اليورو : كيف تهدد العملة الموحدة مستقبل أوروبا؟
الكاتب – ندى علي
هل يجتاز اليورو الأزمة الكبيرة التالية؟، سؤال مصيري يبحث عن اجابته المحللون والمسؤولون في القارة العجوز، لما تشهده منطقة اليورو من صعوبات اقتصادية خطيرة تتمثل بتفاقم أزمة الديون وتفشي الفساد والتهرب من دفع الضرائب، الى جانب اضطرابات اجتماعية كبرى نتيجة لتصاعد اليمن المتطرف والشعوبية في دول اتحاد القارة العجوز، فضلا عن التنافس السياسي بين القوى الكبرى -المانيا وفرنسا- في هذا الاتحاد المترهل وبين القوى العالمية القديمة والاوربية حاليا “المملكة المتحدة” التي انسحبت من الوحدة الأوربية، لتسهم جل هذه العوامل آنفة الذكر بإضعاف وحدة اتحاد القارة العجوز محليا ودوليا وقد تدفع به إلى حافة الانهيار، بالتالي مما ادى الى تعالي الدعوات نحو التفكيك.
في الاخيرة اكتسبت صفات مثل “في النزع الأخير” أو “عاجز” أو “مصاب بالتصلب” شعبية في وصف اقتصاد منطقة اليورو التي تضم 19 دولة أوروبية – لكن ربما أنها لم تعد صفات ملائمة للحال الآن. وبدأت منطقة اليورو رويدا رويدا – لأسباب على رأسها تدابير التحفيز الضخمة التي أخذها البنك المركزي الاوروبي – تظهر علامات التحسن الاقتصادي. ويمثل ذلك انبلاج فجر مرحلة جديدة يكافح المسؤولون لرعايتها حتى ترى ضوء النهار.
وربما لا يكون هذا التطور محسوسا بالقدر نفسه بصفة عامة أي فيما يتعلق بالبطالة في كل من أسبانيا واليونان بالمقارنة مع النشاط الذي تشهده شركات البناء في ألمانيا. غير أن الأرقام تبدو إيجابية عموما حتى إذا استبعدنا فكرة حدوث هذا الانتعاش في وقت تواجه فيه الصين تقلبات وتشهد فيه الأسواق المالية تقلبات.
على صعيد مشابه يرى المتخصصون في الشؤون الاقتصادية ان البنوك المركزية مازال أمامها الكثير الذي يمكنها فعله لمجابهة تباطؤ الاقتصاد العالمي بما لا يغير توقعات التعافي في منطقة اليورو، فهم يخشون من أن المضي قدما قد يعمق الاستياء الشعبي تجاه أوروبا بعد سنوات الأزمة الاقتصادية التي زادت البطالة ورفعت نتائج الأحزاب الشعبوية المتشككة في الاتحاد الأوروبي باستطلاعات الرأي.
فيما يتوقع بعض المحللين ان يصل اليورو قريبا الى التعادل مع الدولار قبل ان يعود الى الارتفاع، واشا هؤلاء المحللون الى ان “الزيادة المتواصلة في سعر الدولار تطرح معضلة بالنسبة للاحتياطي الفدرالي” وخصوصا لانها “تعيق قدرة المصدرين (الاميركيين) على الحفاظ على قدرتهم التنافسية”.
وتاثر اليورو بسياسات البنك المركزي الاوروبي الذي اعطى الاثنين اشارة الانطلاق لبرنامج غير مسبوق لشراء ديون عامة يتوقع ان يسمح بضخ مئات مليارات اليورو في اقتصاد منطقة اليورو على امل اعادة تنشيطه، ما يؤدي الى تراجع قيمة العملة الموحدة الاوروبية.
من جهته قلص بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس توقعاته لليورو متنبئا بنزوله عن مستوى التعادل مع الدولار في غضون عام وهبوطه إلى مستوى قياسي جديد بحلول نهاية 2017. وتعد توقعات جولدمان ساكس لليورو هي الأكثر تشاؤما بين تقديرات جميع المؤسسات المالية الكبرى في الوقت الحالي.
