يبدو أن اشتباكات المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد قد تتكرر، في ظل إصرار "الإطار التنسيقي" على تشكيل حكومته برئاسة محمد شياع السوداني عضو "حزب الدعوة الإسلامي" السابق، مهما كانت التحذيرات والنصائح من النتائج الوخيمة لهذه الخطوة على الوضع السياسي والأمني في البلاد.
وضمن هذا السياق جاء موقف زعيم "دولة القانون" نوري المالكي الذي دعا في بيان له إلى عدم الحديث عن حل البرلمان لكونه أصبح من الماضي بعد قرار المحكمة الاتحادية برفض الدعوى، والتركيز على تشكيل الحكومة وتقديم الخدمات للمواطنين، ليمثل رسالة مبطنة إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تؤكد رفض جميع مطالبه المتعلقة بحل البرلمان وإجراء إصلاحات في عديد من القضايا.
ولم يقف الأمر عند بيان المالكي بل تصاعد الموقف تدريجاً خلال الساعات الماضية، في محاولة كما يبدو للضغط على زعيم التيار الصدري ودفعه إلى الحوار مع "الإطار" أو انتظار ردوده الشعبية، عندما أكد بيان لـ "الإطار التنسيقي" تمسكه بالسوداني وترحيبه بموقف تحالفي السيادة والديمقراطي الكردستاني في شأن تشكيل الحكومة.
وأعرب "الإطار" في بيان له عن تقديره الكبير للموقف الوطني والدستوري لتحالف السيادة (بقيادة محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب) والحزب الديمقراطي الكردستاني (بقيادة مسعود بارزاني) بعد اجتماعهما في أربيل حيث أعلن الطرفان تمسكهما بالخيار الدستوري في إجراء الانتخابات المبكرة بعد خلق المناخات المناسبة لها، وتحت إشراف حكومة كاملة الصلاحيات وعودة المؤسسات الدستورية لممارسة عملها.
استمرار الحوار
وأكد الإطار "استمراره في الحوار مع جميع الأطراف لتنفيذ الاستحقاقات الدستورية وعودة المؤسسات إلى أداء مهماتها وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات حرصاً منه على تجنيب البلاد مزيداً من الأزمات"، مشيراً إلى أنه سيبذل كل ما يستطيع من أجل الإسراع في تهيئة الظروف المناسبة وضمان مشاركة الجميع.
وجاء تصعيد "الإطار التنسيقي" في شأن تشكيل الحكومة بعد سلسلة من اللقاءات التي عقدتها مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف مع الزعامات السياسية العراقية، إذ حثتهم فيها على تشكيل حكومة عراقية جامعة لجميع الكتل السياسية لتلبي مطالب الشعب العراقي ولا تقصي أطرافاً سياسية، في إشارة إلى زعيم التيار الصدري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف ائتلاف "دولة القانون" عن قرب إرسال لجنة متفق عليها من أطراف سياسية إلى منزل مقتدى الصدر قبل عقد جلسة البرلمان لبحث إيجاد حلول للأزمة السياسية.
وقال عضو الائتلاف وائل الركابي إن "هناك اتفاقاً وطنياً على عقد جلسة للبرلمان العراقي لكن قبلها سيتم إرسال لجنة ثلاثية متفق عليها من قبل الأطراف السياسية إلى زعيم التيار الصدري في الحنانة لبحث الأزمة"، مبيناً أن اللقاء سيكشف الأمور بشكل حقيقي، وأوضح الركابي أن الكتل السياسية لا تعترض على اختيار "الإطار التنسيقي" لمرشح منصب رئيس الحكومة بعد أن يتفق الكرد على مرشح واحد لانتخابه في الجلسة، لافتاً إلى أن جميع القوى السياسية متفقة على الخروج من حال الانسداد السياسي، وألا تكون الأسماء حائلاً بينهم وبين ذلك، والتوجه نحو الآليات الدستورية التي أقرتها المحكمة الاتحادية برد الدعوة بحل البرلمان.
السوداني مرشحنا
وأكد الركابي تمسك "الإطار" بمرشحه على أن يكون هناك حوار للخروج من الانسداد، مبيناً أن "هذا الأمر متروك إلى نتائج تلك الحوارات، لكن المهم أن تعقد جلسة البرلمان لمناقشة كثير من القضايا والوصول إلى حلول وفق الآليات الدستورية".
وعلى رغم تفاؤل "الإطار التنسيقي" بإمكان تشكيل الحكومة عبر اتفاقات مع حلفاء الصدر السابقين، إلا أن جميع المؤشرات تؤكد صعوبة تمرير حكومة عراقية جديدة من دون موافقة التيار الصدري وتنفيذ بعض شروطه على الأقل في مرحلة تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب الوزارية واختيار المرشح لشغل منصب رئيس الحكومة.
