعل الواردات صعبة ومكلفة في جميع المجالات.”
في سوريا ، حتى السوريون المعارضون للنظام بدأوا يقولون إن العقوبات القطاعية في قطاعي النفط والغاز والبناء تضر بالناس أكثر من النظام. وفي مواجهة الأسد العنيد ، تواجه الولايات المتحدة معضلة مستحيلة. لم يكرر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حربًا على النمط العراقي من شأنها أن تطيح بالأسد لكنها تلزم الولايات المتحدة بدولة أخرى في المستقبل المنظور. ومع ذلك ، تظل المسألة السورية دون حل بالنسبة للولايات المتحدة. بعد تسع سنوات، يواجه نائب رئيس أوباما ، الرئيس الحالي جو بايدن ، تحديًا مختلفًا: ففيما يُزعَمُ أن الشعور بالذنب لزملائه السابقين في إدارة أوباما ، الذين شاهدوا الحرب السورية تتحول إلى حالة من الفوضى ، سوف يحثه على الاهتمام بشدة, إلا أنه إلى أي مدى ستكون سوريا على قائمة أولويات الرئيس المقبل ، هو أمر آخر.
بوجهة نظري الشخصية, فإن إعادة إعمار سوريا, او التهدئة مع النظام السوري غير واردة في إستراتيجية بايدن. سيبقى الشعب السوري يئن تحت وطأة العقوبات الاقتصادية, بانتظار تصعيد من نوع مختلف, تبدو إرهاصاته جليّة.
يبلغ عدد السكان في سوريا حسب موقع factboock التابع لوكالة المخابرات المركزية الاميركية 19398448نسمة, و
26319000 نسمة حسب موقع Britannica , أما المساحة الإجمالية فتبلغ 185180 كيلومتر مربع, ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي فإن هناك 9.3 مليون سوري غير متأكدين من مصدر وجبتهم التالية بزيادة قدرها 1.4 مليون في الأشهر الستة الأولى من العام 2020. و يعيش أكثر من 80% من السوريين الآن تحت خط الفقر, وإرتفعت أسعار السلع الأساسية في سوريا بأكثر من 200٪ عند بدء العقوبات, وتم حظر ودائع بمليارات الدولارات تابعة للشركات السورية في المصارف اللبنانية تقدر ب 20 مليار دولار عام 2020, وبحسب HUMAN RIGHTS WATCH يبلغ عدد ضحايا الحرب أكثر من 400 ألف شخص, اما اللاجئون السوريون فيبلغ عددهم حسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 6.6 مليون شخص حول العالم, يمثلون 8.25% من نسبة اللاجئين عالمياً, ويبلغ عدد عدد النازحين داخلياً 5.6 مليون شخص. وحسب صحيفة الغارديان البريطانية فإن مسؤولي المخابرات البريطانية يدخلون معسكرات الهول و الروج تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بإنتظام لسحب الجنسية البريطانية بسرعة من معتقلي داعش البريطانيين.
لا شك ان الحكومات المستهدَفة بالربيع العربي كانت حكومات دكتاتورية لكن لماذا صمدت سلطة البحرين فيما هرب حاكم تونس ؟! و لماذا خُلِع حسني مبارك في مصر في حين حُجِّمَت السلطة اولاً في اليمن ؟ و لماذا استهدُفت ليبيا و سوريا بأبشع مشاريع الإرهاب و التدمير و من ثم مشاريع التقسيم و التدخلات الأجنبية ؟!
لماذا كان البديل السلفي جاهزاً مستعداً و حاضراً بقوة في عمليات التغيير ؟! الإخوان المسلمون في مصر و حزب النهضة في تونس و الحراك الجنوبي في اليمن و داعش في ليبيا و سوريا إضافةً الى جبهة النصرة و أحرار الشام و الجيش الحر و مسميات اخرى ؟!
استُنسٍخَ ما حدث في ليبيا ليحدث في سوريا مع فارق عدم استخدام الخيار العسكري لحلف الناتوNATO نتيجة الڤيتو الروسي- الصيني المزدوج في مجلس الأمن . و لم تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً في الحرب ضد الإرهاب في سوريا بشكل مباشَر حتى العام 2017.
و حسب مقال في نيويورك تايمز عنوانه ( ما وراء الموت المفاجئ لحرب وكالة المخابرات المركزية السرية البالغة قيمتها مليار دولار في سوريا “. الصادر بتأريخ 2 آب- أغسطس 2017 زوَّدت الولايات المتحدة أولاً مقاتلي الجيش السوري الحُر بمساعدات غير قاتلة (بما في ذلك حِصَصاً غذائيةً وشاحناتٍ صغيرة)، ولكنها بدأت بسرعة في توفير التدريب والمال والاستخبارات لقادة المتمردين السوريين الذين اختيروا.
