الاغتيال الصامت للعلماء المسلمين.. تكتيك إسرائيلي
إسطنبول/ الأناضول
اغتيال مهندس الطيران التونسي، محمد الزواري، الذي شارك في تصنيع طائرة بدون طيار "أبابيل" لصالح كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2016، أعاد تسليط الضوء على عمليات تصفية طالت علماء مسلمين وُجه الاتهام في ارتكابها إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد".
فعلى مدى عقود تم توجيه اتهامات مباشرة لجهاز "الموساد" باغتيال علماء مسلمين في ظروف غامضة، وأحيانا بشكل سافر ومبرمج، دون أن تتبنى أو تنفي تل أبيب، ذلك بشكل صريح، في إطار ما تسميه "سياسة الردع"، لتخويف العلماء ودفعهم للهجرة من بلدانهم، وتعطيل أي مشروع علمي للنهوض بأي دولة مسلمة، خاصة في المجال العسكري لاسيما النووي.
المحلل السياسي التركي، مصطفى أوزجان، اعتبر في حديث للأناضول، أن "استهداف الموساد، للعلماء المسلمين يهدف لعدم تمكين بلدانهم من الحصول على القنبلة نووية أو تجاوز القدرات التكنولوجية لإسرائيل".
وقال إن "الإسرائيليين يعتبرون أدوات تطوير المسلمين للتكنولوجيا خطرا عليهم، ولا يريدون أي اختراق في هذا المجال يكسر تفوقهم، لذلك يستهدفون العلماء المصريين والعراقيين والإيرانيين والباكستانيين".
وأضاف أوزجان، أن "سياسة اغتيال العقول المسلمة بالإضافة إلى تدمير المنشآت العلمية، سمح لإسرائيل باجتثاث البرنامج النووي العراقي في السبعينات والثمانينات، وأيضا مشروع المدفع العملاق على سبيل المثال".
وأشار إلى أن "إسرائيل تتكتم عن الاغتيالات التي تستهدف علماء مسلمين حتى لا تثار هذه القضايا في الأروقة الدولية، لكننا ضمنيا نعرف أن الموساد يقف وراء تلك العمليات".
ومتفقا معه، قال الكاتب السويدي من أصول سورية، حاتم الزعبي، إن "الموساد يقوم باغتيال العلماء المسلمين من أجل ترهيب العقول والدول وردعهم عن مواصلة بحوثهم وتطوير برامجهم العلمية".
ولفت الزعبي، في حديث مع الأناضول، إلى أن "الإسرائيليين لا يتبنون عمليات الاغتيال التي ينفذونها، لأن من سياستهم ترك الناس في حيرة لترهيبهم".
ونوه إلى أن "الإسرائيليين لا يستهدفون فقط علماء الذرة المسلمين، بل كل الكفاءات المسلمة التي يمكن أن تؤدي إلى تطوير بلدانها في أي مجال من المجالات العلمية والفكرية".
وأعطى الزعبي، مثالا بالخبير المصري في التنمية البشرية واللغوية، إبراهيم الفقي، الذي قال قبل وفاته: "أعطوني خمس سنوات أقضي على الأمية في مصر".
ورجح الزعبي، أن يكون "الموساد" أو غيره من أجهزة الاستخبارات الدولية وراء "اغتيال" الفقي اختناقا بالغاز بعد اشتعال النار في مسكنه بالقاهرة في عام 2012.
وبالنظر إلى سلسلة العلماء المسلمين الذين تم اغتيالهم في فترات مختلفة، فيمكننا القول أن عمليات "الموساد"، ضد العلماء العرب والمسلمين مرت بعدة محطات رئيسية منذ تأسيسه في 13 ديسمبر/ كانون الأول عام 1949:
- المحطة الأولى في خمسينات القرن الماضي، حيث استهدف "الموساد" علماء مصريين في عهد حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (1954-1970)، فمنذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 1948، صب الجهاز تركيزه على مصر خاصة مع اهتمام القاهرة ببناء مفاعل نووي منذ 1963.
ومن بين ضحايا "الموساد" في هذه الفترة، عالم الذرة المصري، سمير نجيب، الذي تم "اغتياله" في الولايات المتحدة عام 1967 بعد قراره العودة لبلاده بعد "نكسة" يونيو/ حزيران من العام نفسه، حيث احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء.
وفي العام نفسه، أُلغي مشروع بناء أول محطة نووية مصرية، والتي فازت بها شركة أمريكية.
- المحطة الثانية في منتصف السبعينات وبداية الثمانينات، حيث استهدف "الموساد" تدمير المشروع النووي العراقي، الذي استقطب خبرات دولية، من بينهم عالم الذرة المصري يحيى المَشَد.
