الإعلام العربي في كردستان.. حضور غائب وتأثير متلاشٍ

آخر تحديث 2024-09-06 16:15:45 - المصدر: روجين هفال

على الرغم من أننا في القرن الحادي والعشرين، وفي أواخر عام 2024، حيث تتسارع وتيرة العولمة وتتقدم التكنولوجيا بأشواط لا حصر لها، إلا أن الإعلام الناطق بالعربية في إقليم كردستان يقف عاجزًا، متقوقعًا في زاوية ضيقة، لا تتجاوز حدود غرف تحريره. الأخبار التي تنشرها المواقع الإعلامية الناطقة بالعربية لا تجد قارئًا سوى محرريها أنفسهم، هذا إذا قرأوها بالفعل. هو إعلام بلا تأثير، يشبه صدى صوت يعود إلى مصدره دون أن يبلغ الآذان التي خُلق ليسمعها. ما هذا إلا دليل صارخ على الضعف البنيوي الذي يعاني منه هذا القطاع الحيوي، والذي يفترض أن يكون أداة توجيه وتواصل فعالة بين الحكومة وشعبها، وبين الإقليم والعالم العربي.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للتأمل هو أن الإعلام العربي في العراق وحتى في باقي الدول العربية هو الذي أصبح يؤثر على الشارع الكردي في الإقليم. الكرد، رغم وجود إعلام ناطق بالعربية في الإقليم، أصبحوا يتابعون ويتأثرون بما تنشره وسائل الإعلام العربية الأخرى، سواء في العراق أو خارجه. هذا الواقع يطرح تساؤلات عميقة حول فعالية الإعلام العربي المحلي، ومدى قدرته على أن يكون صوتًا حقيقيًا للإقليم. فمن المفارقات أن المواطن الكردي يتلقى تأثيره الإعلامي من خارج الإقليم، بينما يتلاشى الإعلام الناطق بالعربية في كردستان، غير قادر على منافسة نظيره العربي الآخر. هذه الحالة تفتح الباب للتأمل في الفجوة الكبيرة بين ما يُصرف من أموال على هذا الإعلام وما يحققه من تأثير فعلي على الشارع.

ورغم المبالغ الهائلة التي صُرفت والوعود الكبيرة التي قُطعت من قِبل أولئك الذين يتصدرون مواقع إدارة تلك المؤسسات الإعلامية، إلا أن الإعلام العربي في الإقليم بدأ يتلاشى تدريجيًا. لم يتمكن من تحقيق أي حضور حقيقي أو بناء قاعدة جماهيرية، بل بات غارقًا في تناقضاته وضعفه. هذا الإعلام لم يعد يملك السيطرة على الجمهور الذي ينصرف عنه شيئًا فشيئًا، وبدلًا من ذلك، يغلب عليه إما الإعلام العربي الموجه من خارج الإقليم أو حتى من خارج العراق ككل.

إلى جانب ذلك، يشكو كثير من الصحفيين من الأخطاء اللغوية والمعلوماتية التي يتناولها الإعلام العربي في الإقليم. الأخطاء التي تظهر في تقارير هذا الإعلام باتت مصدر إزعاج للعديد من الصحفيين العرب، إلى درجة أن البعض منهم بات يعتقد أن هذه الأخطاء تُرتكب عمدًا، في محاولة للاستهزاء باللغة العربية وإظهارها بشكل سطحي أو مهين. هذه الشكاوى تؤكد أن الإعلام العربي في الإقليم لا يعاني فقط من ضعف في المحتوى، بل يواجه أزمة حقيقية في الحفاظ على مستوى احترافي يليق باللغة والتقاليد الإعلامية العربية.

إن هذا الوضع لا يمكن أن يُعزى فقط إلى التحديات التكنولوجية أو التطورات الرقمية التي تعصف بالعالم من حولنا، بل هو نتيجة لسلسلة من الإخفاقات المترابطة التي تبدأ من تعيين كوادر إعلامية غير مؤهلة، ورغم إجادتهم للغة العربية، فإنهم يفتقرون إلى الرؤية والمهارات المهنية اللازمة لإدارة محتوى إعلامي فعال. "ليس كل من نطق بالعربية إعلاميًا"، كما يُقال في الأمثال، وها نحن نرى ذلك يتجسد في ضعف الأداء، وقلة التأثير، وفقدان الصلة بين الإعلام والجمهور.

إن الإعلام العربي في كردستان يُدار كما لو كان لعبة بين أيدي غير مدربة، ترتكب الأخطاء ذاتها دون أن تعي أو تستفيد من دروس الماضي. تعيين الأشخاص بناءً على العلاقات الشخصية أو الولاءات السياسية بدلًا من الخبرة والكفاءة جعل هذا الإعلام فارغًا من المضمون، لا يتجاوز حبر الكلمات على الشاشات أو الورق. هو إعلام لا يتفاعل مع الواقع، لا يعكس هموم الشارع ولا تطلعات الجمهور، بل يكتفي بتكرار ما يراه القائمون عليه مناسبًا لأجنداتهم الخاصة.

هذا الإعلام، الذي يفترض به أن يكون لسان حال الحكومة وناقل رسائلها، أصبح مجرد أداة ضعيفة لا تكاد تُسمع. لقد تم تركه ينهار تحت وطأة انقسامات سياسية تحكم قبضتها على كل ما يمكن أن يمس حرية التعبير أو استقلالية الرأي. الرقابة الذاتية التي يفرضها الإعلام على نفسه خوفًا من إغضاب جهات معينة أو تجاوز خطوط حمراء وضعها أصحاب السلطة، قد أودت به إلى هاوية من الانحدار والتراجع. فلا صوت يُسمع سوى صوت المصالح الضيقة، ولا رسالة تصل إلى الشعب سوى تلك التي تعكس قوالب سياسية مفرغة من الروح.

وفي ظل كل هذا، يعاني الإعلام الناطق بالعربية من عزلة قاسية عن جمهوره العربي الأوسع. في حين يتسابق الإعلام في الدول المجاورة على تقديم محتوى جذاب وذكي يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، نجد الإعلام في إقليم كردستان يتخبط في مستنقع من المحتوى الرتيب، الذي لا يملك القدرة على جذب اهتمام المتابعين أو تقديم رؤية واضحة ومؤثرة. هذه العزلة تعكس قلة الموارد والافتقار إلى استراتيجيات إعلامية حقيقية، تجعل من الإعلام أداة تواصل فعالة بين الإقليم والعالم العربي.

إن الحلول لهذه الأزمة تتطلب أكثر من مجرد وعود فارغة أو تصريحات إعلامية. يجب أن يبدأ التغيير من القاعدة، من تطوير الكوادر الإعلامية، ومنح الحرية اللازمة للإعلاميين ليكونوا صوتًا حرًا ينقل الحقائق دون قيود أو ضغوط. يجب أن يكون الإعلام العربي في إقليم كردستان نافذة مفتوحة على العالم، لا مرآة مشوهة تعكس فقط وجهة نظر ضيقة لا تصل إلا إلى معديها.

ما لم يحدث تغيير حقيقي وجذري في هذا القطاع، سيظل الإعلام الناطق بالعربية في كردستان صدى ضعيفًا لصوت لا يسمعه أحد، وسيبقى عاجزًا عن نقل رسائل الحكومة وأهدافها إلى جمهورها المستهدف، مما سيؤدي إلى تعميق الفجوة بين السلطة والمواطنين، وإلى تراجع مكانة الإقليم في العالم العربي، بل وحتى في داخل العراق ذاته.