غرد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على حسابه في منصة "تويتر" ببيان جاء فيه "كنت قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية، إلا أنني الآن أعلن الاعتزال النهائي"، ما حفز أتباعه على التحرك بأعداد غفيرة نحو مقرات الحكومة الرئيسة في المنطقة الخضراء اقتحموا القصر الجمهوري متسببين بإعلان حظر شامل للتجوال في العاصمة العراقية بغداد، مما زاد من تأزم الوضع السياسي في البلاد.
وأربك انسحاب الصدر "البيت الشيعي"، وأصاب موضوع التحالفات والإعداد للانتخابات المقبلة بصدمة أظهرت لجميع الفرقاء صعوبة امتلاك قواعد شعبية، تهيئ لولوجهم هذا المعترك بسلاسة وأريحية جماهيرية تجاه الكتل السياسية الأخرى.
من يقف خلف انسحاب الصدر؟
تشير الدلائل، بحسب رئيس تحرير "جريدة المدى" العراقية علي حسين، إلى تدخل مرجعية النجف في إقناع الصدر بالانسحاب، الذي يعتقد أنه مؤقت وبتسوية ربما تؤدي إلى قرار بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
وقال حسين إن "الذي حصل هو أن الصدر استجاب لطلب المرجعية وقرر الانسحاب والاعتزال، لكن وزير الصدر (محمد صالح العراقي) عاد ليعلن في صبيحة اليوم التالي الأربعاء، أن التيار لم ولن يستسلم، بمعنى أن هناك جولة جديدة، ما لم تحسم المحكمة الاتحادية قرار حل البرلمان".
ومن وجهة نظر الصحافي العراقي مازن الزيدي فإنها "ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ لطالما استخدم الصدر الانسحاب كمناورة سياسية إما لإحراج خصومه من الكتل الشيعية، أو لفشله في تحقيق أهدافه ومكتسباته في الحكومة وغيرها"، وعلل الزيدي إعلان الصدر الأخير الانسحاب، بـ "فشله في فرض خياراته عسكرياً، فضلاً عن رفض الرأي العام الواضح لفرض الإرادات بواسطة السلاح الذي لعب دوراً ضاغطاً لاتخاذ مثل هكذا خيار، وكان أيضاً للمرجعية الدينية في النجف وقُم، لا سيما مرجعية كاظم الحائري الذي تتبعه أغلب عناصر التيار الصدري دوراً حاسماً وحازماً".
الدور الإيراني
ورأى الزيدي أن "إيران تهتم باستقرار العراق وبعدم نشوب اقتتال داخلي، ولا تشير المعطيات إلى دور إيراني رسمي في موضوع التظاهر، ويُعتقد أن انسحاب الصدر أو بقائه هو شأن عراقي داخلي ولا علاقة لإيران به، إذ إنها منشغلة بملفات أهم كالمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
واعتبر المتحدث ذاته أن "مكسب إيران الوحيد هو ركون الأطراف العراقية إلى الحوار والاحتكام للأطر الدستورية للخروج من الأزمة الراهنة وتجنيب العراق صداماً يتعذر احتواؤه لاحقاً".
سابقة خطيرة
كذلك رأى الكاتب السياسي إبراهيم السراج أنه "من غير المرجح أن تكون إيران وراء فكرة اعتزال الصدر لأنها قد تكون بإرادة المرجع الديني السيد كاظم الحائري، فالصدر يعمل وفق وصية والده الشهيد محمد الصدر، إلا أن ما آلت إليه الأمور من استخدام أفراد تياره للعنف الذي تسبب في سقوط عدد من الضحايا أدى إلى استنكار المجتمع الدولي ذلك بشدة، كما استنكر مهاجمة المنطقة الخضراء التي تعد سابقة خطيرة من قبل الصدريين".
واستبعد السراج أن تكون لإيران سلطة على التيار الصدري، بدليل هتافات أنصاره ومواقف سياسييه الموجهة ضدها في أكثر من مناسبة.
أما رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، مناف الموسوي، فأفاد بأن "أول العوامل التي أسهمت مباشرةً في عملية انسحاب الصدر من المشهد السياسي هو عدم تجاوب الإطار التنسيقي مع المبادرات التي طرحها الصدر، وعدم الاهتمام بمطالبات المتظاهرين، فضلاً عن الضغط الكبير الذي يتعرض له السيد الصدر من الداخل والخارج، بالتالي محاولة الضغط عليه للانضمام إلى طاولة حوار مبنية على الفشل مقدماً".
تحالف الفتح
وقالت النائب عن "تحالف الفتح" (العضو في الإطار التنسيقي) مديحة الموسوي "لا أعتقد أن هناك أي تدخل لإيران، لكنها كأي دولة من دول الجوار تحلل بعض المواقف من جانبها سواء بالسلب أو الإيجاب، وأكدت إيران في أكثر من تصريح على اعتماد مسار التهدئة والنزوع للجلوس إلى طاولة الحوار الوطني شأنها شأن أي بلد مجاور للعراق".
