التهديدات البيئية وأثرها على واقع الأمن الإنساني في العراق
الكاتب / صادق علي حسن
باتت البيئة اليوم من القضايا المهمة التي تستقطب العالم أجمع؛ بإبراز مدى أهمية البعد البيئي في الدراسات الأمنية من خلال أمْنَنَة التهديدات البيئية بسبب تطور ابعاد تهديدها للامن الإنساني وخروجها عن نطاقها التقليدي بسبب الاستغلال المفرط والإهمال للموارد البيئية بغية التأقلم والانخراط مع الحاجات المجتمعية مما جعل اغلب البلدان تعاني من تراجع وتناقص مدخراتها الطبيعية بسبب عدم استخدام تقنيات وسلوكيات صحية وصديقة للبيئة لتفادي الانهيار البيئي؛ لذلك فإن الاختلالات البيئية لها اثرها المضاعف بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لانها بطبيعة الحال تقلص من انعدام ديمومة الامن الانساني .
ويجمع العلماء والمختصون بهذا المجال على أن الآثار المدمرة للبيئة بسبب تباين الظواهر البيئية القاسية ولاسيما أن التسخين الحراري والتغيرات المناخية تشهدان تسارعاً، فمنذ العام 2000 والعالم يكسر أرقامه القياسية في درجات الحرارة من العراق إلى الكويت وإلى ليبيا، والجفاف يضرب من جنوب أفريقيا والصومال إلى الهند وكاليفورنيا، في حين تسجل الفيضانات معدلات غير مسبوقة من السودان إلى الصين، ومن بريطانيا إلى تكساس وإريزونا، وعلى الرغم من كل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بصعوبة شديدة فإنها لم تنجح حتى الآن في وقف الانزلاق الخطير في طريق التدمير البيئي؛ لأن كثيراً من الدول تقاوم أو تتباطأ في تنفيذ الخطوات المطلوبة للحد من التدمير البيئي، بسبب ما تحصل عليه من أرباح اقتصادية على حساب الأطراف المتضررة الأخرى.
وهذا التباطؤ يعني مزيداً من الكوارث والمعاناة. ففي العراق والدول المجاورة له يكون من المنطقي أن يسهم انهيار الواقع البيئي إلى نقص الإمدادات العالمية للسلع الرئيسة في رفع الأسعار مخلفاً آثاراً اقتصادية ولاسيما في الدول الأقل نمواً لتأثيرها على حياة الناس وبسبب التعقيدات البيئية نحوٍ خاص فإن ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة في العالم العربي، وفي أرجاء كثيرة من العالم هذا الصيف ليست سوى توطئة لما هو قادم؛ لأن استمرار هذه المعدلات بالارتفاع يعني -على وفق العلماء- أن الحياة ستصبح غير محتملة ولاسيما في أشهر الصيف في بعض المناطق ومنها شمال أفريقيا والشرق الأوسط والخليج والنجاة من ظروف التغيير البيئية القاسية تعول على إيجاد طرق للتكيف مع موجات الجفاف، والعواصف، والفيضانات، وتلف المحاصيل؛ لذلك كان من الضروري البحث والتحقيق بنحوٍ دقيق بالكيفية التي تؤدي بها المتغيرات البيئية دور الوسيط ضمن الآثار الطبقة الاجتماعية التي يحدثها التغيير البيئي.
وللإحاطة بكل الانعكاسات السلبية للتهديدات البيئية على القطاعات المختلفة للأمن الإنساني في العراق على وفق أهم المتغيرات القاسية المختلفة التي فرضتها أثار التهديدات البيئية من تدهور اقتصاداي وازمات تؤثر على الطبقة الاجتماعية منها:
التغيير المناخي: بدأت مجلة “الإيكونومست” البريطانية تقريرها عن التغير المناخي في الشرق الأوسط ولاسيما في محافظة البصرة المدينة كانت تحتوي على العديد من القنوات حتى أسماها العراقيون “بندقية الشرق الأوسط”، على غرار اسم المدينة الإيطالية الشهيرة. إذْ يقول التقرير: تهب في العراق الآن عاصفة رملية أو ترابية كل ثلاثة أيام في الشهر، ووصلت درجة الحرارة في البصرة إلى (53.9) درجة مئوية، وهو رقم يتفوق على الكويت ووادي الموت في كاليفورنيا عليه بمقدار ضئيل هذا الارتفاع في درجات الحرارة جعل محافظة البصرة تحتل المرتبة الثانية بأعلى درجات للحرارة في العالم [1].
