لن يكون دليلي غيمة جاءت من بخار ثم تبخرت

آخر تحديث 2025-04-01 11:19:41 - المصدر: أثير طاهر الخاقاني

الباحث أثير طاهر الخاقاني

المؤسسة الدينية الشيعية والسنية تتصف بأنها باردة المشاعر وجامدة الخطاب ولهذا تستقبل في مسيرتها التي تمتد لمئات السنين آلاف العقول والنخب لكنها تتركهم حيارى في خطابها الذي يجد فيه الطالب الأمي ومحدود الذكاء وحتى المشاعر راحته ووجهته وأتذكر أني قرأت عن مفكر مصري يقول كنت أرى أبي وهو عالم أزهري يشتري زهرة النرجس رغم ثمنها المرتفع نسبيا بالنظر لوضعهم المعيشي آنذاك ولم أفهم لماذا يصر على النرجس بالرغم من وجود أزهار أجمل منها إلى أن عرفت أن زهرة النرجس تخفف الضغوط النفسية والعقلية

 

في تاريخ الأديان والفكر لطالما شهدنا تحولات فكرية عميقة غيرت مسار رجال دين كانوا متشددين في معتقداتهم ثم انقلبوا عليها لينتقلوا من التطرف إلى الليبرالية أو حتى إلى الضياع الفكري هذه التحولات تثير التساؤلات حول ثبات العقيدة وقوة الإيمان وتجعلنا نتساءل هل يمكن لمن كان متشددا بالأمس أن يصبح ملحدا أو علمانيا اليوم وهل يجب أن نثق بمن تتغير أفكاره كما تتغير الغيوم

يوسف صديق المفكر التونسي كان في شبابه متدينا بشدة لكنه بعد سنوات من البحث أصبح ناقدا صارما للنصوص الدينية وللتفسير التقليدي للقرآن لم يكتف يوسف صديق بالخروج من إطار الفكر الديني التقليدي بل أصبح أحد أبرز المفكرين الذين يدعون إلى ضرورة فصل الدين عن السياسة خدمة للدين

المفكر السوري محمد شحرور كان متدينا وفق النهج التقليدي لكنه لاحقا تبنى قراءة جديدة للقرآن تعتمد على أسس لغوية وعقلانية بعيدا عن التفاسير التراثية انتقل شحرور من كونه مسلما تقليديا إلى مفكر يدعو إلى إعادة فهم النصوص مما جعله في صدام مع المؤسسات الدينية التي اعتبرته خطرا على الفكر الإسلامي التقليدي بل إنه تجاوز التقليد إلى تأسيس قواعد جديدة للفكر الديني

ولعل المثال الأبرز هو حامد نصر أبو زيد والذي بحثت في سيرته من منظور اجتماعي قبل أن يكون فكريا فوجدته ابن المؤسسة الدينية الأزهرية في بواكير حياته لكنه وبسبب ذلك الخطاب البارد للمؤسسة الدينية والنخبة التي تفتقر إلى تقبل الآخر تحول من طاقة فكرية إسلامية إلى أحد أكبر رموز العلمانية في العالم العربي والشرق الأوسط عموما حتى إنه في أحد المؤتمرات الفكرية وأثناء حديثه أمام مجموعة من المثقفين خاطبه أحد دعاة الإلحاد قائلا أنت مفكرنا فصاح حامد نصر أبو زيد بصوت عال ودهشة أنا لست ملحدا أنا موحد

ومثال آخر لا يقل خطورة أو غرابة عن نصر أبو زيد وهو عبد الله القصيمي أحد أشهر الأمثلة على الانقلاب الفكري فقد بدأ حياته كمدافع شرس عن الإسلام في مواجهة المستشرقين ثم انقلب تماما ليصبح من أشد منتقدي الفكر الديني التقليدي انتقل القصيمي من كونه رجل دين متشددا إلى ناقد جذري يرفض الأطر الدينية تماما مما أدى إلى نبذه من المجتمع الديني هناك

هذه الشخصيات وغيرها تمثل تحولات فكرية جذرية لكنها تطرح تساؤلا هل رجال الدين بشر يمرون بتحولات فكرية شأنهم شأن غيرهم من الأكاديميين قد يكون بعضهم نموذجا للتحرر لكنه قد يكون أيضا نموذجا للضياع الفكري

والحقيقة أن الثبات على المبادئ لا ينبغي أن يؤخذ من رجل الدين بل يجب أن يؤخذ المبدأ قدوة وأساسا ومن يسير عليه يحترم ويقدر فإذا كان دليلي في الحياة مبدأ راسخ " فلن يكون غيمة تتغير مواقعها مع الرياح بل سيكون ثابتا راسخا مستندا إلى العقل واليقين

هنا نقف لنقول إن إتباع غير المعصوم من الزلل مهما حاولت خسارة جهد وتضييع وقت