وقد تسارعت وتيرة تدهور سعر صرف اليورو امام الدولار مع بدء البنك المركزي الاوروبي تطبيق برنامجه لشراء اصول، ومع اتساع الفجوة مع الولايات المتحدة يبدو ان عودة الى التعادل بين اليورو والدولار باتت في الافق. وعلق كريغ ارلام المحلل في شركة اواندا للوساطة ان “بدء تطبيق برنامج التيسير الكمي للبنك المركزي الاوروبي الاثنين اثار تحركات غير معقولة في الاسواق”، وعليه ويرى المسؤولون في الاتحاد الأوربي ان تغلب أوروبا على أزمة اليورو يحتاج لسنوات، وبالتالي أصبح مصير منطقة اليورو والعملة الأوروبية الموحدة مهدداً بخطر التفكك حتى في المستقبل القريب.
خبراء يحثون على إجراءات عاجلة لدعم اليورو
في هذا السياق يقول تقرير حديث أوعز به جاك ديلور أحد مهندسي العملة الموحدة إنها لن تجتازها على الأرجح ويحث صناع السياسات على تغييرات فورية للوحدة النقدية الأوروبية المضطربة من أجل تفادي الانهيار الحتمي. يأتي تقرير “الإصلاح والإعداد – النمو واليورو بعد الخروج البريطاني” في وقت يحذر فيه حتى أصلب المدافعين عن اليورو من زيادة التكامل إثر استفتاء بريطانيا لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ويقر كتاب التقرير وهم مجموعة من الأكاديميين والباحثين وصناع السياسات السابقين من أنحاء أوروبا بالعقبات لكنهم يقولون إن الساسة لا يملكون ترف الانتظار. وقد وضعوا خطة من ثلاث مراحل لدعم اليورو يعتقدون أنها ممكنة سياسيا رغم أجواء الاضطراب بحسب رويترز.
ويقول التقرير “إصلاح اليورو قد لا يحظى بقبول شعبي. لكنه ضروري وعاجل: في وقت ما من المستقبل ستتعرض أوروبا لأزمة اقتصادية جديدة. “لا نعرف هل يكون هذا خلال ستة أسابيع أم ستة أشهر أم ست سنوات. لكن اليورو بهيكله الحالي لن يجتاز على الأرجح تلك الأزمة القادمة.”
وقد وضع التقرير الذي يقع في 38 صفحة وبدأ العمل على إعداده قبل تصويت الخروج البريطاني في يونيو حزيران أستاذ الاقتصاد السياسي المقيم في برلين هنريك إندرلاين ورئيس الوزراء الإيطالي السابق إنريكو ليتا وكلاهما من معهد ديلورس وبالتعاون مع مؤسسة برتلسمان.
وشارك فيه محافظا البنوك المركزية السابقان يورج أسموسن وجرترود تمبل جوجيريل مع لورانس بون المستشار الاقتصادي السابق للرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند وباسكال لامي الرئيس السابق لمنظمة التجارة العالمية وفيليب مايستاد وزير المالية البلجيكي السابق.
ويوصون في المرحلة الأولى لدعم العملة الموحدة بعدد من “الإصلاحات السريعة” التي تشمل تعزيز آلية الإنقاذ بمنطقة اليورو وتقوية الاتحاد المصرفي وتحسين تنسيق السياسات التي لا تتطلب تغييرات بمعاهدة الاتحاد الأوروبي.
ويعقب ذلك مقايضة بين الشمال والجنوب في الإصلاحات الهيكلية والاستثمارات. وفي المرحلة الثالثة تنتقل منطقة العملة الموحدة إلى هيكل أكثر اتحادية تتقاسم فيه المخاطر والسيادة. المرحلة الأخيرة الأكثر إثارة للجدل قد تستغرق عشر سنوات أو أكثر وتوصف بأنها مهمة لكن خيارية.