وتشير دراسة أكاديمية نشرت في هولندا في شهر أبريل (نيسان)، إلى أن درجة الحرارة في النهار قد ترتفع بنسبة 7 درجات بحلول نهاية القرن، وتتوقع دراسة أخرى (من لدن الأمم المتحدة) أن عدد العواصف الرملية في العراق من شأنه أن يزيد من 120 إلى 300 عاصفة في العام الواحد، وتشير تقديرات برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة أيضاً إلى أن الظروف المناخية القاسية تؤدي إلى وفاة (230) ألف شخص سنوياً في غرب آسيا (شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب)؛ مما يجعلها قاتلًا أكبر من الحرب[2].
التصحر: تعد مشكلة التصحر من المشاكل الرئيسة في عموم محافظات العراق التي أصبحت من أخطر التحديات التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر، ويحدث التصحر في العراق لعاملين رئيسين هما([3] ):
- العوامل الطبيعية: مثل قلة الأمطار، وعدم انتظام سقوطها من حيث المواسم، وتباين كمياتها،
ولاسيما بعد ارتفاع درجات الحرارة في الاونة الاخيرة في عموم محافظات العراق التي ساعدت على تبخر المسطحات المائية مما ساعد على نشاط حركة الكثبان الرملية. - العوامل البشرية: تتمثل بالضغط السكاني الذي ينتج عنه مزيد من انعدام التوازن السكاني مما ادى الى حدوث الضغط المتزايد على الارض بتحويلها الى أراضي انتقالية، وزيادة أعداد المراعي، واستعمال مياه الري المفرط والقطع غير المنظم للأشجار.
فبسبب العاملين المذكورين آنفا تتسارع ظاهرة التصحر البيئي التي تشمل أجزاءً مهمةً منه، وتقدر نسبة الأراضي الزراعية التي تعاني من التصحر بجنوب العراق لوحده بـ(50%)؛ وذلك بسبب الإهمال الذي أصاب الزراعة والري لفترات طويلة، فضلاً عن فترة تجفيف الأهوار خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وبعد إحيائها هي الأخرى ستتعرض للجفاف التدريجي إذا لم تتوافر لها الكَمِّيات اللازمة من المياه للمساعدة في عمليَّة إحياء هذا النِّظام البيئي المتميز، ولهذه الحالة انعكاساتٌ خطيرة على البيئة والسُّكَّان والثَّروة الحيوانية؛ مِمَّا سيؤدي إلى اختفاء أنواع كثيرة من الأسماك فضلاً عن اختفاء عدد من السلالات التي تتكاثر في بيئة منخفضة الملوحة من شط العرب قبل هجرتها من شط العرب نحو مياه الخليج العربي؛ بسبب زيادة الملوحة التي تسببها شحة المياه ([4] ).
المواد المشعة: هناك أكثر من أربعين موقعاً في عموم محافظات العراق ملوثاً بمستويات عالية من الإشعاعات والمواد السامة ومع الحروب والإهمال التي تركت البيئة حطاماً في أجزاء واسعة من البلاد وجدت أن الخردة المعدنية للمعدات والتجهيزات العسكرية القديمة ولاسيما حول (بغداد والبصرة) وداخلهما تحتوي على نسب عالية من الإشعاع المتأين الذي يعتقد أنه بقايا اليورانيوم المنضَّب الذي استعمل كذخيرة أثناء حرب الخليج الأولى عام 1991[5]، وفي حين أن العراق لا يزال يتعافى من الأثر البيئي للحروب، فإنه يواجه الآن مشاكل بيئية جديدة بسبب الصراع الحالي ضد تنظيم (داعش) منذ يونيو عام 2014، إذ حصلت معارك ضارية داخل المدن والمناطق الصناعية وحولها، مما يؤثر على الوضع البيئي الهش، وبالفعل قد أدت هذه الهجمات على المنشآت الصناعية إلى الإفراج عن مجموعة من المواد المشعة الخطرة على البيئة ولاسيما سيطرة المسلحين على مجموعة من الأسلحة الكيميائية المليئة بغاز السارين، وما يقارب نحو (180) طناً من سيانيد الصوديوم، فضلاً عن ذخائر وأوعية تخزين تحتوي على بقايا من غاز الخردل، فقد عمل الإرهابيون على استخدام هذه الذخائر في الأحياء السكنية والمنازل والطرقات؛ لإعاقة تقدم قوات الأمن من طريق تلويث مصادر المياه مع النفايات النفطية والمواد الكيميائية السامة؛ مما يؤثر على التربة والمياه الجوفية وتدمير الأراضي الزراعية، ويبدو أن الأضرار البيئية استخدمت كاستراتيجية وسلاح من أسلحة الحرب من خلال التلوث المتعمد للأنهار والبحيرات والجداول مع النفايات السامة والملوثات النفطية[6].
