لم تكن المحاصصة الجارية في العراق يوماً دستورية، ولا سند قانونياً لها، لكنها بدعة فرضها النظام الجديد الذي رام التغيير الشكلي للحكم في العراق، ورسب فكرة "التحاصص" في أذهان المنخرطين في العملية السياسية التي رعاها الغرب بعيد عام 2003.
الفكرة والجذر
فكرة المحاصصة نتاج محصلات مؤتمرات المعارضة التي حدثت خلال الأعوام 1991-2002، مناهضة لنظام البعث، وزعيمه الراحل صدام حسين، يوم كان المجتمعون يمثلون طيفاً من السياسيين من مختلف المشارب تمثل مكونات المجتمع الافتراضي، بصورة الأفندي والمعمم، ولابسي السدارة، الذين اجتمعوا في فيينا ولندن وصلاح الدين، يدعون الغرب إلى معاونتهم لإسقاط النظام وتطبيق النظام الديمقراطي.
تكرست هذه الآلية يوم سقوط النظام وكتابة الدستور في 2005، الذي أعلن للمرة الأولى نظاماً اتحادياً غير موحد، ونادى بنزع المركزية، وفرض الثلث المعطل المؤلف من ثلاث محافظات، يمكنه إعلان الإقليم، دافعه تكريس استقلالية إقليم كردستان المؤلف من ثلاث محافظات كانت منطوية تحت ما يسمى الحكم الذاتي منذ مطلع السبعينيات.
تعددية القرارات وسوء الإدارة
من هنا، ضربت الوظيفة العامة فعلياً، وحدث نوع من تعددية القرار وتضارب مصالح الوزارات والدوائر، مما دعا كثيرين من المتخصصين إلى تخطي هذا المعيار (المحاصصة) في اختيار الوظائف ذات الصفة الفنية، والدعوة إلى حكومات التكنوقراط التي تعتمد الكفاءة معياراً.
وجرت محاولات خجولة بهذا الصدد، ولكنها محصورة بالوزير التكنوقراط من المكون نفسه، كما جرى في عهد رئيس الحكومة الأسبق عادل عبدالمهدي الذي دعا عبر الإنترنت العراقيين إلى التقدم والمنافسة على المناصب الحكومية، واكتشف الجمهور بعدها أنها لا تعدو إلا دعوة شكلية، سرعان ما تكشفت من حصيلة التعيينات التي تمت وفق حصص المكونات، شيعي، سني، عربي، كردي، وبعض الأقليات، مع كوتة نسائية يتيمة، تكشف العقل الذي شكل معادلة الحكم في العراق، المتهم بالفساد المنهجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
امتحان رئيس الحكومة
ويقول وزير الكهرباء الأسبق كريم وحيد في حديث لـ"اندبندنت عربية"، بأن جوهر الاحتجاجات التي تتواصل في العراق "ستحرج بقاء سياسيي نظرية انتهاج المحاصصة الطائفية في السلطة بخاصة بعد فشلهم في تأمين أبسط مستلزمات حياة المواطن، وهذه الاحتجاجات ولدت بعد مخاضات تظاهرات في
ساحة التحرير والفردوس والناصرية، ولكن هل اقتنع سياسيو التغيير بعد تسونامي تشرين أن النظام السياسي للدولة يجب أن تقوده حكومة تكنوقراط، تعنى ببناء نظام مؤسسي جديد ينتهج برنامجاً للإصلاح السياسي والثقافي ليشكل الركيزة الأساسية للإصلاح الإداري والاقتصادي والاجتماعي؟".
حكومة ما بعد الانسداد
لعلها تحديات جسيمة أمام رئيس الحكومة الجديد وهو يواجه حكومة ولدت بعد انسداد سياسي وانسحابات برلمانية، وإرباك للمشهد العراقي الذي لن يقبل المحاصصة بعد عشرين سنة من التجريب والفشل والفساد المتجذر في المجتمع جراء المحاصصة وغلبة الأثرة بين السياسيين ممن ولجوا عملية سياسية تحتضر، يسعى الرئيس الجديد السوداني بمنطق التوافق الذي فرضه الإطار التنسيقي، حزبه الذي رشحه لهذه المهمة بمقبوليته الشخصية والاجتماعية بتولي ملفات شائكة، وبوزارة خضعت لواقع المحاصصة السائدة التي رفضها الصدر واستقال بسببها، وترك الباب مفتوحاً لما يسميه تياره بالمعارضة الشعبية خارج اللعبة البرلمانية، والاحتمالات المفتوحة.
في المقابل، يوضح الباحث والكاتب مازن صاحب الشمري محاولاً تأصيل فكرة وجوهر فرض نظام "المحاصصة نظام عرفي خارج إطار الدستور تم خلال اجتماعات أحزاب المعارضة في الخارج، برعاية السفير زلماي خليل زاد، فاعتبر تمثيل الشيعة 60 في المئة، والسنة 15 في المئة والكرد 15 في المئة والمسيحيين خمسة في المئة، وخمسة في المئة لبقية الأقليات، وعلى هذ الأساس وزع أعضاء مجلس الحكم في أول تطبيق أميركي لنظام المحاصصة، وكان تشكيل حكومة إياد علاوي ثم الجعفري ومن بعدهما حكومتا نوري المالكي ثم حكومة حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، وأخيراً حكومة الكاظمي، واليوم حكومة السوداني قائمة على التوزيع أعلاه، وحسب المقاعد النيابية لكل مكون من المكونات الطائفية والقومية، التي ما زالت تدار بما تم الاتفاق عليه في مؤتمر لندن وأيضاً بموافقة أميركية ونفوذ إيراني".
ويؤكد مازن الشمري أن الخلاص من هذا النظام يبدو شبه مستحيل إلا بتغيير قانوني الأحزاب والانتخابات وإيجاد نموذج جديد لأحزاب وطنية عراقية لها قاعدة شعبية في أكثر من 15 محافظة عراقية، لا تقل عن خمسة آلاف شخصية وطنية من وجهاء هذه المحافظات أو أكثر للمشاركة في انتخابات عابرة للطائفية، عندها سيكون النظام السياسي أمام استحقاق انتخابي يتضمن فائزين من مختلف شرائح المجتمع العراقي لتشكيل حكومة عراق واحد.
ويضيف الشمري "أما السوداني اليوم فلا فكاك له من تطبيقات واقعية لإدارة نظام المحاصصة وثقافة المكونات، لكن ربما تواجه الأحزاب المتصدية لسلطان الحكم بهذا النظام متغيراً جديداً يتمثل في شخصية السوداني وبرنامجه الحكومي".