عواقب وخيمة
ويرجح النائب الكردي السابق عبد الباري زيباري إمكانية تشكيل الحكومة من خلال جمع حلفاء الصدر "السيادة" و"الديمقراطي"، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن هذا الأمر ستكون له عواقب وخيمة، وقال زيباري إن "زيارة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى أربيل كانت بهدف مناقشة الإجراءات المنتظرة لانتخابات مبكرة لكن بعد تشكيل الحكومة وفق الدستور وهذا منسجم مع موقف الإطار"، مبيناً أن هذا الموقف يعني بطريقة غير مباشرة أن يشكل الإطار الحكومة بالتحالف مع حليفي التيار الصدري إذا ما تحققت مطالب الطرفين، وأضاف زيباري أن عزل أي طرف عن تشكيل الحكومة بخاصة التيار الصدري لن يكون عامل استقرار بل استفزاز، وسيهيج الشارع لكون التيار لم يكتف بأن يكون متفرجاً بهذه الحالة.
ويحتاج "الإطار" إلى تقديم سلسلة من التنازلات إلى تحالفي "السيادة" و"الديمقراطي الكردستاني"، وهي من ضمن الشروط التي تقدم بها الطرفان للموافقة على المشاركة في تشكيل الحكومة ويبدو من الصعب إقناع جميع أطرافه بتنفيذها خصوصاً المتعلقة بعمل الفصائل المسلحة.
واشترط تحالف "السيادة" الذي يمثل السنة في العراق القبول بالمشاركة في الحكومة إذا ما سحب "الإطار" الفصائل والميليشيات الشيعية بالمناطق المحررة من "داعش"، وإصدار قانون للعفو العام وعودة سكان ناحية جرف شمال بابل وإخراج الفصائل المسلحة منها.
وتنتشر الفصائل الشيعية في مناطق واسعة من أطراف محافظات كركوك وصلاح الدين والأنبار ونينوى، كما اشترط الحزب الديمقراطي الكردستاني على "الإطار" تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها في كركوك ونينوى وديالي وصلاح الدين وتجميد قرار المحكمة الاتحادية باعتبار تصدير النفط من الإقليم غير قانوني، وتشريع قانون جديد للنفط والغاز وتأكيد التوازن والشراكة في إدارة الدولة.
المهمة صعبة
ويستبعد رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن يتمكن "الإطار" من جمع العدد اللازم لعقد جلسة ينتخب خلالها رئيس الجمهورية، فيما أشار إلى أن إصراره على ترشيح السوداني يشكل استفزازاً للتيار الصدري، وقال فيصل إنه "من المؤكد أن الإطار التنسيقي وحلفاءه لا يستطيعون وحدهم بـ180 صوتاً في البرلمان الذهاب بتشكيل الحكومة المقبلة وتكليف رئيس الوزراء من دون إيجاد حلول جذرية لمسألة ترشيح وانتخاب رئيس الجمهورية الذي يشكل محطة أساسية قبل تكليف رئيس الوزراء من قبل البرلمان"، مبيناً أن التوافق غير موجود في شأن هذه القضية بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الكردستاني.
وأوضح أن كلاً من تحالف "النصر" وبعض القوى الأخرى في "الإطار التنسيقي" تدعو إلى مشاركة التيار الصدري في ترشيح رئيس الوزراء وانتخاب مجلس الوزراء من خلال مجلس النواب، لافتاً إلى أن مسألة الترشيح تواجه مشكلة، وهي أن "الإطار" يصر أن المرشح الوحيد لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني، وهو يشكل استفزازاً للتيار الصدري.
ورجح فيصل استمرار المواجهة بين التيار الصدري و"الإطار التنسيقي" فضلاً عن أن الأجواء السياسية بين القوى التي تشكل الخريطة السياسية في البرلمان لا توفر فرصة لانتخاب رئيس وتكليف رئيس الوزراء وتشكيل حكومة، لافتاً إلى أن الوقائع والمعطيات المادية الواقعية لا تحقق أهداف "الإطار"، وتابع أن "الصراع سيستمر لكونه على المنافع والأموال والثروات أكثر منه صراعاً لخدمة قضايا الشعب العراقي في مواجهة الفقر والتخلف والبطالة والعشوائيات"، منوهاً أن هذه الملفات وغيرها تشكل عاملاً جوهرياً لعودة التشرينيين للتظاهر والاحتجاج، وربما يتحالفون مع التيار الصدري.