وتابعت الموسوي أن "انسحاب التيار الصدري لا يكسب إيران شيئاً البتة لأن العراق ليس جزءاً منها، فالعراق بلد له سيادته ولا يحتمل التدخل، ولو كان هناك تأثير لأي دولة في العراق قد يكون الموضوع قد حل منذ زمن".
ملتزمون أمر المرجع
وذكر الصحافي هادي جلو مرعي أنه "في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه الصدر سحب أنصاره من المنطقة الخضراء، قال إنه ملتزم أمر المرجع ويقصد الحائري، وسبق أن دعاه الأخير إلى الانضواء تحت مرجعية (المرشد الإيراني علي) خامنئي ما يشير إلى أن السيد الصدر قرر الالتزام بتوجيهات الحائري بوصفه الغطاء المرجعي للتيار الصدري، والقرار جاء من النجف ومن الحنانة (مقر الصدر) بالذات.
وعلل مرعي ميل إيران إلى "الحفاظ على مصالح حيوية مع الإطار التنسيقي، مع الإبقاء على نوع من التوازن في العلاقة مع التيار الصدري دون إغاظته، كونهم من الطائفة الشيعية ذاتها، وترتبط مكاسب إيران بالقوى الفاعلة القريبة منها، كما يعطي انسحاب التيار الصدري مساحة لحلفاء إيران لاستعادة توازنهم".
أذرع كثيرة
من ناحية ثانية، قال رئيس تحرير "جريدة المدى" علي حسين أن "إيران لاعب رئيس في العراق ولديها أذرع كثيرة سواء كانت من الطرف الشيعي أو الطرف السني، وحتى في الطرف الكردي هناك جماعات ترتبط بمصالح مع طهران. وفي النهاية تنحاز إيران إلى مصالحها سواء كانت هذه المصالح مع الإطار أو مع التيار، لكنها حالياً تدعم الإطار بقوة وتقف إلى جانبه، ليس بشكل رسمي، ولكن هناك جهات ومؤسسات داخل الإدارة الإيرانية تقف مع الإطار التنسيقي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خروج التظاهرات عن سلميتها
من جهته، أكد رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، مناف الموسوي، أن "لإيران دور كبير لأنها تقف مع الإطار بشكل واضح وصريح، وهي ضد التظاهرات وقد تدفع لاستخدام العنف في مواجهتها، لكنها لا تحبذ انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي فهو قد يسبب قلقاً وإشكالية أو حتى فوضى، ولاحظنا كيف خرجت التظاهرات عن سلميتها وكاد الصدام أن يتفاقم، ولكن بفضل السيد الصدر أطفئت نار الفتنة".
إلى ذلك، اتهم السياسي العراقي المستقل وائل حازم الشكر، إيران بدعم "الإطار التنسيقي"، معتبراً أن "هذا هو السبب في وصول الأمور إلى مرحلتها الحالية، كما أن الإطار لا يؤمن بمبدأ الحوار، وما التخوف العام من حكومة يتحكم بها الإطار إلا بسبب مواقفه التي يسعى فيها لتشكيل الحكومة، حتى وإن احترق العراق، بحسب تعبير قيادييه".
وتابع الشكر "هذا ما لمسناه بوضوح وصراحة في كثير من تصريحاتهم الإعلامية وما وصلنا إليه هو بسبب الإطار التنسيقي ودعم إيران لهذا التكتل السياسي، ويؤكد ذلك ما أعلنه أخيراً المتحدث باسم الإطار التنسيقي للصحافة، حول ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة خدمة وطنية".
من هو الطرف الثالث؟
"حين نتحدث عن الطرف الثالث نقول إنه جهة مندسة لا تمثل التيار أو الإطار"، بحسب النائب مديحة الموسوي"، التي أضافت "قد تحدث شرارة، بالتالي يتأجج الشارع العراقي. وحدثت سابقة لدينا في إقليم كردستان بين أنصار الرئيس العراقي الراحل جلال طلباني ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، سببت حرباً بين الطرفين في التسعينيات بسبب شجار بسيط أدى إلى إشعال فتيل الحرب بين الطرفين، لذا كنا حذرين من دخول أي طرف آخر غير معروف قد يؤجج الوضع".
وفي هذا السياق، بادر علي حسين إلى القول إن "هذا السيناريو مطروح في مخيلة أصحاب نظرية المؤامرة، إذ لا يوجد طرف ثالث، بل هناك صراع بين التيار الصدري وبعض قوى الإطار التنسيقي ولكل طرف مصالحه وارتباطاته".
ووافق مستشار المركز العراقي للدراسات والتنمية الإعلامية علي فضل الله، على هذا الرأي قائلاً، إنه "لا يوجد طرف ثالث كما ادعت بعض القنوات الإعلامية، فمعركة استخدام ورقة الشارع خطيرة جداً أطلق شرارتها التيار الصدري متجاوزاً بذلك المديات الدستورية والقانونية، لأن التظاهر حق مقيد بضوابط قانونية".
