القاضي إياد محسن ضمد
الآباء يحبون أبناءهم، ويتفنون في تدليلهم، لا ينفقون عليهم الأموال فقط، بل ينفقون العواطف ويغدقون عليهم بالأحاسيس ويفيضون عليهم بالمودة والحنان.. نعم، هو ذلك الحب الفطري الذي يشكل رابطا روحيا يمنح البشرية سرها ويشكل سببا رئيسيا لديمومتها… حتى ان احد الشعراء راح يصف ما يحدث بين الأب وأبنائه من مناكفات مبطنة بالحب والمودة: إذ يقول:
ويضحكون وقد تقسو فتشتمهم
وأنت في السر مشبوب الهوى جذل
والشبوب هو اعلى درجات الاندفاع بالحب والاشتعال فيه، اما الجذل فهو اقصى درجات السعادة والفرح بما يعاش من مشاعر الحب… وهكذا يكون الآباء مشبوبين بحب أبنائهم وجذلين بما يكنونه اليهم من عواطف… ورغم هذا الحب الفطري الذي القاه الله تعالى في ذوات الآباء نجد ان بعضهم يظهر الصرامة والشدة في تربية أبنائه وتقويم سلوكهم ولا ضير او قدح في ذلك، لكن ان يقتل الأب أبناءه ويرديهم صرعى ويرتكب بحقهم جريمة قتل في لحظة من لحظات الغضب وانفلات الذات فهذا ما لا يمكن لعقل ان يستسيغه ولا لضمير حي ان يتحمل ثقل وزره… وهذا ما شهدته سوح المحاكم في السنوات الأخيرة، إذ تصاعدت إحصائيات قتل الآباء لأبنائهم لا سيما الأبناء القاصرين الذين راحوا ضحية انحراف سلوكي خطير في شخصيات آبائهم فلا ظروف اقتصادية او معيشية صعبة يمكن أن تبرر هذه الجريمة البشعة التي تخالف ناموس الإنسانية وقيمها الدينية والأخلاقية. القوانين العقابية على الأغلب جعلت من قتل الفرع للأصل ظرفا مشددا لكنها سكتت عن قتل الأصل للفرع ولا أريد أن أخوض في آراء الشريعة ومذاهب الفقه الإسلامي حول جواز القصاص من الأب القاتل لابنه ومديات ذلك القصاص وحدوده والتي تباينت بين مشدد للعقوبة ومخفف لها، لكن الموضوع ولكونه صار يشكل ظاهرة خطيرة ومنتشرة ليس في العراق فحسب بل في العديد من الدول فانه يحتاج إلى حلول تضعها الدولة وتتبناها من حيث التوعية والتثقيف وإدخال الآباء الذين يعانون من أمراض نفسية لمصحات علاجية لا سيما ممن يقومون بتعنيف أبنائهم منزليا فلا يتصور ان يقوم أب بقتل أبنائه دون أن يكون مصابا بأحد الأمراض النفسية التي أوصلته إلى ما وصل اليه من هد كيان الأسرة وتهديم لكيانها.