سقوط الأسد يفتح الباب أمام خط أنابيب الغاز نحو أوروبا

آخر تحديث 2025-01-06 17:00:07 - المصدر: اندبندنت عربية

 المشروع يعود للواجهة بعد 15 عاماً من التعثر (أ ف ب)

يبدو أن سقوط نظام الأسد في سوريا قد يكون عاملاً رئيساً لعودة كثير من المشاريع اللوجستية المتوقفة، ومنها مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي ما بين تركيا وقطر، مما يفتح الباب أمام صادرات الغاز القطري إلى أوروبا عبر سوريا، في وقت تبحث أوروبا عن بديل لإمدادات روسيا.

وتتمتع سوريا بموقع إستراتيجي مهم في الشرق الأوسط، إذ تتقاطع على أرضها طرق التجارة والنقل ما بين أوروبا وآسيا، إضافة إلى أنها تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط مما يجعلها هدفاً للقوى الكبرى التي تسعى إلى السيطرة على مواردها.

واكد متخصصون في قطاع النفط والغاز لـ " اندبندنت عربية" أن تحقيق الاستقرار في سوريا لا يزال تحدياً رئيساً أمام تنفيذ المشروع، إضافة إلى ضرورة موافقة جميع الأطراف الإقليمية المعنية مع وجود حكومة سوريا جديدة تسعى إلى تطوير علاقاتها الإقليمية والدولية، مشيرين إلى أنه من المحتمل أن يصبح المشروع نقطة انطلاق لمرحلة اقتصادية جديدة في المنطقة.

وأوضح متخصصون أن المشروع يمكن أن يمثل بداية لعصر جديد من التعاون الإقليمي في مجال الطاقة وتحقيق مكاسب إستراتيجية لجميع الأطراف المعنية، لافتين إلى أن من فوائده تقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي ومن ثم توفر بديل إستراتيجي للطاقة في أوروبا يعزز التنويع في مصادر الغاز الطبيعي.

وتابعوا أن "المشروع يتيح للحكومة السورية الجديدة فرصة للاستفادة من العوائد الاقتصادية الكبيرة والإسهام في إعادة الإعمار، وأيضاً تعزيز الشراكة الإقليمية ولا سيما أن خط الأنابيب يشكل نقطة تعاون إستراتيجية بين دول المنطقة، وخصوصاً قطر وتركيا والدول المجاورة".

وفرّ بشار الأسد الذي قضى ما يقارب 25 عاماً في الحكم إلى روسيا بعد أن سيطرت مجموعات مناهضة للنظام على دمشق الأسبوع الماضي، مما يشير إلى انهيار نظام حزب البعث الذي كان في السلطة منذ عام 1963.

وبعد سقوط النظام السابق في سوريا مباشرة بدأ الاتجاه نحو إمكان إعادة النظر في المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أجهضت سابقاً وفي مقدمها مشروع نقل الغاز الطبيعي القطري إلى أوروبا الذي عاد لدائرة النقاش بعد 15 عاماً من التعثر.

مشروع يمكن إحياؤه

وفي هذا الشأن قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار إن "مشروع خط الأنابيب المتوقف منذ فترة طويلة ما بين تركيا وقطر يمكن إحياؤه بعد سقوط نظام الأسد الذي دام عقوداً من الزمان".

وعقب اجتماع لمجلس الوزراء في العاصمة التركية أنقرة الأسبوع الماضي، سئل بيرقدار عن إمكان إحياء مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي يمكن أن يربط الدول الأوروبية وتركيا بقطر عبر السعودية والأردن وسوريا.

وقال بيرقدار إن "تحقيق خط الأنابيب قد يكون ممكناً، إذا حققت سوريا سلامتها واستقرارها الإقليمي"، مضيفاً "إذا كان الأمر كذلك فيجب أن يكون هذا الخط آمناً، ونأمل في أن يكون كذلك، فإذا كان الأمر كذلك فهناك كثير من المشاريع التي يمكن إنتاجها".

وأوضح الوزير التركي أن الكهرباء حاجة أساس، مضيفاً أنه "في غياب البنية التحتية القائمة فإن كل شيء مفقود في سوريا ونحن في حاجة إلى النظر في كيفية تحويل الطاقة إلى أداة لتلبية هذه الحاجات".

وفي عام 2009 أطلقت قطر مبادرة لإنشاء خط أنابيب بطول 1500 كيلومتر لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا بهدف تزويد الأسواق الأوروبية بالغاز الطبيعي القطري، بقيمة استثمارية تبلغ 10 مليارات دولار، وقوبلت الخطة برفض من الرئيس السوري آنذاك بشار الأسد الذي عرقل المشروع حفاظاً على مصالح حليفته روسيا التي تعتبر المورد الرئيس للغاز إلى أوروبا.

تمهيد العودة

 وعلى الصعيد ذاته أكد خبير الطاقة والنائب الأسبق لرئيس هيئة البترول المصرية مدحت يوسف أن الموقف الراهن في سوريا وانسحاب بشار الأسد من المشهد السلطوي السوري يمهد لعودة إحياء مشروع نقل الغاز الطبيعي القطري عبر أنبوب من قطر عبر السعودية وسوريا إلى تركيا، ومنها ربطاً بخط الغاز التركي "نابكو" إلى أوروبا، والذي سبق ورفضه الرئيس بشار لدعم روسيا في سيطرتها على إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا.

ويعتقد يوسف أن فكرة إحياء هذا المشروع تأتي في ظل وجود بعض الأمور وفي مقدمها أن التوقيت مختلف، إذ إن دول أوروبا تراجعت عن إمدادات الغاز الروسي ببدائل ذات كلفة عالية عبر الاعتماد علي الغاز المسال من جهات مختلفة، مع وصول أسعاره عالمياً إلى ما يفوق 50 دولاراً للمليون وحدة حرارية.