أما ما يخص الإشعاعات الكهرومغناطيسية فقد مثلت شراسة التنافس بين شركات الهاتف النقال والإنترنت للاستحواذ على أكبر عدد من المشتركين في المدن والمحافظات العراقية وقد وسعت هذه الشركات من انتشار آلاف الأبراج الخاصة بالاتصالات وشبكات الإنترنت داخل المناطق السكنية، وعلى أسطح المنازل والبنايات الكبيرة، وحذر بعض المختصين في شؤون البيئة من الإشـــــعاعــــات الكهرومغناطيسية لما لها من تأثيرات على المدى البعيد، إذْ إنَّ بعضها قد يتسبب بإصابات مباشرة لمن هم في الدائرة الضيقة لهذه الإشعاعات، وعلى هذا الأساس تمنع بعض الدول المتقدمة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وضع أبراج الاتصالات على أسطح المباني، ولا يسمحون إلَّا بوضعها في أماكن بعيدة عن المساكن، وفي بعض المناطق التي يكون فيها مكان البرج اضطراريا تنصب أجهزة لطرد الأشعة الصادرة من هذه الأبراج داخل البيوت القريبة منها.
أما في العراق فالوضع فقد أخذت الشركات تنصب الأبراج حيثما تشاء وفي أي مكان يناسبها، مستغلة المواطن من طريق الإغراءات المادية التي تقدمها الشركات لنصب أبراجها على أسطح المنازل والبنايات، على الرغم من أن الدراسات أثبتت مخاطر هذه الأبراج من خلال تعرض النسيج العصبي للإشعاعات الصادرة منها التي تسبب تغيُّرات فيسيولوجية كهربائية في الجهاز العصبي، فيما بيّنت بعض الدراسات الأخرى أنها تؤدي إلى تسخين الأنسجة الحيّة؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث خلل يعطل عمل الذاكرة على المدى القصير[7].
المياه في العراق: يعتمد العراق بنحوٍ كبير على المياه السطحية فإن معظم موارده تأتي من نهر دجلة والفرات وروافدهما، وتستفيد من هذين النهرين ثلاثة بلدان هم تركيا وسوريا والعراق، وإن لكل بلد خططه الاستثمارية الخاصة، مما جعل العراق أمام تحديات مختلفة للأمن المائي العراقي وعلى وفق عوامل رئيسة منها:
العامل الأول: التغير المناخي والاحتباس الحراري: أدى هذان الأمران إلى ظاهرة الجفاف، وشملا منطقة الشرق الأوسط برمتها وليس العراق فقط مما نتج عنهما تناقص كبير في كمية سقوط الأمطار والثلوج، وتدني واضحٍ في الإيرادات المائية لنهري دجلة والفرات.
العامل الثاني: تضمن تصرفات دول الجوار المتشاطئة مع العراق على نهري دجلة والفرات ونقصد بها المنطقة التشغيلية لتركيا وسوريا بالنسبة للموارد المائية حيث يوجد عدد كبير من السدود المقامة على نهر الفرات داخل تركيا وسوريا ومن خلال خططهما يمكن السيطرة على كميات المياه الواردة إليها وخزنها.
العامل الثالث: التوازن الإداري: وهو يتعلق بإدارة المياه داخل العراق، فالحكومات السابقة أهملت الموارد المائية، ولم تضع خططاً واضحة الاستخدامات، وأن معظم مشاريعها تحتاج إلى صيانة وإلى تطوير، فالمشكلة المائية قديمة، واليوم نحن نمتلك أكثر من (120) ألف كم من القنوات والمبازل الرئيسة والمجمعة والحقلية معظمها يحتاج إلى صيانة وهناك عدد كبير من محطات الضخ في وضع سيّئ وتحتاج الى إعادة تأهيل.