خلال الحرب الأهلية السورية، التي بدأت في عام 2011، حاول برنامجان أميركيان مساعدة المتمردين السوريين. وكان أحدهما برنامجا عسكريا خطَّط لتدريب وتجهيز 15 ألف متمرد سوري لكنه ألغي في عام 2015 بعد أن أنفق 500 مليون دولار ولم ينتج سوى بضع عشرات من المقاتلين. نفذت وكالة المخابرات المركزية برنامجا سرياً قيمته مليار دولار حقق نجاحا أكبر، ولكن دمره القصف الروسي وألغته إدارة ترامب في منتصف عام 2017.
بدأت حركة الاحتجاجات في درعا مطلقةً شعارات الحرية و الديمقراطية و الكرامة ليتدفق السلاح بعدها الى المجاميع المسلحة في سوريا و ليجري نهر من الدماء في الاراضي السورية. استخدمت المنظمات مطالب شعبية حقّة كمعالجة البطالة و توفير فرص العمل و الكهرباء و تحسين مستوى التعليم الحكومي و تقديم العلاج المجاني للفقراء و معالجة تلوث المياه و تفشّي الأمراض, كل ذلك متوَّجاً بالدعوة للتغيير السلمي .
و كما قام الإعلام بتحريف كلام القذافي في ليبيا لتأجيج الرأي العام و تأليبه ضده ، فإن الإعلام أنكر تدفق السلاح للمجاميع الإرهابية في سوريا كما أنكر وجود القناصة الأجانب ، و صُنِعَ الشهداء و نسبَ كل الضحايا الذين سقطوا اثناء الاحتجاجات و اعمال العنف الى الجيش السوري بما فيهم ضحايا الجيش نفسه لتدَّعي الآلة الاعلامية أن النظام السوري قد قام بإعدامهم نتيجة عصيانهم الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين .وصل الامر بالاعلام الغربي الى دسّ صور لأحداث خارج سوريا لتدَّعي انها حصلت في سوريا .و عُتِّمَ على المظاهرات المليونية المؤيدة للرئيس بشار الأسد الا في الفضائيات السورية ؛ في حين شملت التغطية الاعلامية العالمية المظاهرات المناهضة للنظام السوري والتي يقوم بها عدد أقل من الأشخاص لتبدو اكبر حجماً و اكثر تأثيراً.
وصل الامر الى الحد الذي يقوم فيه الإرهابيون بجرائم القتل ضد المدنيين ثم يظهرون و كأنهم ذوي الضحايا متباكين عليهم امام الكاميرات و متهمين الجيش السوري بهذه الجرائم .ولعبت منظمات سيئة الصيت كالخوذ البيضاء دوراً حاسماً في هذا الصدد. كما قُدِّمَت المجموعات الإرهابية على انها منشقّة عن الجيش السوري تحت مسمى (الجيش الحُر) في حين لم يضم هذا الجيش سوى عدد قليل من الفارّين من الجيش السوري ، و إنما معظم الجيش الحُر هو من المرتزقة من مختلف البلدان.
في محاضرةٍ لسيرغي بوبوڤيتش مدير معهد كانفاس التابع لمنظمة أوتوبور الصربية للثورات الملونة في جامعة هارڤرد في أيار- مايو ٢٠١٠ بشَّر بسقوط الأنظمة العربية قبل ٥/١٠/٢٠١١ بالتفصيل ؛ من إسقاط مبارك و القذافي الى إخضاع علي عبد الله صالح الى مواجهة التحديات الكبيرة من قبل بشار الأسد.
و بالنظر الى خريطة الأحداث جغرافياً و تاريخياً منذ عام ٢٠٠٣سنجد أن العراق و مصر واليمن و ليبيا و سوريا هي دول كانت تمتلك أقوى الجيوش العربية و أقدمها و أكثرها خبرة و مراساً و أبلت البلاء الحسن -رغم كل المعوقات و الخسائر المتتالية- في مواجهة إسرائيل.
و هكذا يشتعل فتيل الأزمة, وتتحول الصدامات بين المتظاهرين و قوى الأمن إلى مواجهات عسكرية بين القوات المسلحة النظامية و مجاميع إرهابية إجتمعت من شتى بقاع العالم لتقتتل على هذه الأرض، و هكذا تتم معاقبةُ ما يعرف بالأنظمة المارقة.