ترتكز الحجة الرئيسية للتقرير على أن البنك المركزي الأوروبي قد استنفد عمليا كل ذخيرته في العام المنصرم وبات على الساسة أن يتحركوا على نحو عاجل. وقال إندرلاين “البنك المركزي الأوروبي في وضع لا فكاك منه.. إذا قال إن ذخيرته نفدت فإنه يضعف مركزه. لكن إذا قال إن كل شيء على ما يرام فإن الحكومات لن تقوم بدورها.” وأضاف أسموسن “تركيز الجميع منصب على الأزمات الأحدث من اللاجئين إلى الخروج البريطاني.. نريد أن نذكر الجميع بأن الوحدة النقدية غير مكتملة بعد.”
اساس المشكلات الاقتصادية في اوروبا
من جهته رأى الحائز جائزة نوبل للاقتصاد جوزيف ستيغليتز في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن العملة الأوروبية الموحدة هي السبب خلف الكثير من المشكلات التي تعاني منها منطقة اليورو مثل الانكماش الاقتصادي وارتفاع البطالة وصعود اليمين المتطرف.
وقال الخبير الاقتصادي مؤلف كتاب “اليورو: كيف تهدد العملة الموحدة مستقبل أوروبا”، انه “حين تكون القواعد سيئة، يجب تغييرها، وإلا فإننا نذهب الى الكارثة”. ووجه الرئيس السابق لقسم الاقتصاد في البنك الدولي انتقادات شديدة الى السياسة الاقتصادية الأوروبية وقال “حين تعتمدون نماذج اقتصادية خاطئة، تصلون حتما الى تشخيص سيء وحلول سيئة”.
وقال الاقتصادي الأميركي انه بعد بدء العمل باليورو “كان الخبراء الاقتصاديون يترقبون الصدمة الاولى من أجل اختبار العملة. حصلت الصدمة عام 2008 وكانت العواقب كارثية”، منتقدا عملة صممت بشكل سيء برأيه تحت تاثير “ايديولوجيا الليبرالية الجديدة”. وندد ستيغليتز بالقواعد المعتمدة في منطقة اليورو وتحديدا فرض سقف للعجز في الميزانية قدره 3% على البلدان، معتبرا أن هذه النسبة “جاءت من العدم” ولا تقوم برأيه على “اي نظرية اقتصادية”.
وقال “ان الله هو الذي أنزل الوصايا العشر في جبل سيناء، غير ان قواعد اليورو وضعها بشر”، داعيا الى مراجعتها. وقال الخبير الحائز جائزة نوبل عام 2001 مبديا استياءه “ان تلك الفكرة بان التقشف يسمح بالعودة الى النمو والازدهار باتت اليوم مرفوضة من معظم خبراء الاقتصاد ومن صندوق النقد الدولي حتى. لكنها للأسف لا تزال الرأي المهيمن داخل الحكومة الألمانية وتحديدا في وزارة المالية” عارضا إرسال نسخة عن كتابه لوزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله.
وتابع “إنني واثق من أن كتابي لن يقنعه”، وهو يندد فيه بما يصفه بـ”إيديولوجيا الليبرالية الجديدة” في الاتحاد الأوروبي. ومعلقا على مفهومه لكلمة “إيديولوجيا”، يقول”إنها معتقد لا يقوم بالضرورة على إثباتات” مذكرا بأن التقشف فشل في أزمة الكساد الكبير، ثم في آسيا والأرجنتين، “والآن في أوروبا أيضا”.
وتابع “الملفت أن صندوق النقد الدولي استخلص العبر من هذا الماضي، وهو يقر بأنه أخطأ”. وفي المقابل، يستغرب الخبير الاقتصادي ان بعض الحكومات الاوروبية مثل حكومة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، لا تزال تطالب بسياسات تصحيح مالي “لا تتماشى مع الإصلاحات التي تحتاج إليها منطقة اليورو”.