العامل الرابع: تلوث مصادر المياه بمخلفات المصانع وبغيرها؛ مما يؤثر على جودة المياه واستنزاف الأرض والثروة السمكية؛ بسبب انعدام رقابة مؤسسات الدولة على الأنهر، وكذلك قلة وعي المواطنين، فهي أصبحت مكباً لكل الملوثات الصناعية والمنزلية، أما الأعشاب المائية الضارة وعوامل التلوث البيئي فتنتشر في الأنهر الرئيسة والفرعية ولاسيما زهرة النيل (عشبة النيل) وهي نبات مائي المعيشة بصورة طافية على المسطحات المائية ويتكاثر بسرعة كبيرة ويستهلك كميات هائلة من المياه ويقوم بامتصاص كميات كبيرة من الأوكسجين المذاب في الماء مما يغيّر من طعم المياه ويجعل رائحته كريهة؛ فيكون بذلك ملوثاً للبيئة ومشكلاً تهديداً حقيقياً للثروة المائية في البلدان التي ينتشر فيها ومنها العراق.
العامل الخامس: مشكلة تخلف طرق الري ومنظوماتها حيث إن طرق الري التقليدية -ولاسيما طرق الري بالغمر- هي السائدة في أغلب الدول العربية، وتتسم هذه الطرق بأنها تستهلك كميات كبيرة من المياه لانخفاض كفاءة الري فيها؛ وبالتالي ارتفاع نسبة المياه المفقودة، مضافاً إليها تدني إنتاجية المتر المكعب من المياه المستخدمة في القطاع الزراعي وعدم استخدام طرق الري الحديثة أو عدم الإلمام بها.
إن المشاكل البيئية ربما لا تكن أمراً جديداً، والحديث فيها ليس من الموضوعات التي تشد اهتمام كثير من الناس، لكن آثارها باتت اليوم ملموسة وخطيرة ولاسيما أنها قد تطرح مخاوف أمنية حقيقية في العراق عن الخطر الأمني الحالي:
- انهيار الواقع البيئي مما سيزيد من التأثير السلبي على الأمن الغذائي وتفاقم مشكلة سوء التغذية ويرفع مستوى المنافسة على الموارد الطبيعية الاستراتيجية ولاسيما الزراعة تحت خطر تهديد التغيّر المناخي والرعي الجائر؛ أما الموارد المائية كونها جزء مهم في منظومة الامن الغذائي فأنه تعرضت الى تغير واضح في أنماط تساقط الأمطار ،و حتى من حيث مياه الاراوائية فأن درجة ملوحتها عالية اصبحت ذات تأثير على المحاصيل، لاسيما من حيث جودة التربة للمحاصيل الحقلية، الذي سيؤدي إلى تقليص الأراضي القابلة للزراعة مما ينتج عنه ضعف مستوى جودة المنتج وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية ويزيد من الاضطرابات الاجتماعية نتيجة ضغوطات الاستيرادات، فضلاً عن فقدان المحصول العراقي الميزة النسبية التي تؤهله للمنافسة الخارجية ولاسيما محاصيل التمور.
- إخفاقات في إدارة المياه في العراق مما يعني بشكلٍ أو بآخر التأثير على ارتفاع أسعار المياه ولاسيما في المناطق التي تعاني من شحة في المياه العذبة الصالحة للشرب، وتقلص الموارد المائية في مناطق متباينة بسبب الإفراط وتخلف الطرق التقليدية في الري؛ وهذا يؤدي إلى جفاف البحيرات وتحولها إلى قطعة غبار من حيث فقدانها حصة مائية في منطقة ما واستغلالها لمنطقة أخرى.
- رافق هذا الاختلال البيئي سوء الإدارة البيئية فعملا على خلق توازن طبيعي في المناطق الجافة وشبه الجافة، لتفادي هشاشة التربة وسرعة العطب، في ظل الاستخدام غير المسؤول للموارد الطبيعية (نبات، ومياه، وتربة)، وبسبب ذلك قد تختل التوازن ولاسيما حين تتابع سنوات اكثر جفافاً من سابقها فيؤدي هذا الاختلال بالنتيجة إلى حتمية التصحر والجفاف [8].
- درجات الحرارة المرتفعة والعواصف الترابية المستمرة يمكن أن تجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن، بسبب الانبعاثات الغازية السامة ذات الصلة بالأحوال الجوية للمدن ذات طبيعة الثروة المعدنية وستكون غير قابلة للمعيشة؛ مما سيسهم بالتأكيد بارتفاع معدلات الهجرة من هذه المناطق بنحوٍ قسري ويمكن أن يؤدي إلى تأجيج نزاعات مرتبطة بعوامل بيئية أيديولوجية إذا ما أخذنا بعين الحسبان التفاعلات المعقدة بين العوامل البيئية والسياسية.
