الانتخابات الرئاسيَّة في أميركا وإيران .. من يلعب في الملعب الآخر؟

آخر تحديث 2024-06-26 10:06:03 - المصدر: واع

محمد صالح صدقيان

في الوقت الذي تنشغل فيه ايران بظروف وأجواء الانتخابات الرئاسية المبكرة، صعدت الدول الغربية من درجة سخونة الملف الإيراني إن في اصدار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرار ادانة ايران تقدمت به الترويكا الأوربية وأيدته الولايات المتحدة؛ أو علی صعيد موقف مدير الوكالة المذكورة روفائيل غروسي، الذي أدلی بتصريحات بشأن مخزون اليورانيوم المخصب الإيراني والذي أدرجَ في خانة سعي إيران الوصول لمرحلة انتاج السلاح النووي.

ايرانيا؛ كان الاتفاق النووي مطروحا بقوة علی طاولة المرشحين للسباق الانتخابي الرئاسي، خصوصا بعد أن جلس وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذي قاد مفاوضات التوصل للاتفاق النووي عام 2015، إلی جانب المرشح الاصلاحي مسعود بزشكيان باعتباره مستشار المرشح المذكور في إحدی الندوات التلفزيونية الانتخابية والذي ركز بشكل دقيق علی الاتفاق النووي وعلاقته بالوضع الاقتصادي والسياسي والإقليمي في مقابل المرشحين الآخرين، الذين دافعوا عن مواقفهم الرافضة لهذا الاتفاق، مستندين علی موقف غير معلن لمرشد الجمهورية الإسلامية بشإن هذا الاتفاق، ما دعا مكتب المرشد إلی توخي الحذر بنقل مواقف غير مكتوبة أو غير مسموعة مباشرة من المرشد.

الملف الثاني المطروح علی طاولة المتسابقين للرئاسة الايرانية الملف الاقتصادي وهو أيضا ليس ببعيد من الملف النووي وملف المفاوضات مع الدول الغربية، ويأخذ حيزا مهما في برامج المرشحين في حين ينخرط الناخب الايراني بشغف لمتابعة الآلية، التي يريد المرشحون معالجة المشكلات الاقتصادية، التي يعاني منها الشارع الإيراني والعائلة الإيرانية.

خارجيا؛ يبدو أن الولايات المتحدة تريد الدخول علی خط هذه الانتخابات ونتائجها، لأنها لم تنجح من ترويض الحصان الإيراني لتقديم تنازلات والتوصل لتفاهمات تستطيع خدمة الأجواء الانتخابية الأمريكية، التي يحتاجها الرئيس بايدن ولذلك أوعزت للترويكا الأوروبية المانيا وفرنسا وبريطانيا من استخدام نفوذها باعتبارها عضوة في الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018 لاستغلال اجواء الانتخابات والضغط علی الناخبين الإيرانيين والمشهد الانتخابي بشكل عام، والتي أرادت أن تقول بانها تعمل من اجل تفعيل «سناب باك» وهي الآلية الاتوماتيكية الموجودة في الاتفاق النووي الموقع عام 2015 لإعادة العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي علی إيران بما في ذلك عودتها للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

