إلى المديرية العامة للمرور في العراق.. كردستان ترحب بكم!

آخر تحديث 2023-08-03 00:00:00 - المصدر: هذا اليوم

في عالم تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي وتقدم الأمم، تكمن أهمية تحسين الخدمات الحكومية، ومنها المرورية، بشكل سريع وفعّال لتلبية احتياجات وتطلعات المواطنين. تأتي هذه الحاجة بمزيد من الوضوح في سياق تجربة المرور في العراق، حيث يمر المواطنون بتجارب صعبة ومعقدة في إنجاز المعاملات المرورية في المحافظات العراقية، ما يستدعي التفكير في استخدام تجربة إقليم كردستان نموذجاً ناجح يُقتدى به.

لطالما حقق إقليم كردستان إنجازات ملموسة في تحسين أداء مروره وتألق بها بما أذهل جميع العراقيين، حيث يُمكن الآن إنجاز مجموعة من الخدمات المرورية في يوم واحد فقط، بما في ذلك تسجيل السيارات، وتجديد الأرقام، وإصدار السنوية، وإجراء الفحوصات الدورية، مما يُخفِّف عبء المواطنين ويسهم في توفير الوقت والجهد.

ولا يقتصر الأمر على الإجراءات الفنية والتقنيات المُستخدمة فحسب، بل يتعداه إلى تجربة التفاعل الإيجابي بين موظفي المرور والمواطنين. فإقليم كردستان اتخذ نهجاً مميزاً في التعامل مع المواطنين، حيث يُظهِر الموظفون احتراماً كبيراً واهتماماً بتقديم الخدمات بكفاءة. وهذا التفاعل البناء له تأثير كبير على نفسية المواطنين وثقتهم في الحكومة، مما يعزّز الروابط بينهم ويشجِّعهم على الامتثال للقوانين واللوائح المرورية.

في هذا السياق، ينبغي للحكومة العراقية النظر بعمق في تجربة إقليم كردستان واستثمار الخبرات. يمكن أن تبني الحكومة العراقية أفضل الممارسات والسياسات التي ثبت نجاحها في الإقليم، وذلك لتحقيق نقلة نوعية في قطاع المرور. علاوة على ذلك، يمكن أن تنظم ورش عمل ودورات تدريبية لموظفي المرور من مدن أخرى، بالتعاون مع إقليم كردستان. هذا التبادل المعرفي سيعزز من قدرات الموظفين ويرتقي بمستوى الخدمات في مختلف مناطق العراق.

وماذا عن فكرة المعايشة؟ هذه الخطوة الجريئة قد تكون السبيل لتعزيز الفهم وتبادل المعرفة، وتتمثل بإرسال مسؤولي المرور من محافظات متعددة إلى إقليم كردستان للتدريب والتعلم، سيمكن لهؤلاء المسؤولين من اكتساب تجارب قيمة واستراتيجيات ناجحة لتحسين التفاعل مع المواطنين، وتطبيق أساليب إدارة متطورة.

وبهذا، يتجلى الفارق الواضح والملموس بين تجربة إقليم كردستان وواقع المديريات العامة للمرور في باقي مناطق العراق. هل يعقل أن يمر المواطنون بمعاناة تتجاوز أشهراً في بغداد للحصول على رقم جديد لسياراتهم، بينما يتم إصداره في غضون ثلاث ساعات فقط في مدن كردستان؟ هل يمكن تبرير تأخر فحص السيارات لأشهر في مناطق أخرى، بينما يتم إجراءه في ساعتين بأربيل مثلاً؟ هل يمكن قبول تأخر تجديد الرخصة لأسابيع في أنحاء العراق، بينما يتم ذلك بسرعة وسهولة في إقليم كردستان؟

هذه الأسئلة لا تبدو مجرد استفهامات عابرة، بل هي تحديات حقيقية يجب على مديريات مرور العراق أن تواجهها وتبحث عن حلاً جذرياً لها. هل تساءلت هذه المديريات عما إذا كان هناك أسباب محددة لتلك الفجوة الكبيرة في أداء المرور بين الإقليم وباقي البلاد؟ هل شعرت المديرية بالاستياء أو الغيرة على الأقل تجاه تقدم إقليم كردستان وتطوره السريع؟

قد يكون من المناسب أن تتعلم مديريات المرور في العراق من تجربة الإقليم، وأن تنظر إلى نجاحاته وتحقيقاته بعين الاعتبار. فالتحسينات الهائلة في تسريع المعاملات المرورية وتبسيطها ليست مجرد صدفة، بل هي نتاج جهود مستمرة وتبني لأساليب إدارة حديثة. ومن الواضح أن هذه التحسينات أثرت بشكل إيجابي على تجربة المواطنين وعلاقتهم بالحكومة.

لذا، هل يمكن لمديريات مرور العراق أن تدرك أهمية مواكبة التطور التكنولوجي وتحسين أدائها بما يعزز من تجربة المواطنين ويسهم في تحقيق تقدم حقيقي في خدمات المرور؟ هل يجب أن تستوعب هذه المديريات أن التحسن السريع والفعّال للخدمات ليس أمراً مستحيلاً، بل هو هدف يمكن تحقيقه من خلال التعلم والتبادل وتطبيق أفضل الممارسات؟

 

بعد كل هذا، هل يكون من الواجب على مديريات مرور العراق ألا تكتفي بالتساؤلات فقط، بل أن تتخذ خطوات فعلية نحو تحسين أدائها وتعزيز تجربة المواطنين؟ هل يجب عليها أن تنهض بالتحدي وتسعى للتعلم من الإقليم ومن غيرها من النماذج الناجحة؟

إن استفادة مديريات مرور العراق من تجربة إقليم كردستان قد تكون لها تأثيرات إيجابية تعزِّز من جودة الخدمات وتفعِّل عملية التطوير والإصلاح في مختلف مناحي الحياة. يجب عليها أن تخرج من دائرة الرتابة والتقليدية، وأن تجد في الإقليم نموذجًا ملهمًا يدفعها لتحقيق التقدم والتحسين المستمر، تاركة وراءها الانتظار والتأخير، ومتجاوزةً الحدود نحو مستقبل أفضل.

 

لكاتبها مخلص البغدادي