وأضاف "وصل الحال بالتيار الصدري إلى إخراج السلطتين التشريعية والقضائية من الخدمة، إلا أن شجاعة رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان كانت كافية لتراجع جمهور التيار".
وتابع فضل الله أن "المفاجئ في الأمر كان استخدام جمهور التيار قوة السلاح لدخول القصر الجمهوري، الأمر الذي أحرج حكومة مصطفى الكاظمي جراء ضغط الطبقة السياسية من جهة، والشارع العراقي من جهة أخرى، لذلك السبب صدرت الأوامر للقوات الأمنية بإخراج الجهات الخارجة عن القانون من المنطقة الخضراء.
وباتت المعركة الآن بين التيار الذي أصبح قوة خارجة عن القانون وبين القوات الأمنية العراقية".
أربك انسحاب الصدر البيت الشيعي وأصاب موضوع التحالفات والإعداد للانتخابات المقبلة بصدمة (محمود رؤوف - اندبندنت عربية)
شرارة الانفجار
من جهة أخرى، أشار الباحث السياسي سعد رزيج، إلى أن "إعلان السيد مقتدى الصدر انسحابه من الحياة السياسيه ومن قيادة التيار الصدري واعتزال العمل السياسي أتى على خلفية رسالة المرجع كاظم الحائري التي تضمنت عبارة: لايجوز قيادة أتباع الصدر الأول والثاني إلا من كان يمتلك العلمية في مجال الاجتهاد... الأمر الذي أثار حفيظة السيد مقتدى الصدر".
وتساءل رزيج "لماذا طرح الحائري هذا الموضوع في هذا التوقيت بالذات؟ وباعتقادي، فإن ما حصل كان بضغط من إيران، أو لإدراك الحائري خطورة الوضع الذي آل إليه الوضع في العراق، لا سيما وأن طروحات مقتدى الصدر لم تعد تشكل ضرراً على المصالح الإيرانية، بل قد تجر إلى اقتتال شيعي- شيعي سيؤدي إلى نتائج كارثيه يخسر فيها الجميع، ويتغير بسببه الوضع السياسي في العراق بشكل كامل، وقد يؤدي إلى صعود قوى سياسية جديدة حتى من خارج العملية السياسية أو متحالفة مع بعض القوى السياسيه المشتركة في العملية السياسية".
في هذا الإطار، قال علي حسين، "كانت الأمور تسير إلى التصعيد من دون رسالة اعتزال الحائري وحديثه عن التيار الصدري، لكن بالتأكيد ما قاله في رسالته أثر كثيراً في قرار مقتدى الصدر وكان عاملاً مساعداً، ولكن ليس عاملاً أساساً في التصعيد".
أما مناف الموسوي فاعتبر أن "اعتزال الحائري يقع ضمن الضغوط التي مورست ضد السيد الصدر، ويتضح من مهاجمته للصدر أو توجهه لتقليد خامنئي أن كل هذه الضغوطات تمارس على العراق أولاً، وعلى الصدر ثانياً، وربما على مرجعية النجف ثالثاً". ويختم قائلاً إن "المشكلة تحمل أبعاداً كثيرة وخطيرة، نسأل الله أن يجنبنا شرها. إن اعتزال الحائري لم يكن سبباً، بل شرارة لانفجار حتمي الحصول بين الفرقاء الصدريين والإطاريين".
دولة الفقيه
وعلق المؤرخ علي النشمي على دعوة الحائري باتباع توجيهات خامنئي، قائلاً إن "المرجعية الشيعية تختلف فكرياً في النجف عن التوجهات في قم، ومعروف أن توجه النجف لا يؤمن بولاية الفقيه، كما يؤمن بها توجه قم، ولكن الحائري كان ممن لديهم رأي بولاية الفقيه، وعلى ما يبدو أنه اختار أن يذهب باتجاه الجانب الإيراني، بخاصة وأن السيد الحائري يسكن في إيران وهو بذلك قريب من التوجهات الإيرانية".
وأضاف النشمي "ثانياً، فكر السيد الحائري بطريقة سياسية وليست شرعية أو مذهبية، فلو خيرته بين (السيد علي) السيستاني أو خامنئي تجده أقرب للسيستاني، ولكنه بسبب الظروف السياسية التي يعيشها داخل إيران وجد في انتهاج خط إيران جانباً يمتلك فيه شيئاً من القوة من وجهة نظره، يخدم المذهب أو الشيعة، لذلك طلب من أتباعه أن يكونوا على خط خامنئي. الحائري مقتنع بوجوب وجود دولة قوية تدعم الشيعة على الرغم من تناقض تلك الفكرة مع بعض التوجهات الفكرية، لذلك على ما يبدو، لم يطلب من أتباعه أن يسيروا على خط السيستاني بل خامنئي، لأنه بتصوره أقوى".