مرتضى اليوسف
في عصرنا، كثرت صور الانحطاط وكأنها في سباق هائج مع ميدان التفاهات في الزمكان. صحيح أن الشبكة العنكبوتية أظهرت حقائق مخزيّة لا حصر لها عن أشخاص غرقوا بأوهام النجومية والشهرة، إلّا أن سبات الحكماء المنضبطين الذين آثروا الصمت، قاس كمن يوخز قلبه بإبر صدئة.
محتوى الإسفاف والاستخفاف يكاد يكون متسقاً متجانساً، فحين تتراقص بعض الشخصيات على دموع الناس وآلامهم، تستيقظ وسائل إعلام لتعيد تسويق كل ما يمكن تسويقه إلى نفس المرابطين على الشاشات، قبل أن تغط في نومها العميق بمجرد إسدال الستار على مسلسل التشويه والتلويث، بانتظار مأساة جديدة، وكأنه سيناريو يرتجله العابثون في مسرح تجاري هزيل لا يعرض إلّا ما تستهويه أبصار المراهقين الكبار والصغار.
يتفق كثيرون، وربما الغالبية، أن نسبة كبيرة من الشاشات أوغلت في شرف المهنة، ودنست خصوصية المنكوبين وحتى الراحلين عن هذه الحياة باكراً، دون أدنى مبالاة بمشاعر ذويهم، طمعاً في تفاعلات وإعجابات زائلة، وهي ليست سوى فقاعات تشبه فوران المياه الغازية، ومن دون شعور وإدراك بالمسؤولية، انصاعت تلك الوسائل ورفعت رايتها البيضاء أمام "زمرة الانحدار" لتنخرط معها في خندق الهرج والابتذال والعبثية.
سيول التفاهات المضمرة باتت تتفرع أفرعاً وفروعاً، وبدأت تشق مسارها كغيوم ملبدة تستبق إعصار الأوهام، جارفةً معها كل قارب يرسو على شواطئ الأمل.. ولا يُلام أحد على ذلك، "فشبيه الشيء مُنجذبٌ إليه"، مثلاً يُضرب ويُقاس، ويختزل هذا العصر المرئي المضطرب المتخبط بأربع كلمات.