وتكمن الأخطاء برأي ستيغليتز في جذور اليورو نفسها، وهو يرى أن الأوروبيين “وضعوا العربة قبل الحصان” ببدئهم العمل بالعملة الموحدة قبل إنشاء المؤسسات الضرورية لإدارتها. وتابع أن “العملة الموحدة حرمت الدول من أهم آليتي تصحيح: أسعار الصرف ونسب الفوائد. الدول مكبلة الأيدي ولا هامش تحرك لديها سوى في الميزانية. والأمر نفسه ينطبق على البنك المركزي الأوروبي الذي لا يمكنه تركيز عمله إلا على التضخم”.
ودعا ستيغليتز إلى التحرك لتجنيب المشروع الأوروبي المخاطر. وقال “قد يكون اليورو مناسبا للبعض وللمصرفيين، لكنه لا يناسب المواطنين العاديين. المجتمع يراوح مكانه، لا ينمو، وهذا ما يعطي دفعا لأحزاب اليمين المتطرف” بحسب فرانس برس. وهو يطرح في كتابه عدة حلول لإخراج أوروبا من المأزق، ويعطي الأفضلية من بينها لتجهيز منطقة اليورو بمؤسسات تسمح بحسن سير عملها، مثل بنك مركزي “لا يكتفي بمكافحة التضخم، بل يركز على مكافحة البطالة وعلى النمو”.
وان كان المواطنون لا يقبلون بتشديد سلطة المؤسسات الاوروبية، فهو يقترح عدة وسائل لتقليص هذه السلطة موضحا أن “الأسهل” من بينها هو خروج ألمانيا من اليورو، ما سيجعل الدول الأخرى أكثر تنافسية بفضل تراجع قيمة العملة الموحدة”. كما أوصى من بين الحلول الأخرى بـ”طلاق ودي” وصولا إلى إقامة “منطقتين نقديتين أو حتى ثلاث مناطق نقدية” بانتظار استحداث المؤسسات الضرورية.
لا أزمة مالية عالمية ولا تغير في توقعات نمو الاتحاد الأوروبي
وقال موسكوفيتشي في مقابلة مع تلفزيون رويترز خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إنه لا يعتقد أنه ستكون هناك أزمة مالية عالمية مجددا على الرغم من الاضطرابات في الأسواق العالمية خلال الأسابيع القليلة الأولى من هذا العام والناتجة عن التباطؤ الصيني وهبوط أسعار النفط.
وردا على سؤال حول ما إذا كان ما لدى البنوك المركزية الأساسية في العالم من ذخيرة تسمح بإنعاش الاقتصاد العالمي قد نفد بعد سنوات من تدني أسعار الفائدة والتيسير الكمي قال موسكوفيتشي “لديهم بنادق وبوسعهم التحرك.” وبينما رفض الاشتراكي الفرنسي موسكوفيتشي إعطاء توصية بسياسة للبنك المركزي الأوروبي المستقل قال إن البنك تبنى الإجراء الصحيح منذ 2012 لحماية وحدة منطقة اليورو وإظهار قدرتها على مقاومة أي صدمة.
وأضاف موسكوفيتشي أن البنك المركزي الأوروبي تطرق أيضا إلى قضايا سياسية متصلة بضعف النمو وقال “نحن بحاجة للمضي قدما في ذلك.” وقال المسؤول الأوروبي أيضا إنه لا يتوقع أي تغير كبير في توقعات النمو بمنطقة اليورو عندما تصدر المفوضية الأوروبية توقعاتها المحدثة أوائل فبراير شباط على الرغم من التباطؤ الحاد في الصين وهبوط الأسهم وتراجع أسواق السلع الأولية.
وتوقعت المفوضية الأوروبية في نوفمبر تشرين الثاني نمو منطقة اليورو 1.8 في المئة هذا العام و1.9 في المئة في 2017 مقابل 1.6 في المئة في تقديرات العام الماضي. وقال موسكوفيتشي “حسبما أرى اليوم ليس هناك ثمة تغيير. ليس هناك تغيير كبير في توقعاتنا…لأوروبا. لكن بالطبع علينا أن نضع في الحسبان تلك المخاطر النزولية. لسنا بحاجة إلى تغيير موقفنا السياسي ولكننا بحاجة إلى تعزيزه.”