من الصحيح جدا أن واشنطن تستطيع أن تفرض عقوبات أو تعيد عقوبات وهي لديها هذه القوة والإمكانية، التي تستطيع تسخيرها ضد إيران؛ لكن الصحيح أيضا أن الخيارات التي تملكها إيران خيارات مربكة للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة. وبعيدا عن الخيارات الأمنية والسياسية الاقليمية؛ فإن طهران تعلم المسار الذي تريده واشنطن وتعلم أن القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، الذي اختضن الاتفاق النووي سوف ينتهي في اكتوبر 2025. وامام واشنطن الأشهر القادمة من أجل استكمال عملية ترحيل الملف الإيراني من أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأروقة مجلس الامن الدولي. إن طهران تعلم ذلك جيدا ولذلك تضع امامها «خارطة طريق» واضحة ومعلنة وضعتها أمام المعنيين في واشنطن وفي العواصم الأوروبية من أنها سوف تكون مجبرة لإعادة النظر بــ «عقيدتها النووية» بسبب السلوك الذي تتخذه الدول الغربية. وهذه الخطوة تمَّ تكرارها أكثر من مرة، ما يعني أنها ليست «شطحة لسان» وإنما هي من الخطوات التي «قد» تفكر بها طهران بشكل جدي. ثانيا؛ اعلنت بانها سوف تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي، اذا ما تم ترحّيل الملف الإيراني لمجلس الأمن الدولي واستخدام آلية «سناب باك» وتحديدا كما فعلت مع «قرار الإدانة»، الذي صدر من مجلس محافظي الوكالة الدولية والتي قالت بأنها سوف تتخذ إجراءات معينة اذا صدر قرار الإدانة وبالفعل قامت بالإعلان عن عزمها بزيادة عدد أجهزة التخصيب في منشأتي فوردو ونطنز النوويتين. أما الأمر الثالث فقالت بانها ملتزمة بالاستمرار في التعاون مع الوكالة الدولية وإن كل الإجراءات التي تتخذها تتم بعلم ومراقبة الوكالة من خلال فرق التفتيش التي يبلغ عدد أفرادها 250 مفتشا لا تخلو منهم المنشآت النووية، وانها مستمرة في تنفيذ قانون الضمانات التابع للوكالة لكنها قالت أيضا بأنها عملت علی تخفيض التزاماتها المستندة علی الاتفاق النووي، بما يتح لها هذا الاتفاق حسب المادة 36 عندما لا تلتزم بقية الأطراف ببنود الاتفاق المذكور. وما تطالب به الوكالة من أجوبة علی أسئلة تتعلق بمواقع عُثر فيها علی مواد ملوثة فإنها كما تقول طهران مستعدة للاجابة عليها، شريطة أن تتعامل الوكالة بمهنية، بعيدا عن الضغوط السياسية التي تمارسها بعض الأطراف وتحديدا الولايات المتحدة وإسرائيل.   وفي ظل هذه الأجواء هل تستطيع الولايات المتحدة أن تؤثر في نتيجة الانتخابات الإيرانية؟ الإجابة علی هذا السؤال ليس بهكذا سهولة، لكن الاكيد أن الثقة المفقودة بين طهران وواشنطن لا يمكن لها أن ترمم بموقف هنا وموقف هناك، وأن ثقة الشارع الإيراني لا تختلف عن ثقة النظام السياسي بمصداقية الولايات المتحدة حيال ايران. ربما أن بعض الأوساط كانت تنتقد سياسة النظام الموجهة للولايات المتحدة، لكن عندما أتاح النظام الإيراني استخدام سياسة «المرونة البطولية» وجلس المفاوضون الإيرانيون مع نظرائهم الإمريكيون في فيينا وتوصلوا للاتفاق النووي عام 2015 ؛ كانت واشنطن هي التي تبرعت بالانسحاب من هذا الاتفاق، لأن «الاتفاق سيئ» !. ولذلك من الصعب التصور أن الشارع الايراني يستجيب للضغوط أو الإشارات، التي يطلقها البيت الأبيض لكن ذلك لا يعني إغلاق باب المباحثات؛ بل علی العكس من ذلك فإن طهران تحاول استخدام جميع الأوراق المتوفرة بيدها في أوقاتها المناسبة، بما يحقق مصالحها في السياسة والاقتصاد والأمن، دون أن نستبعد استغلال طهران للإجواء الانتخابية الأمريكية وحاجة المرشحين الامريكيين لأجواء تخدمهم في سباقهم الانتخابي. ومن المحتمل جدا أن طهران وواشنطن ستلعبان بالملعب ذاته، حتی تتوضح صورة القادمين الجدد للقصر الرئاسي الإيراني وللبيت الأبيض. ولكل حادث حديث!