هل ينتهي الحراك الاحتجاجي في العراق بتشكيل حكومة؟

آخر تحديث 2022-10-18 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

تبدو مسارات الحراك الاحتجاجي والأحزاب والحركات المنبثقة عن انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019 في العراق أمام تحديات كبيرة، مع وصول "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" الموالي لإيران إلى السلطة بأغلبية مريحة داخل البرلمان، الأمر الذي يضع عديداً من التساؤلات حول مستقبلها، مع تنامي المخاوف في أجواء المحتجين من احتمالية تصاعد منسوب القمع وتمكين الحكومة المقبلة بشكل أكبر للأذرع الإيرانية المسلحة في البلاد.

ويعتقد نشطاء ومراقبون أن المرحلة المقبلة تمثل تحدياً من نوع آخر، يفرض على قوى الاحتجاج تغيير قواعد الاشتباك مع السلطة من خلال المزاوجة بين العمل السياسي والاحتجاجي في الوقت ذاته.

إحباط ومخاوف

شهد العام الماضي متغيرات عدة على الساحة السياسية العراقية، فبعد أن خسرت القوى الموالية لإيران الانتخابات الأخيرة عادت إلى تصدر المشهد مرة أخرى بعد توترات بينها وبين التيار الصدري، مما أدى إلى عرقلة مشروع "الأغلبية السياسية" الذي كانت تتبناه "الكتلة الصدرية"، الأمر الذي دفعها في النهاية إلى الاستقالة من البرلمان واستحواذ الإطار التنسيقي على غالبية مقاعده.

وتصاعد منسوب التهديدات في الفترة التي سبقت استقالة "الكتلة الصدرية"، إذ وصلت إلى حدود قصف الحرس الثوري الإيراني لمدينة أربيل في إقليم كردستان بذريعة وجود خلية تابعة للموساد الإسرائيلي، وهو الأمر الذي قرأه مراقبون بوصفه ضغطاً على كل حلفاء التيار الصدري حينها للتخلي عن مشروع الأغلبية السياسية.

ويرى أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي أن الشارع العراقي ومنذ تحولت بوصلة الصراع السياسي لصالح قوى الإطار التنسيقي "مصاب بالإحباط والصدمة والشعور باليأس"، لافتاً إلى أن هذا الأمر سيسهم إلى حد ما في "تأجيل احتمالية التأسيس إلى مساحة احتجاج كبيرة كما حصل في أكتوبر عام 2019".

ويتابع أن "استعادة القوى الموالية لإيران زمام المبادرة السياسية بعد خسارتها الانتخابات أسهم بشكل واضح في التأسيس لحال الإحباط العامة في أوساط الناشطين"، مشيراً إلى أن الدعم الدولي الذي تحظى به المعادلة السياسية الحالية يعد هو الآخر "دافعاً لزيادة تعقيد أوضاع قوى الاحتجاج العراقي".

ويعتقد أن التأسيس لاحتجاج فعال في المرحلة المقبلة يجب أن يمر بـ"محاولات حقيقية لإعادة ترميم الأجواء السياسية لقوى الاحتجاج وصياغة برنامج واضح لها قبل الدخول في تظاهرات جديدة".

رفض مبكر لحكومة الإطار

وتعبر الأحزاب السياسية الناشئة أو ما يطلق عليها "قوى تشرين" عن رفضها المبكر للحكومة المقبلة، إذ أشار قادة تلك الأحزاب خلال مؤتمر "قوى التغيير الديمقراطية" الذي عقد في 16 أكتوبر الحالي، إلى رفضهم ما سموه انتهاج مبدأ المحاصصة مرة أخرى.

وقال رئيس "حزب البيت الوطني" حسين الغرابي، إن ما يجري الآن في سياق تشكيل الحكومة المقبلة يمثل "تطبيقاً حرفياً للمحاصصة"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن تجربة الأدوات نفسها وانتظار نتائج مختلفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف في تصريح صحافي، أن "المحاصصة قتلت العراق"، مطالباً بـ"اختيار حكومة انتقالية مهمتها تهيئة أجواء ديمقراطية حقيقية لانتخابات تمثل تطلعات العراقيين".

ولا تتوقف الإشكالات خلال المرحلة المقبلة عند حدود العودة للمحاصصة الطائفية، إذ تتضاعف المخاوف في أوساط الناشطين نتيجة صعود الجماعات المسلحة إلى السلطة، فضلاً عن كون رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني ينتمي إلى حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي التي شهدت فترة حكمه إثارة لعديد من الصراعات الطائفية والقومية وفسح المجال لتضخيم النفوذ الإيراني في البلاد وقمع الحركات المدنية المعارضة، بحسب مراقبين.