- تدني الناتج المحلي الإجمالي أو تقلصه بالنسبة لاقتصاد العراق، فقد حذر البنك الدولي بسبب التغيُّر المناخي من أن اقتصادات في مناطق واسعة من العالم ولاسيما الشرق الأوسط يمكن أن تتقلص بنحوٍ كبير، بحلول منتصف القرن الحالي؛ نتيجة لشح المياه العذبة وتناقصها حول العالم، وذكر البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تنال الضربة الأكثر إيلاماً في هذه الفرضية، إذ يمكن أن يهبط الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بنسبة 14% بحلول عام 2050، ما لم تتخذ تدابير لإعادة توزيع المياه بنحوٍ كبير وتشمل هذه التدابير جهود الكفاءة والاستثمار في تكنولوجيا تحلية المياه وإعادة تدويرها[9].
- على الرغم من جهود بعض الدول وأنصار البيئة لإنقاذ بعض الحيوانات المهددة بالانقراض، فقد انقرض بالفعل 77 فصيلاً من الحيوانات الثديية، و140 نوعاً من الطيور، و34 نوعاً من الحيوانات البرمائية، في نصف الألفية الماضية، وذلك في أكبر انقراض للحيوانات منذ انقراض الديناصورات قبل نحو 66 مليون سنة وأن كثيراً من الحيوانات تنقرض اليوم بمعدل أسرع مئة مرة من المعدلات السابقة المعروفة؛ ويرجع سبب هذا الانقراض إلى التغيرات المناخية، والتلوث، وتقلص الغابات، وفقدان البيئة الطبيعية لحياة كثير من الحيوانات، ولاسيما أن التنوع الجغرافي في العراق يُعدُّ حالة من التنوع الأحيائي الفريد من نوعه على مستوى المنطقة، إذْ تستوطن الأهوار بعض أنواع الحيوانات التي انقرضت مثل الأسود الآسيوية، وحيوان الـ Otterذي الفراء الناعم الذي يطلق عليه سكان الأهوار اسم (جليب الماي)، وانقراض مثل هذه الحيوانات النادرة سيؤثر كثيراً على التنوع الإحيائي للبلد[10].
أن عدم أخذ هذه المشاكل بعين الحسبان لمؤسسات صنع القرار، والعمل على منع حدوث تغييرات تكاد تكون كارثية، أو حتى التكيف معها له عدة أسباب، وتشمل علاقة القوة غير المتكافئة بين النظر للواقع والمستقبل الخلاّق، فمعظم الكتابات المرتبطة بهذا الموضوع ولاسيما العراق تجسد هذا الخلل، كونها ما زلت أسيرة للتنظير غير الواقعي للمشاكل البيئية، وغالبها خاضع للنهج الجيوفيزيائي الذي يتجاهل وجود نضال العمل على أرض الواقع؛ مما يتطلب الانتهاج من الواقعية السياسية لمؤسسات صنع القرار والمختصين بهذا الشأن لتمتع بالجرأة اللازمة بالتفكير بشكل مختلف وتصور مستقبل بديل، ويتطلب ذلك تخيل مستقبل خارج إطار المفاهيم التنظيرية، ويتطلب أيضاً فهماً للكيفية التي يتداخل فيها قطاع البيئة مع الطبقة الاجتماعية وكيفية تقاطعه معها، والبعد الاقتصادي للسلطة على الأرض وهذا النهج يتطلب وجود بحوث في الاقتصاد السياسي المعني بتغيُّر المناخ في العراق لتحقق في العلاقات القائمة ما بين القطاع الاقتصادي والطبقة الاجتماعية النخب الإقليمية، ورأس المال الدولي؛ لأن السبب الرئيس لهذه الظواهر الطبيعية هو نشاط الإنسان غير المسؤول تجاه البيئة، من تدمير للطبيعة وزيادة انبعاث الغازات السامة في الجو من الصناعة ووسائل النقل، وتلويث المياه، فيجب على المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حماية البيئة أن تحمل على عاتقها هذه الموضوعات المهمة، وتشجع الناس على إعادة تدوير النفايات، والتقليل من انبعاثات الغازات، وزراعة الأراضي بقدر الإمكان، لتبقى البيئة العراقية أرضاً قابلة للمعيشة.
المصدر / مركز البيان للدراسات والتخطيط
شارك هذا الموضوع: