عندما يتعرى فخامة الوزير
بقلم/ اسعد عبدالله عبدعلي صوت مكبرات الصوت في مطار بغداد يعلن خبرا مهما, للمسافرين المتواجدين في قاعة الانتظار, (( الرحلة إلى لندن تؤجل إلى الساعة الرابعة عصرا, بسبب خلل فني, نرجوا قبول الاعتذار)), تململ الوزير كثيرا, كان يتوق للخروج من العراق, تقارير الطبيب الأخيرة أخافته كثيرا, فالتقارير تتحدث عن ورم خبيث, هنالك الكثير من العمل في عاصمة الضباب يجب القيام بها, كي يطمئن على صحته, وألان عليه أن ينتظر أربع ساعات, قرر أن يشغل نفسه بالتسوق من المحلات الموجودة داخل المطار, وطلب من مرافقيه أن يكملوا بعض الإجراءات والاتصالات المهمة. اقترب من مكتبة تحوي مجلات وكتب وصحف وقرطاسية, شاهد شابا يقرأ في صحيفة, وقف إلى جانبه, وقد حمل مجلة عربية يتصفحها, قرر عندها الوزير أن يشغل نفسه ببعض الحديث الجانبي مع هذا الشاب, فسأله: - يبدو انك تهتم بالصحف السياسية. بقي الشاب ممسكا بالصحيفة, فقط قال له من دون أن يلتفت نحوه: - أي سياسة تريدني أن اهتم بها, يا حاج ألف لعنة على كل سياسي, لقد دمروا حياتنا, الله ينتقم منهم بمرض لا يقومون منه أبدا, يا حاج ها أنا اهرب من بلدي بسببهم. بان الألم على وجه الوزير, كان الكلام قاسي جدا بل هو كسهم مسموم وجه نحوه, ( ترى هل يعلم هذا الشاب من أنا, كلماته كانت شديدة الاحتقار لي, لكن هل يعلم بمرضي, هو حتى لم يلتفت ألي, اعلم جيدا أننا أفسدنا كثيرا, ولن ينفع منا أي توبة) قرر الوزير أن يستمر بالحديث, ويبدد السكون الذي تمدد بعد كلمات الشاب, فقال له: - الهروب ليس حلا, وبلدك يحتاجك, وأنت شاب تملك الإرادة الى أصلاح حالك. ضحك الشاب يصوت عال, رمى الصحيفة فوق أخواتها, اقترب من الوزير وهمس في أذنه. - عذرا, لكن أضحكتني كلماتك, ببساطة انه ليس بلدي, الوطن ألان هو عبارة عن بستان بيد الجماعة الحاكمة, سرقونا يا حاج, عندما أتذكر أم إبراهيم العجوزة المسنة وهي تستجدي قطعة صمون, أدرك كم أن الوزراء ملعونين على لسان الأجداد والأحفاد, وعندما أشاهد أطفال الشوارع وهم يقعون ضحية شارع لا يرحم, فيضيعون في مستنقع الانحراف, أدرك أن كل الساسة في الدرك الأسفل من النار, يا حاج أحيانا أفكر بعمق عن الساسة والجزاء الدنيوي لإعمالهم, فهل يعقل أن تكون عوائلهم شريفة وأعراضهم مصانة, عندها أتيقن أن المال الحرام سيتهك أعراضهم وصحتهم, فاضحك طويلا متشفيا بضحالة واقعهم. رن هاتف الشاب فابتعد كي يجري المكالمة, وبقي الوزير متسمرا في مكانه, دمعت عيني الوزير, لم يصارحه احد من قبل بمثل هذا الكلام, لم يشعره احد بمدى حقارة وجوده, الكل كان يعظمه ويبجله, اخذ الوزير يفكر في زوجته, وتغير أحوالها وسفرها الدائم الى بيروت, فسعل وكاد يقع على الأرض, الا انه اتكأ على الجدار, فكر في بناته الثلاثة, وحياتهن التي لا يعرف عنها الكثير فقط سفرهن الدائم, تذكر ابنه المدمن على الخمر, والذي لا يفارق آماكن لعب القمار في أورب. (( نعم هتك العرض وزالت الصحة وغدا أتحمل أوزار شعب بكامله, أنا بحق أحقر الناس واقلهم شرفا ومنزلة, ولن ينفع العلاج فأعمالي رسمت نهايتي)), جلس على الكرسي تجمع حوله مرافقيه, فقد استشعروا أن سعادة الوزير متعب جدا, وبعد جهد قال لهم: - اسمعوا, أريدكم أن تلغوا السفر واتصلوا بالسائق يستعد ليعود بي للبيت, فلا مفر من القدر.