الاقتصاد العراقي ورهانات المديونيات
الكاتب – علي حسن الفواز
بناء قاعدة اقتصادية صحيحة يتطلب مجموعة من الإجراءات الفاعلة،ورؤية واقعية في التعاطي مع المشكلات التي يفرزها- عادة- الاقتصاد الاحادي، وهذا مايجعل رسم الخطط والبرامج أكثر صعوبة وتعقيدا مع وجود رواسب عالقة في منظومة المخطط الاقتصادي العراقي.
قبل أيام وافقت اللجنة المالية في مجلس النواب على الشروط التي حددها صندوق النقد الدولي على العراق، مقابل الموافقة على إعطائه القروض المالية لتنفيذ العديد من المشاريع الاقتصادية، التي تحتاج الى ضمانات اساسية من جانب، والى توافق الرأي مع السياسات التي ينفذها الصندوق في مجال القروض.
موافقة اللجنة اقترنت بمطالبة السيد رئيس مجلس الوزراء بإتخاذ اجراءات عملية تتعلق بمعالجة قضايا الفساد، وملفات الفاسدين، فضلا عن اهمية العمل بتطبيق برامج ضاغطة تتعلق بترشيد الإنفاق غير الضروري، وتفعيل عمل قطاعات اقتصادية أخرى، وهو ما يعني مراجعة الموازنة العامة وشطب الكثير من التخصيصات التي لاعلاقة لها بسياسة الترشيد الاقتصادي التي يحددها الصندوق.
ان الاقتصاد المركزي له أنماطه وسياساته، وله تأثيراته السلبية أيضا، وحين يكون هناك فائض مالي، فإن هذه المركزية تقوم بانهاك الثروة الوطنية عبر إنفاقات غير منضبطة، وعبر الخضوع الى توجهات لها علاقة بسياسة الدولة المركزية، وطبيعة توجّه تلك الإنفاقات، لاسيما ماله علاقة بالانفاق التسليحي، أو ماله علاقة بـ (نثريات) الوزارات والمؤسسات الأخرى وايفادات المسؤولين، التي ستكون مجالا للفساد وللإثراء غير المشروع، فضلا عن تأثيره المباشر على هدر المال العام وتضخم ظواهر الترهل في العمل المؤسسي مقابل الضعف في التخطيط والتنظيم والترشيد، وفي السيطرة على أبواب الصرف، وعلى وفق الاستحقاقات الضرورية.
سياسة النقد الدولي
البعض يُبدي تخوفا من هذه التوجهات، وتحت ذريعة الخضوع الىسياسات لصندوق النقد الدولي، ولأن الاقتصاد العراقي ريعيٌ بطبعه، فإنّ هذه المخاوف تتحول الى ممارسات قد تضع الحكومة العراقية أمام مشكلات رفض هذا البعض، وبالتالي تعطيل الكثير من الوعود الإقتصادية التي تم الإتفاق عليها حول هذه القروض، ولعل المراجعةالأخيرة حول اتفاقية الاستعداد الإئتماني بين العراق وصندوق النقد الدولي في عمّان أشارت الى هذه المخاطر من جانب، والى أهمية العمل على تأطيرها، وصولا للموافقة على شروط الصندوق والالتزام بها.
مرجعيات مشكلة المديونيات ترتبط أصلا بوجود الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة، وبالهدر الكبير للمال العام، والى ارتباك السياسات المصرفية، والى مظاهر اخرى تتعلق بالمعطيات السياسية الغامضة، وطبيعة التهديدات والتحديات التي يواجهها العراق، التي كرست إنفاقا متزايدا للجانب الأمني، مقابل التقليل من التخصيصات التي تخص برامج إنعاش الاقتصاد العراقي في المجالات الاستثمارية المتعددة، مايجعل الالتزام بمطالب صندوق النقد الدولي أكثر تمثلا للواقعية، ولإمكانية المواجهة (الاضطرارية) مع الفساد والفاسدين، وعلى وفق آلية المراقبة والسيطرة ومراجعة الملفات.
كما أنّ هذه الواقعية تتمثل أيضا بالحفاظ على رواتب الموظفين والمتقاعدين، وكل مايتعلق بإدامة الحياة العامة للمواطنين، مقابل اعادةالنظر بالكثير من السياسات الاقتصادية التي تفتقد الى تلك الواقعية، وتمارس سلطتها وكأن الثروة العراقية غير ناضبة، وأنْ لاحدود للإنفاق الشخصي، وهو ما أشارت اليه النائبة ماجدة التميمي عضو اللجنة الاقتصادية بـ (انفاق ثلاثة ملايين و799 ألف دولار على استئجار طائرات خاصة، خلال الربع الأخير من العام 2014 وعلى مدى العام الماضي 2015، فضلاً عن إنفاق أموال طائلة أخرى على إيفادات المسؤولين، على الرغم من التداعيات الخطيرة لانخفاض أسعار النفط والحرب ضد تنظيم «داعش» الارهابي.
هذه المعلومات تؤكد حجم الانفاقات غير الضرورية، وفي سياقات عمل الكثير منها،مايتطلب مواجهة حازمة، ليس التزاما بسياسات صندوق النقد الدولي فحسب، بل لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي وموازناته وانفاقاته، وبما يضمن التقليل من العجز في الموازنة العامة، وهو ما اشار إليه خلال مناقشة ميزانية العام 2016- عضو اللجنة المالية النائب حسام العقابي قائلا: (إنّ عجز موازنة 2016 سيكون اكبر من عجز موازنة 2015»، مبينا ان،»موازنة 2016 وضع فيها عجز بـ ( 29) ترليون دينار اي ما يعادل 25 مليار دولار ويمثل 25 بالمئة من الموازنة الكلية).
الترشيق الاقتصادي
مطالبة رئيس مجلس الوزراء بأن يكون أكثر حسما في معالجة ملفات الفساد والفاسدين، تنطلقُ من خطورة مايواجهه العراق من مشكلات اقتصادية، ومن تعقيدات تخصُّ تلك الملفات وتعدد مرجعياتها، التي تتعلق بقضايا تخص الهدر، وتبييض الأموال، والخلل في اجراءات الرقابة، وفي تتبع آليات الصرف وغيرها، وهذا مايتطلب وضع اجراءات حاسمة، تخص اجراءات الترشيق الاداري والانفاقي، وتخص اجراءات السيطرة والرقابة، ومراجعة الموازنة العامة. إنّ خطورة النزوع للقروض من الدول ومن الجهات البنكية تتمثل في وضع الاقتصاد أمام معطيات تفرض شروطها على العراق، والتي قد تجعل العراق مُضظرا على الاستمرار في سياسة الإقراض، والنأي عن اتخاذ(قسرية) للبحث عن فرصٍ أخرى لتعظيم الثروة الوطنية، وعدم الاعتماد الكلي على النفط الذي تتعرض اسعاره للتذبذب، وللتدهور تحت عوامل الصراعات والتجاذبات السياسية، أو اغراق السوق النفطية بالوفرة، وهو مايقلل من نسبة الطلب إزاء الكثير من العروض، والتي باتت تعتمدها بعض الدول كاجراء سياسي ضد دول أخرى.
المصدر / الصباح
مرتبط