وفي شأن الاضطرابات في الأسواق العالمية وهبوط أسعار السلع الأولية قال موسكوفيتشي “لا أشعر أن الأزمة المالية ستعود. لا نشعر أننا نواجه خطر تراجع النمو العالمي لكن هناك جوانب سلبية نحن بحاجة إلى التطرق إليها.” وأضاف “هناك مخاوف ونحن بحاجة لأن نأخذ ذلك في الحسبان وبخاصة فيما يتعلق بالصين التي تمر بمرحلة تحول صعبة وضبابية. في المجمل الأثر المتوقع على النمو -وما نراه هو أنه قد يكون هناك أثر- محدود. أعتقد أنه حتى أكثر محدودية على النمو الأوروبي الذي يتمتع بحماية وقدر أقل من الاعتمادية على تلك التحركات.”
وأقر موسكوفيتشي بوجود مخاطر على النظرة المستقبلية لأوروبا جراء احتمال إلغاء منطقة شنجن التي تضم 26 دولة مفتوحة الحدود تسمح بالتنقل بينها من دون جواز سفر بسبب أزمة اللاجئين ومن احتمال التصويت في بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. لكنه قال إنه واثق من التوصل إلى اتفاق جيد مع بريطانيا في فبراير شباط والتوصل إلى اتفاق لإصلاح شنجن بما يمكن معه تجنب تلك المخاطر المفترضة بحسب رويترز.
وقال موسكوفيتشي إنه لا يرى أي حاجة لتخفيف السياسة المالية أكثر في أوروبا لمجابهة التباطؤ لكنه قال إن دول الاتحاد الأوروبي يجب أن تمضي قدما في برنامج استثمارات عامة يعرف باسم “خطة يونكر” وإصلاحات اقتصادية هيكلية لزيادة معدلات النمو المحتمل.
شيئا فشيئا .. اقتصاد منطقة اليورو يستيقظ من سباته
في سياق مقارب بلغ معدل النمو الاقتصادي السنوي 1.6 في المئة في الربع الثالث من العام. ورغم أن هذا المعدل لا يبدو مرتفعا فهو يمثل تقريبا مثلي متوسط النمو السنوي في الفترة من 2003 إلى 2014 (وهذا المتوسط منخفض عن المعتاد بفعل الانكماش الاقتصادي الحاد الذي سجل في 2009) ويعادل أعلى معدل منذ 2010.
ولهذا فالمعدل جيد بدرجة معقولة بالنسبة لمنطقة اليورو. ويتوقع خبراء البنك المركزي الأوروبي واقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بوتيرة أسرع قليلا هذا العام تبلغ نحو 1.7 في المئة. وتشير بيانات أخرى – رغم تباينها في بعض الأحيان – إلى أداء اقتصاد أقوى من المعلن.
فالبطالة تشهد انخفاضا مطردا إلى حد ما. إذ بلغ المعدل 10.5 في المئة في نوفمبر تشرين الثاني وهو معدل مرتفع لكنه أقل معدل منذ أكثر من أربع سنوات كما أنه يقل بشكل ملحوظ عن النسبة المسجلة عام 2013 وهي 12 في المئة. وتشهد ثقة المستثمرين ارتفاعا كما أن المعنويات الاقتصادية بلغت أعلى مستوياتها منذ أكثر من أربع سنوات. كذلك ارتفع قطاع الصناعات التحويلية وفقا لمؤشرات مديري المشتريات بمعدلات ايجابية في عام 2015 رغم أنه مازال أقل من الذروة التي بلغها عام 2013.
ويمثل استخراج نقاط إيجابية من مثل هذه البيانات مجازفة بأن يشبه الأمر زائرا مهذبا يهنيء مدينة صناعية كئيبة على اوركسترا الموسيقى الذي جاء أداءه أفضل من المتوقع. لكن في ضوء الأحوال التي كانت عليها منطقة اليورو والتنبؤات الكثيرة بانهيارها اقتصاديا وسياسيا فإن هذا التحسن النسبي محسوس بحسب رويترز.
