حسب الله يحيى
تنتشر في بغداد وعدد كبير من المحافظات ما يسمى (العشوائيات والتجاوزات)، وهو مظهر سلبي من جملة المظاهر السلبية التي تنتشر في العراق وتتجاوز الأنظمة، من دون أن تجد الحكومة حلولا لها، إلّا باتخاذ قرارات سريعة وقاسية ومجحفة بحق شرائح عديدة من المواطنين الذين يعيشون في قاع المدينة.
ومثل هذه الظاهرة لم تكن مألوفة من قبل، بل كان هناك على العكس من ذلك أوامر ملزمة بطلاء أحياء ومحلات وشوارع بلون موحد بهدف تحقيق جمالية وخصوصية لكل شارع ولكل حي.
الا ان ما حدث بعد 2003 ؛ كل ظاهرة سلبية باتت تتسع يوما بعد اخر، وبتنا نجد العديد من الشوارع وقد تم اقفالها، بعد أن تحولت إلى أسواق شعبية، واختفت الأرصفة بسبب استغلالها من قبل سكنة الدور أو الباعة الجوالين..
وتمَّ البناء على أراضٍ زراعية أو آثارية، وتحول البيت الواسع الواحد إلى أربعة أو سبعة بيوت !
وقد اتخذت الحكومة سلسلة إجراءات، ووجهت الكثير من الإنذارات للمخالفين تحثهم وتلزمهم على إزالة التجاوزات والعشوائيات والبناء غير النظامي، والذي لا يحمل إجازة بناء ولا خارطة بناء معتمدة رسميا.
إلا أن كلَّ هذه الإجراءات باءت بالفشل، فشلٌ على صعيد الحكومة، وعلى صعيد المواطنين المخالفين كذلك. وهذا يعني أن القرارات الملزمة التي تتخذها الحكومة، لم تلق صداها لدى المخالفين، وخشية المنفذين من الصدام مع المواطنين، الذين يرفضون رفضا قاطعا تنفيذ القرارات التي يعدونها (تعسفية) وخالية من الرحمة والإنسانية والعدالة إزاء شريحة اجتماعية تعاني من الفاقة ومن البطالة.
ولو تمت دراسة هذا الواقع الذي نشهده في كل شارع وفي كل زقاق؛ لتبينا أن بغداد على وجه التحديد قد تحولت من مدينة حضارية وعاصمة تاريخية تزهو بنظافتها، إلى مدينة تثقل عليها العشوائيات والتجاوزات ومن ثم تمتلئ بالنفايات من دون أن تجد الحكومة حلولا لها، وكان من الممكن للحكومة ان تنجح في تنفيذ قراراتها، لو انها تمكنت من اقناع كل مواطن، من ان النظافة ـ نظافة الشوارع والاحياء والازقة ـ لا تقل أهمية عن تنظيف بيوتهم وأماكن أعمالهم.
انها ليست مسؤولية الحكومة وحدها ؛ وانما يتطلب من المواطن تحمل مسؤوليته كذلك في نشر النظافة والنظام.
ولعل انتشار هذه العشوائيات والتجاوزات، يعود بالدرجة الأساس إلى انتشار البطالة بعد ان أغلقت كل المصانع أبوابها، مثلما جفت الأراضي الزراعية، وانتقال حياة الريف المتواضعة والفقيرة والتي يسودها الجهل إلى المدينة؛ لتصبح متخلفة بدلا من تمدنها ورقيها.
هنا.. يبدأ عمل الحكومة:
ـ انشاء أسواق شعبية خاصة بكل مهنة وبكل نوع من البضاعة المباعة، وهذا أمر غير عسير التنفيذ على حكومة خدمات.
ـ والعمل على إعادة فتح المصانع المحلية ودعمها وتيسير عملها.. وهذا ليس صعبا اذا ما كانت النوايا سليمة.
ـ ودعم الفلاح عن طريق تزويده بالاراضي والاسمدة والاليات والمياه؛ ولا يمكن للحكومة ان تقف عاجزة عن تنفيذه.
ـ وبناء بيوت رخيصة للسكن ؛ يمكن ان تخفف كثيرا من وطأة ازمة السكن التي تعاني منها شرائح اجتماعية عديدة.. وكمثال على ذلك بناء مدينة الثورة (الصدر حاليا ) في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم.
ـ واعداد شروط ميسرة وملزمة للبناء وعلى أراض معدة على هذا الغرض، امر ممكن كذلك.
ـ اما تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى اراض سكنية خارج الضوابط والقوانين فهذا امر يفترص إيقافه وبقوة.
ـ اما اشغال الأرصفة وتوسيع رقعة السكن عليها، أو اشغالها من قبل الباعة الجوالين ؛ فأن هذا الامر يتطلب تعريف المواطن بحقه وحق سواه من الناس، لكي يتم اتخاذ الإجراءات الحاسمة بعدئذ، مع مراقبة المنفذين خشية وقوعهم في الرشا من جهة، وحمايتهم أمنيا من كل اعتداء وتهديد.
ـ كما ان العمل على فرض غرامات على كل من يهمل العناية بنظافة شارعه وحيه.. لا بد من تفعيل الاجراء الصارم بحقه في حال امتنع أو تقاعس عن اعمام هذه النظافة.
(العشوائيات والتجاوزات) لا يمكن وضع حد لها بالأمنيات وحدها ولا بتثقيف الناس حولها حسب؛ وإنما تكون الغرامة أحيانا ضرورية ولتكون آخر الحلول الناجعة، التي تجعل المواطن ملزما بالتنفيذ.