"الطنطل والنملة والكلبة".. درابين بغداد الضيقة تبوح بأسرارها (صور)

آخر تحديث 2025-01-04 14:45:08 - المصدر: شفق نيوز

شفق نيوز/ تحمل درابين وازقة بغداد القديمة تسميات غريبة وصادمة، لكنهافي الأصل مشتقة من تاريخها وتراثها ومن أصناف العمل الذي يمارسه سكانها، او ترتبط بحوادثتطغى على غيرها، ومن ذلك (فضوة عرب) الواقعة عند نهاية شارع غازي سابقا "الكفاح"حاليا، ويتفرع من هذه المحلة - وفق متتبعين - عدد من الشوارع التي تتصل بهذه المحلةوتبلغ نحو 20 شارعاً.

الشكل الهندسي للمحلات القديمة

تعد المحلات والازقة القديمة جزءا من منظومة واسعة من شبكات الطرق وفقالمهندس المعماري المهتم بالتراث العراقي، محمد قاسم، وتحتوي على 3 اجزاء رئيسية، أولهاالمناطق العامة التي تضم المباني والمؤسسات، ويكون مركزها المسجد الذي يرتبط بالمبانيالادارية والخدمية، ثم السوق الكبير وهو أول شارع عام ضمن المحلات القديمة وتتفرع منهعدة شوارع تقود إلى اسواق فرعية ودور سكنية.

تلي المناطق العامة ما يعرف بالمناطق شبه العامة، وتكون هذه المناطق -وفق ما يقول قاسم لوكالة شفق نيوز - ضمن المحلة الواحدة، ويكون عرض شوارعها أقل منهفي المناطق العامة، أما الشارع شبه الخاص فيكون ضمن مجموعة بيوت ضمن المحلة الواحدةولا يتجاوز عرضه من 2 الى 3 امتار، وتجمع هذه الشوارع عدداً من الأزقة والدرابين الضيقةبشكل هندسي بنيت على طرازه محلات بغداد القديمة.

محلات ارتبطت أسماؤها بسكانها

محلة "عگد الهنود"، واحدة من المحلات البغدادية التي انبثقتتسميتها من ساكنيها الهنود القادمين مع الجيش الليفي والذين لم يكن بإمكانهم العودةبسهولة الى موطنهم الاصلي، والتحقت بهم بعد سنوات بعض النساء القادمات من الهند منالأقارب عن طريق البواخر التجارية، وتزوجن هؤلاء النسوة من عراقيين فأصبحت المحلة خاصةبهم، ويميز هذه المحلة عن سواها روائح الفلفل والبخور التي تدهم القادمين لها من محلاتاخرى.

وفضلا عن محلة الهنود ثمة دربونة البرابرة، وكان أغلب سكانها من القوقازيينوالاذريين الذين يمتازون بجمال يختلف عن أبناء العراق، ولم تعرف اصولهم في البدء، وكانيطلق عليهم تسمية (البربر) نسبة الى جيش هولاكو البربري الذي غزا بغداد، وكانوا يتحدثوناللغة التركية، ومن ثم تعلموا اللغة العربية، واغلب المواطنين كانوا يتحاشون دخول أزقتهملشراستهم.

أما دربونة "المعدان" فقد انبثقت تسميتها من سكانها المزارعينمن أصحاب الجاموس وباعة الحليب والقيمر، ولكثرة أبقارهم ومواشيهم أصبح بعضهم يعمل قصابافي سوق الصدرية الذي ما يزال قائما ويحمل الاسم نفسه حتى اليوم.

الطنطل والجري والنملة عگود ذائعة بدرابين بغداد

تأخذ بعض المحلات تسميتها من احد "العكود" اي الشارع، فمحلةالطنطل اخذت اسمها من عكد يعرف باسم (الطنطل)، وبحسب المؤرخ محمد صالح صاحب كتاب"اخر ما تبقى من بغداد"، فغن "عگد" الطنطل يسكنه خليط من الفقراء،وينام سكانه عند غروب الشمس حيث لا يوجد مصباح ضوئي، وكان بعض السكارى حينما يعودونيصدرون اصواتاً لإخافة القادمين، فيظن الناس ان هناك "طنطلاً" في الزقاق،ونسجت حول هذا العگد حکایات لا تنتهي عن عالم الارواح والجن والطنطل وحتى ان بعض"الچرغچیة" كانوا يخافون من دخول عگد الطنطل.

وانبثقت تسمية "عگد الجُرّي" الذي يقع قرب حمام الحميدي، وعرفتالمحلة بهذا الاسم بسبب وجود بائع سمك جُرّي اسمه خليل السماچ، كان يدور بصواني سمكالجُرّي والدهن الحر في المحلة ويلاقي اقبالاً منقطع النظير.

وعن عگد العبيد، يقول المؤرخ محمد صالح في حديث لوكالة شفق نيوز، إن فيهذه المحلة يغلب أصحاب البشرة السمراء على سكانها، وهم بالاصل من منطقة الزبير بمحافظةالبصرة، وقدموا الى بغداد لخدمة مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني، وكانوا يمارسون الرقصوالدق على الدفوف في المناسبات، وفيهم من ابتعد عن ذلك وانخرط في خدمة الذوات فأصبحغنياً وساعد اهل محلته، ولم يبق من هؤلاء سوى القليل، وفق صالح، إذ تفرقوا وسكنوا مناطقمختلفة في الفضل والميدان.

فيما يمتاز عكد الكوازيين الذين امتهنوا الصيد لاحقاً بأنهم كانوا يصنعونالكوز والحب والتنگ والدنابك من الطين الحري، فيقبل الناس على شراء مصنوعاتهم و أطلقواهذا الاسم على هذه المحلة، اما النساء فكن يقمن بصنع التنور الطيني لعمل الخبز في البيوت.

وتعد دربونة "درب الجلبة" من الدرابين البغدادية القديمة المشهورة،ووفق محمد السعيدي الباحث في التراث البغدادي وصاحب متحف أرض الرافدين، فإن تربية الكلابفي المنازل لم تكن من عادة البغداديين، كون تربية الكلاب مرتبطة بسكان الريف، إلا أنهذه التسمية اطلقت لوجود امرأة بريطانية كانت تربي كلبة عند مطلع العهد الملكي.

دربونة النملة

تقع دربونة النملة في بداية شارع الرشيد وتنتهي بالشارع الذي كان يسمىبشارع المستنصر، شارع النهر حاليا، وكانت هذه المحلة حتى فترة الثمانينيات قائمة ويمارسفيها المواطنون انشطة تجارية مختلفة، ووفق المهتم بالتراث البغدادي حميد عباس الذييسكن في شارع الرشيد مطلّع الخمسينات من القرن الماضي، فإن هذه المنطقة كانت عبارةعن دربونة ضيقة ولهذا سميت بالنملة، ثم تحولت هذه الدربونة فيما بعد الى محال تجاريةومخازن للاحذية والحقائب النسائية، بحسب ما يقول عباس لوكالة شفق نيوز.