وقال أندرو ميليجان رئيس قسم الاستراتيجية العالمية في ستاندرد لايف انفستمنتس التي تحبذ الاستثمار في الاسهم والسندات والعقارات الاوروبية في محافظها الاستثمارية “أداء ثالث أكبر تكتل اقتصادي في العالم جيد فعليا.” وأضاف أن عددا من العوامل الرئيسية يدعم ذلك منها “السياسات النقدية والمالية وتحسن بدرجة ما للجهاز المصرفي وتحسن الأجور الحقيقية مدعومة بانخفاض تكاليف الطاقة والطلب الكامن مع تحسن ثقة المستهلكين في تلك الدول التي شهدت بضع سنوات صعبة.”
والخطر أن كل هذا يمكن أن ينهار في ثانية بفعل ما وصفه جورج أوزبورن وزير مالية بريطانيا غير العضو في منطقة اليورو بأنه “مزيج خطير” من المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي. وعلى رأس هذه المخاطر التباطوء الاقتصادي في الصين التي تمثل ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الاوروبي بعد الولايات المتحدة. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الاوروبي نحو مليار دولار يوميا وفقا لبيانات المفوضية الاوروبية.
ويقدر بنك يو.بي.اس أن تباطوء النمو الاقتصادي في الصين بواقع نقطة مئوية واحدة سيخفض النمو الاقتصادي في الاتحاد الاوروبي بما بين 0.1 و0.3 من النقطة المئوية ويقول البنك إن ذلك سيكون مقدورا عليه. وإذا حدث انخفاض مماثل في الأسواق الناشئة فسيخفض النمو بما بين 0.2 و0.4 نقطة مئوية.
ومع ذلك فقد سبق أن شهد الاقتصاد في أوروبا وفي منطقة اليورو بالأخص نموا حتى حينما تباطأ النمو في الصين والأسواق الناشئة. ففي النصف الأول من 2015 على سبيل المثال انخفض نمو الصادرات الألمانية للصين إلى 0.8 في المئة فقط وانكمشت الصادرات الهندسية بنسبة 4.9 في المئة. ومع ذلك فقد كان نمو الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا 1.8 في المئة وفق أحدث البيانات.
ورغم ذلك فالقضية الرئيسية هي أن تدابير التحفيز التي اتخذها البنك المركزي الاوروبي وتبلغ قيمتها 60 مليار يورو (66 مليار دولار) شهريا لا تواجه خطر الانتهاء وربما تعوض جانبا كبيرا من أثر الاضطرابات الخارجية. كذلك فإن انخفاض أسعار السلع الأولية سيكون مفيدا مهما كانت المخاوف من الانكماش.
وبالطبع فإن منطقة اليورو ستشهد اضطرابات خطيرة إذا حدثت مثل هذه الاضطرابات في الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي. لكن وصف اقتصاد منطقة اليورو بصفات سلبية يمثل مبالغة في الوقت الحالي.
البنوك المركزية لدول اليورو طبعت المليارات قبل التيسير الكمي
من جهتها أظهرت دراسة أكاديمية أن البنوك المركزية بمنطقة اليورو اشترت في هدوء أصولا بمئات المليارات من اليورو خلال العشر سنوات الماضية من خلال تسهيل سري يسمح لهم بطباعة النقود لغير أغراض السياسة النقدية.
وفي حين يعرف الجميع جيدا برنامج التيسير الكمي الخاص بالبنك المركزي الأوروبي والبالغة قيمته 1.5 تريليون يورو (1.64 تريليون دولار) فإن وجود تلك الخطة المنفصلة الخاصة بشراء السندات وأصول أخرى كشف عنه الباحث دانيال هوفمان للمرة الأولى هذا الأسبوع في دراسة وهي جزء من رسالة الدكتوراة التي يعدها.
وتضخم إجمالي حجم الأصول التي تملكها البنوك المركزية الوطنية خارج إطار عمليات السياسة النقدية العادية إلى 623 مليار يورو العام الماضي من 214 مليار يورو في 2005 بحسب هوفمان الذي جمع البيانات من الميزانيات العامة للبنوك المركزية الوطنية.
