سيف اكثم المظفر عندما لا تملك مخالب لن يهابك أحد، في مجتمع تشرب الخوف من السوط، وتجرع حنظل السجون بين نكرة السلمان وأبو غريب، ورقد جثة في مقابر موت لا ينجوا منها احد.. هكذا بنى في مخيلته تصوراً عن القوة، والقائد الدموي والحكم الجائر، يستسيغه كرها، لأنها تطبعت في نظرته حتى لم يعد يجد في الهدوء والاستقرار والتوازن، ما يشفي غليله من تصوراته الذهنية لحاكمية النار والحديد . بعد سقوط دكتاتورية الدم والقتل، استنشق ذاك الشعب لأول مرة هواء الحرية النقي، لكن لم يدم طويلاً حتى عاد بعظهم مشتاقا لسوط الحاكم، فما كان أمامه سوى صناعة دكتاتوريات مستنسخة عن تلك الصورة الذهنية، فوجد في شخصيات دينية وسياسية عوجاء مؤهلة لقيادة العنف، ومتبنية لذاك الخطاب الملغوم، بالطائفية والقتل والدم والسلاح والعصابات، طوق نجاة من بحر الحرية العميق.. أستغل ذاك النشاط بابشع صورة، وانطلق بالقتل والتحريض والتنكيل، ثم وضع له قدما في السياسة بنفس ذاك العقل الدموي، فكان الأكثر عنفا في أي مكان يضع قدمه فيه، فذاك ذهن لا يحتمل أي هدوء أو عقلانية أو تفاهم ، فإن اختلفوا ما بينهم، فقاذفات "RBG7" تنطق بأيديهم، ومن وراء هؤلاء منظومة إجتماعية مؤيدة لهذا النوع من اللغة، وغالبهم يجد أنها الحل، لذا تجدهم مؤيدين وفريق صامت وأخر يتمتم دون استنكار حقيقي. هذه الصورة صنعت انطباعا بأن الهدوء والعقلانية والمنطقية نوع من التخاذل، وصوّرتها على أنها خوف، واستخدمت السخرية كوسيلة للانتقاص، من الدعوات إلى التوازن والهدوء، والحل المبني على التفاهم والتعقل. يتضح جلياً ان جيش دموية الحاكم ولغة العنف، هي الأقوى والاكثر تأييدا من قبل جماهير كثيرة، مازالت تنظر إلى من يتكلم بلغة هادئة، ويبحث عن استقرار بلا عنتريات، ويدعوا إلى التوازن ويدعم عراقا مستقرا، لا يلبي طموح الأكثرية منهم.. فلو كان للحكيم عصابات تهدد وتستولي وتحلق الرؤس، وتنشر المشاهد العنف المصورة، لكل أنواع الاعتداءات لمن يمس القائد، لأمتلك جماهير كبيرة.. ولو كان للحكيم وزيراً مثل غيره يأمر، بحرق مولات وتطويق مطارات ونشر مفارز لميليشيات، تقصف الخضراء وتقتل القوات الأمنية، لأصبح الحكيم يملئ تلك الرؤوس الفارغة، التي تستذوق العنف وترى في الصوت المرتفع واليد الممسكة بالسلاح، علامة قوة ويبهرها ذاك المنظر بالبرنو يطلق الرصاص بيد واحدة. الحكيم سيبقى مهندس الاستقرار، وصانع الحكومات المتوازنة، والأكثر حنكة بين المتصدين، وهو مستشرف بصير للمستقبل، يضع نقاط الحل على حروف كل مشكلة، ويحول كل محنة لمنحة، يستند عليها لينطلق لمسطرة التوازن الداخلي والخارجي، حتى أصبح بيت الحكيم كنز الحلول، ومطبخ الحكومات الناجحة، وسفينة الأمان عندما تغرق كل السفن.