عودة لقواعد ما قبل 2018

على رغم المخاوف التي تحيط بأجواء المحتجين العراقيين، يعتقد الكاتب والباحث مصطفى ناصر، إن الشارع سيبقى "مساحة مرعبة بالنسبة إلى الجماعات السياسية المسيطرة على السلطة على رغم إعلان قوى دولية وإقليمية دعمها لما يجري على الساحة السياسية".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "من الصعب التوقع بتوقيت اشتعال احتجاجات جديدة في العراق إلا أن هذا الخيار سيبقى قائماً وقد نشهد في أية لحظة تظاهرات أقسى وأعتى مما جرى عام 2019".

ولعل ما يعزز "حتمية خروج تظاهرات في الفترة المقبلة"، بحسب ناصر، هي أن ظروف تشكيل الحكومة المقبلة ستعود إلى "قواعد ما قبل عام 2018 من حيث التقاسم الحزبي للمناصب وعدم الأخذ في الاعتبار معالجة الأسباب التي أدت إلى الاحتجاجات عام 2019".

 ويرى مراقبون أن عدم تطرق القوى الداعمة لحكومة السوداني إلى حسم ملف قتلة المحتجين أو ملفات الفساد الكبرى والتركيز على أنها ستكون حكومة خدمات تستغل الوفرة المالية التي تشهدها البلاد خلال المرحلة الحالية، سيمثل دافعاً إضافياً لتشكيل الاحتجاجات.

ويقول الناشط السياسي زايد العصاد أن الظروف الموضوعية المحفزة للاحتجاج على الساحة العراقية لا تزال متوافرة، وهذا الأمر يعزز بشكل مستمر احتمالية انطلاق تظاهرات عارمة في أية لحظة.

وعلى رغم الحديث عن أن وصول الميليشيات الموالية لإيران إلى السلطة سيزيد منسوب المخاوف في الشارع العراقي، يعتقد العصاد أن هذا الأمر ربما يعمل بشكل مغاير ويشكل "دافعاً إضافياً لتفعيل الاحتجاجات بسرعة أكبر لقطع الطريق أمام توسيع النفوذ الإيراني".

ويتابع أن "كل ما تفعله الحكومات المتعاقبة في العراق هو الانشغال بقمع إمكانية حصول أي احتجاج ضدها وليس إنهاء الأزمات التي تؤدي في الأساس إلى الحاجة الشعبية إلى الاحتجاجات".

ويبدو أن ثمة اتفاق في أوساط الناشطين على مواءمة العمل السياسي مع المساحات الاحتجاجية خلال المرحلة المقبلة، إذ يلفت العصاد إلى أن "الفترة المقبلة تمثل اختباراً حقيقياً للقوى التشرينية التي يجب أن تزاوج بين الفعل الاحتجاجي والنشاط السياسي"، مبيناً أن هذا الأمر سيسهم إلى حد كبير في "توفير أرضية مشتركة بين مختلف الطبقات الاجتماعية العراقية، وهو ما يعزز احتجاجات واعية وقادرة على إحداث التغيير".

الصدريون

لا تتوقف مساحة الاحتجاجات على مستوى القوى المدنية، إذ يمثل التيار الصدري هو الآخر قوة جماهيرية قادرة على التحشيد لتظاهرات كبرى تهدد مستقبل الحكومة المقبلة، خصوصاً مع شعور التيار بالهزيمة أمام قوى الإطار التنسيقي التي تمكنت من إبعادهم عن المشهد السياسي.

وعلى رغم الاختلافات الكبيرة والاتهامات الواسعة بين قوى الانتفاضة العراقية والتيار الصدري، إلا أن الطرفين يضعان حكومة السوداني أمام تحديات كبرى تتعلق باحتمالية تفجر الأوضاع في أية لحظة.

ولم يمض سوى يومين على تكليف السوداني بتشكيل الحكومة حتى أعلن صالح محمد العراقي المقرب من الصدر رفض التيار المشاركة في الحكومة، مشيراً في بيان إلى مساع لـ"إرضاء التيار وإسكات صوت الوطن".

ووصف التيار الصدري الحكومة المقبلة بأنها "ائتلافية تبعية ميليشياوية مجربة لم ولن تلبي طموح الشعب"، معبراً عن رفضه اشتراك أتباعه فيها.

وتعطي تلك التصريحات انطباعاً عن احتمالية تأجيج التيار الصدري تظاهرات مناهضة للحكومة المقبلة في أية لحظة، وهو الأمر الذي قد يزيد من التحديات التي تواجه حكومة الإطار التنسيقي.

ويبقى مشهد القوى المعارضة للإطار التنسيقي والميليشيات الموالية لإيران معقداً مع التعاطي الإيجابي الكبير الذي تبديه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وبقية الأطراف الدولية والإقليمية بخصوص حكومة السوداني، إلا أن الخيارات لا تزال مفتوحة لقوى الاحتجاج في البلاد خلال المرحلة المقبلة.