هناك آلاف الأشخاص في السجون العراقية (علي السعدي/فرانس برس)
يستمر عدد من القوى السياسية العراقية في التمسك بضرورة إقرار مشروع قانون العفو العام، عبر البرلمان، وإخراج ما يمكن من آلاف المعتقلين الذين تدور شكوك في انتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب في السنوات الماضية، أو بنظام المخبر السري، الذي ابتدعته حكومة نوري المالكي، وتسبب في الزج بآلاف الأشخاص في السجون، مع عدم توافر ظروف محاكمات صحيحة لهم.
وتطالب القوى السياسية الداعمة للقانون بتوفير محاكمات عادلة لهم، والتحقيق في ملفات التعذيب، وانتزاع الاعترافات بالقوة، أو تحت الابتزاز.
ووُضع مقترح قانون العفو العام، إلى جانب مطالب أخرى، مثل إخراج الحشود والمليشيات من المدن، وتعويض النازحين، وحصر السلاح بيد الدولة، كشروط لبعض القوى السياسية، مقابل المضي في تأييد حكومة محمد شياع السوداني. إلا أن الأخير، إلى جانب البرلمان، لم ينفذ حتى الآن أيا من مطالب هذه القوى.
مصدر سياسي: القوى المعارضة لإقرار قانون العفو لا تريد منح الحلبوسي والقوى السنّية فرصة للاستفادة من القانون
ويُعد "السيادة"، أكبر التحالفات العربية السنّية في العراق، أبرز الداعمين لإقرار هذا الملف، حتى وصل الأمر إلى حصول توترات داخل بنية ائتلاف "إدارة الدولة" الذي يحكم العلاقة السياسية بين الأحزاب المشاركة في الحكومة مع السوداني.
لكن أطرافاً سياسية أخرى، تحديداً "الإطار التنسيقي"، وهو الغطاء السياسي لمجموعة الفصائل المسلحة والمليشيات، إلى جانب ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، يعرقلون تمرير القانون إلى البرلمان، ثم التصويت عليه، لاعتبارات سياسية.
تجاهل "الإطار" لمطالب "السيادة"
وأفاد مصدر سياسي قريب من اجتماعات ائتلاف "إدارة الدولة"، الذي يعقد بصيغة أسبوعية، بأن تحالف "السيادة" طرح أكثر من مرة ملف قانون العفو العام إلا أنه قوبل بالتجاهل من قبل زعماء "الإطار التنسيقي"، وتحديداً نوري المالكي الذي لم يقبل النقاش فيه في إحدى الجلسات.
وأوضح المصدر لـ"العربي الجديد"، أن "القوى السياسية المعارضة لإقرار قانون العفو، لا تريد أن تمنح رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والقوى السنّية فرصة للاستفادة من هذا القانون، من أجل تحقيق مكاسب في انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي".
وأضاف المصدر أن "بعض الشخصيات السياسية الرافضة لمشروع قانون العفو العام، واقعة تحت ضغط من الحلبوسي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، لذلك قد يتوجه المعارضون إلى مناقشة هذا القانون خلال الفترة المقبلة، لكنه قد يتعرض إلى تغييرات كبيرة في محتواه وبنوده، وقد يستثنى من العفو الذين اعترفوا بارتكاب جرائم إرهابية. لكن الطرف المؤيد للقانون يؤكد أن أعداداً ضخمة من آلاف المعتقلين اعترفوا تحت التعذيب، محذراً من مغبة إفراغ القانون المنشود من محتواه".
وفي إبريل/نيسان الماضي، كشف وزير العدل العراقي خالد شواني، عن تشكيل لجنة لإعداد قانون العفو العام. وقال شواني، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، إن "السوداني شكّل لجنة لإعداد مشروع قانون العفو العام"، مبيناً أنه "سيكون إنجازاً لجميع الكتل السياسية المنضوية داخل ائتلاف إدارة الدولة".
"السيادة" يحذّر من التسويف
لكن تحالف "السيادة" شكك في جدية رئيس الوزراء العراقي في تنفيذ الاتفاقات التي تم على أساسها منح الثقة لحكومته، محذراً من التسويف في التنفيذ، خصوصاً في مسألة إصدار قانون العفو العام.
وأشار عضو مكتب تحالف "السيادة" في محافظة الأنبار، عبد الله الجبوري، إلى أن "التحالف متمسك بما طرحه من مطالب اشترط تنفيذها عقب تشكيل حكومة السوداني، وأن من واجب أحزاب الإطار التنسيقي، أو بقية الأطراف في "ائتلاف إدارة الدولة"، أن تحترم هذه المطالب. لكن للأسف، لغاية الآن، لم تتقدم هذه الأطراف بأي خطوة إيجابية".
وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "ورقة الاتفاق السياسي ضمت بنوداً وفقرات وعد السوداني بتحقيقها والعمل عليها، لكن إن استمر هذا التسويف مع قضايا شريحة كبيرة من العراقيين، فإن التحالف كله مهدد بالانهيار".
وأكمل الجبوري أن "القوى السنّية تبنّت خلال حملاتها الانتخابية الأخيرة، مراجعة ملفات عشرات آلاف المعتقلين، لا سيما ممن أدينوا وفقاً لوشايات "المخبر السري"، أو بانتزاع الاعترافات منهم بالقوة، وهي الفترة المحصورة بين عامي 2006 و2014، خلال تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة".
صالح المطلك: قانون العفو العام يخدم كل العراقيين، وليس كما يعتقد البعض أنه يخدم السنّة فقط
وأضاف: "حين كُتبت هذه الفقرات في ورقة الاتفاق السياسي، وافقت جميع الأحزاب، بما فيها التي تمتلك الأجنحة المسلحة"، معتبراً أن "تحالف السيادة لن يسمح باستمرار هذا الفخ، وما زال يحاول تثبيت مطالبه بالحوار السياسي".
من جهته، بيَّن رئيس جبهة "الحوار الوطني" صالح المطلك، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "السوداني يسعى إلى فتح صفحة جديدة في آليات التعامل والعلاقات مع كل الأحزاب، لا سيما الأحزاب السنّية والكردية، لكنه مكبل من قبل قوى حزبية (الإطار التنسيقي) الذين يرفضون حتى الآن التقدم في ملف العفو العام".
قانون العفو العام يخدم الجميع
ورأى أن "قانون العفو العام يخدم كل العراقيين، وليس كما يعتقد البعض أنه يخدم السنّة فقط. وحالياً الكرة في ملعب الاتفاقات السياسية، وندعو إلى إنهاء معاناة آلاف وربما عشرات الآلاف من السجناء الأبرياء، الذين وضعتهم التوترات الطائفية والأمنية في مكان ليس مكانهم".
من جانبه، أكد عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي محمد عنوز، أن "هناك ضرورة لإجراء التعديل على قانون العفو العام وإقراره لأسباب كثيرة، منها الاكتظاظ الحاصل في السجون، إضافة إلى المشاكل المرضية التي تحصل".
وأضاف: "هناك أفكار عديدة لهذا الملف، منها التعويض المالي الذي يُقدّم من قبل السجين، أو عائلته مقابل الأيام، أو الشهور، أو السنين التي سيقضيها في السجن، إضافة إلى التدقيق الحذر لملفاته وإعادة المحاكمات".
وأوضح عنوز، لـ"العربي الجديد"، أن "المقترح قُدم إلى البرلمان، وقد أجرى أعضاء اللجنة القانونية لقاءات عديدة بقضاة، إضافة إلى اللقاء برئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان لطرح هذا الملف".
وأضاف أن "اللقاءات أسفرت عن ملاحظات، منها ضرورة الدقة في إجراءات التعديلات في المقترح، وأن يكون ضمن القانون"، متابعاً أن "المشاكل السياسية وعدم الاتفاق عليه يحولان دون التقدم في مناقشته، وهو مرتبط بإمكانية الاتفاقات السياسية بين قوى "ائتلاف إدارة الدولة"، والحكومة التي تعتبر أكبر المساهمين فيه".
وأشار إلى أن "الكثير من العراقيين يعتقدون أنه قانون جديد، لكنه في الحقيقة تعديل للقانون الذي صدر عام 2016، وأن التعديلات ستكون بموجب ما يتم الاتفاق عليه سياسياً".
بدوره، لفت الباحث العراقي ماهر جودة إلى أن "الصراع السياسي واضح داخل "ائتلاف إدارة الدولة"، وهناك جهات تريد تنفيذ بنود من ورقة الاتفاق السياسي على حساب بنود أخرى، فيما يبدو أن تحالف السيادة، وتحديداً رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، يعرقل تمرير الموازنة الخاصة بالعام الحالي والعامين المقبلين، مقابل تمرير التعديلات في قانون العفو العام. وبالتالي، فإن مشاريع القوانين متوقفة إلى حين الاتفاق سياسياً، ثم رفعها إلى البرلمان لغرض التصويت".
وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "بيانات اجتماعات ائتلاف إدارة الدولة لم تتحدث لغاية الآن عن ملف العفو العام، ما يعني عدم الرضا من قبل مكونات الإطار التنسيقي عليه، على الرغم من أن هناك تقدما في المفاوضات بين الأحزاب السنية ورئيس الحكومة بشأن العفو العام، بحسب تعليقات أعضاء حزب تقدم، التابعين للحلبوسي".