وأشار يوسف إلى أن تنفيذ المشروع يأتي في ظل وصول كلفة الأنبوب بالأسعار الحالية إلى مستويات مرتفعة للغاية في ظل ارتباط قطر بتوريدات حتمية من واقع تعاقدات طويلة الأجل مع دول الشرق الأقصى وفي مقدمها اليابان وكوريا والصين، أكبر مستوردي الغاز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت إلى أنه عندما يتحول جزء من الإنتاج القطري إلى أوروبا بعد مقاطعة الغاز الروسي فإن المتوافر من الإنتاج القطري لا يغطي الحاجات الأوروبية التي اتجهت إلى الغاز الأميركي المسال علاوة على واردات من دول غرب أفريقيا والجزائر، موضحاً أن إحياء فكرة المشروع تأتي في ظل التقارير القطرية الخاصة بتوقعات الإنتاج خلال الأعوام المقبلة والتي تهدف إلى إنتاج ما يوازي 142 مليون طن متري سنوياً عام 2030، في حين أن إنتاجها الحالي يقدر بـ 77 مليون طن سنوياً، مشيراً إلى أن البدء في إنشاء المشروع الآن يعني تشغليه فعلياً عام 2030، وبالتالي فإن تلك الكميات المتوقعة ستغطي كامل إمدادات الغاز الروسي السابقة لأوروبا.

وقال يوسف إن الوضع الحالي يثير تساؤلاً مهماً حول ما إذا كان هذا المشروع لا يزال يحقق جدواه الاقتصادية في ظل كلفه الباهظة مع إمكان الربط بباقي إنتاج دول الخليج الأخرى لتحقيق توازن كمي مع الحاجات الأوروبية، تتوافق مع كلف الإنشاء والإدارة لتحقق جدوى جيدة.

وأكد النائب الأسبق لرئيس هيئة البترول المصرية أن قطر لديها خبراء متخصصون في المجال ويستطيعون إدارة تشغيل الأنبوب عبر دول المسار كافة، إلا إذا تعرض المشروع لمشكلات تخريبية عبر المسار الطويل بسبب نزاعات إقليمية أو لتحقيق أغراض خاصة، مشيراً إلى أنه إذا استطاعت قطر تنفيذ هذا الأنبوب وتشغيله بيسر ونقل كميات وافية من الغاز الطبيعي لأوروبا، فإن السوق العالمية ستشهد نوعاً من الاكتفاء وبالتالي ستنخفض أسعار الغاز الطبيعي المسال في الأسواق هناك.

فرصة اقتصادية

من جانبه أوضح استشاري الطاقة المتجددة وعضو مجلس إدارة المجلس العربي للطاقة المستدامة الدكتور محمد سليم سالمان أن "تصدير الغاز القطري إلى أوروبا يمثل فرصة اقتصادية وإستراتيجية هائلة"، مشيراً إلى أنه رغم التحديات الجيوسياسية واللوجستية فإن تنويع المسارات والاستفادة من البنية التحتية القائمة وتعزيز التعاون الإقليمي يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة لدعم الاقتصاد القطري وتلبية حاجات الطاقة الأوروبية في المستقبل.

وبيّن سالمان أن المشروع له منافع عدة في مقدمها تعزيز البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال واستكشاف مسارات الأنابيب الآمنة وتوسيع التعاون في مجال الغاز الطبيعي ضمن منتدى غاز شرق المتوسط، إضافة إلى تعزيز العلاقات السياسية وبناء شراكات إستراتيجية مع الدول الواقعة على المسارات المحتملة لضمان نجاح أي مشروع مستقبلي.

وذكر سالمان أن هناك مسارات عدة لمشروع تصدير الغاز القطري لأوروبا، من ضمنها أن تصدر الدوحة فعلياً الغاز باستخدام ناقلات مخصصة، موضحاً أن بعض التحديات قد تواجه هذا المسار وأبرزها محدودية القدرة الاستيعابية لبعض موانئ أوروبا والتنافس مع منتجين آخرين مثل الولايات المتحدة وأستراليا.

وأضاف أن من المسارات المحتملة للمشروع إنشاء خط أنابيب يمتد من قطر عبر السعودية والأردن وسوريا وصولاً إلى تركيا، إذ يتصل بالبنية التحتية الحالية لنقل الغاز إلى أوروبا، موضحاً أن مزايا هذا المسار تتمثل في الاستفادة من الشبكات القائمة في تركيا وتقليل الكلف على المدى الطويل مقارنة بشحن الغاز المسال.

وأشار إلى أن تطبيق هذا المسار يتطلب تعاوناً سياسياً بين دول المنطقة، بخاصة أن من ضمن هذه المسارات إنشاء أنابيب للغاز تمر عبر السعودية والعراق وتركيا، مما سيعزز التعاون مع العراق في مشاريع البنية التحتية ويكون بديلاً عن المرور عبر إيران وسوريا، إلا أن ارتفاع الكلفة يظل عائقاً لهذا المسار.

وأوضح سالمان أن من بين المسارات المحتملة للمشروع أيضاً تصدير الغاز إلى أوروبا عبر مصر باستخدام البنية التحتية القائمة كمحطات إسالة الغاز في "إدكو" ودمياط" ضمن شراكة منتدى غاز شرق المتوسط لتنسيق الجهود، مشيراً إلى أن هذا المسار يقلل الكلفة والمسافة للتصدير إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، إلا أنه يتطلب اتفاقات تجارية وتقاسماً للإيرادات.