وتثير الدراسة تساؤلات بخصوص استخدام البنوك لتلك الخطة التي تستهدف أغراضا غير نقدية مثل إدارة صناديق التقاعد التابعة للبنوك المركزية وبخاصة إبان الأزمة المالية العالمية من 2008 إلى 2012 عندما اضطرت الزيادة في عائدات السندات الحكومية عدة دول إلى طلب المساعدة المالية. وزادت المشتريات بشكل كبير في سنوات الأزمة وبخاصة تلك التي قامت بها البنوك المركزية في فرنسا وإيطاليا واليونان وأيرلندا.
وقال البنك المركزي الأوروبي على موقعه الإلكتروني يوم الخميس إن من غير الممكن حدوث “تكوين للأموال على نحو غير منضبط” باستخدام هذا التسهيل المعروف باسم اتفاقية صافي الأصول المالية لأن هناك سقف لما يمكن لكل بنك من البنوك المركزية الوطنية شراؤه لمنع تداخله مع السياسة النقدية بحسب رويترز.
لكن تلك الحدود غير معلنة. وبينما يتعين على البنوك المركزية الوطنية إخطار البنك المركزي الأوروبي بما تقوم بشرائه فإن الكثير من تلك البنوك لا يعلن مثل تلك التفاصيل. وخلص البحث إلى أن حجم الأصول المصنفة تحت بند “أوراق مالية أخرى” في الميزانيات العامة للبنوك المركزية الوطنية والتي جرى شراؤها بأموال مخلقة ذاتيا قفز من 122.6 مليار يورو في 2005 إلى 374.9 مليار يورو في 2014.
ويبلغ حجم تلك الأصول حاليا 358.2 مليار يورو بحسب البيان المالي المجمع لمنظومة اليورو (يورو-سيستم). وقال هوفمان في دراسته “هذه الزيادة في الحجم… غابت عن الرأي العام بشكل كامل تقريبا.”
وقال مصدر من منظومة اليورو إن إجمالي حجم الأصول التي تمتلكها البنوك المركزية بمنطقة اليورو لأغراض غير نقدية بلغ 575 مليار يورو في نهاية 2014 مقارنة بإنفاق شهري يبلغ 60 مليار يورو بموجب برنامج شراء الأصول الخاص بالبنك المركزي الأوروبي الذي أطلق في مارس آذار ومن المقرر استمراره لمدة 25 شهرا مما يعني أن الحجم الإجمالي قد يصل إلى 1.5 تريليون يورو.
اليورو يتراجع الى اقل من 1,05 دولار لاول مرة منذ 12 عاما
وتراجع اليورو الى ما دون 1,05 دولار لاول مرة منذ كانون الثاني/يناير 2003 متاثرا بالفارق الكبير في التوقعات الاقتصادية بين منطقة اليورو والولايات المتحدة. وهبط اليورو قرابة الساعة 4,00 (5,00 بتوقيت باريس) الى 1,0495، ادنى مستوياته منذ كانون الثاني/يناير 2003، قبل ان يعود ويرتفع بشكل طفيف ليتراوح في جوار 1,06 دولار.
واليورو الذي كان لا يزال يقارب 1,10 دولار قبل اسبوع، فقد اكثر من 13% من قيمته منذ مطلع العام. وقال بترا كوراليوفا المحلل في شركة ترايد نكست ان “اليورو يبقى تحت الضغط. ليس هناك في الوقت الحاضر اي تصريحات او معطيات يمكن ان تقلب التوجه الحالي نحو التراجع”. بحسب فرانس برس.
وخطة الدعم هذه التي وضعها الاتحاد النقدي ستصل قيمتها الى 60 مليار يورو شهريا حتى ايلول/سبتمبر 2016 على الاقل، اي 1140 مليار يورو كحد ادنى سيتم استثمارها بشكل خاص في سندات سيادية.
مرتبط