ولم يكتف جهاز المخابرات الإسرائيلي بتدمير معدات المفاعل النووي قبل شحنها من فرنسا، بل وتدمير مقره بالعراق في قصف جوي، واغتيال المَشَد، بحسب تقارير إعلامية.
- المحطة الثالثة في التسعينات، وفيها ركز الموساد الإسرائيلي على "اغتيال" علماء مسلمين في قطاعات أخرى غير العلمية مثل المؤرخين المصريين الذين سلطوا الضوء على "الصهيونية"، على غرار جمال حمدان، الذي "مات" حرقا في 1993، بحسب الرواية الرسمية، أو بضربة من أداة حادة على رأسه، حسب شهادة أهله.
- المحطة الرابعة بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق في 2003، استهدف "الموساد" مرة ثانية العلماء العراقيين خاصة المختصين في المجال النووي، حيث قُتل منذ ذلك الوقت إلى الآن 5آلاف و500 كفاءة علمية من بينهم 350 عالما نوويا، في ظل الفوضى التي شهدتها البلاد بعد الغزو الأمريكي، بحسب تقارير إعلامية.
- المحطة الخامسة، اغتيال علماء نوويين مسلمين "معنويا"، وشكل احتلال الولايات المتحدة للعراق في 2003، بدعوى امتلاكه أسلحة نووية، وبدون إذن أممي، صدمة لدى الدول الإسلامية التي تمتلك برامج نووية، فتم التركيز هذه المرة على "إسلام أباد"، من خلال حملة تشويه عالمية لأب القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان.
وتم تسريب معلومات استخباراتية لوسائل إعلام غربية تكشف تفاصيل مساعدة العالم الباكستاني، لإيران وليبيا، في تطوير برنامجيهما النوويين، ومورست ضغوطات شديدة على تلك الدول، كان من نتائجها تفكيك الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، لبرنامج بلاده النووي في 2003، حتى لا يلقى مصير صدام حسين، كما دعا (القذافي) سوريا إلى تفكيك برنامجها هي الأخرى.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي التركي، مصطفى أوزجان، إن "الغرب أثار ضجة إعلامية ضد عبد القدير خان، بل وحققوا معه، واتهموه بنقل التكنولوجيا النووية إلى ليبيا، وهذا الأمر ليس ببعيد عن المخابرات الإسرائيلية".
وأضاف أوزجان أنه "تم التغاضي عن إنتاج باكستان للقنبلة النووية، لأنها موجهة ضد الهند، ولا تهدد مصالح الغرب، ولا أمن إسرائيل".
- المحطة السادسة في الفترة ما بين 2007 إلى 2012، وتم خلالها التركيز على استهداف العلماء النوويين الإيرانيين، حيث اغتيل 5 كفاءات نووية في 2007، وتلاها عدة عمليات أخرى إما عن طريق تفجيرات أو قنابل مغناطيسية لاصقة، يحملها دراجون ملثمون يضعونها في سيارات العلماء أثناء سيرها لتفجيرها في الطريق.
ما سبق دفع السلطات الإيرانية إلى تشديد الحراسة على علمائها خاصة النوويين منهم، وإلقاء القبض على عدد ممن تعتبرهم عملاء "للموساد" وتنفيذ أحكام بالإعدام في حقهم.
- المحطة السابعة، وهذه المرة يتم استهداف العلماء النوويين السوريين، بداية عام 2011، استغلالا للأوضاع الداخلية المضطربة في البلاد، حيث تم اغتيال 4 علماء ذرة في 10 أكتوبر/ تشرين الثاني 2014، بإطلاق النار عليهم في سيارتهم.
واتهم النظام السوري "جبهة النصرة" باغتيالهم، لكن متابعين للوضع في سوريا وجهوا أصابع الاتهام إلى الموساد الإسرائيلي، مشيرين في ذلك إلى قيام إسرائيل بقصف مركز للبحوث العلمية (يمثل مركز البرنامج النووي السوري) في منطقة حمرايا بريف دمشق، وذلك في 5 مايو/أيار 2013 وتم إعادة قصف نفس المركز بعد شهر من ذلك.
وتشكل عملية استهداف المهندس التونسي محمد الزواري، إحدى هذه المحطات التي تحاول إسرائيل، عرقلة محاولة كتائب القسام تطوير قدراتها العسكرية، خاصة أن الحرب الأخيرة على غزة في صيف 2014، أظهرت استعمال كتائب القسام للمرة الأولى في تاريخها طائرات بدون طيار من تصنيعها، في مهمة أمنية فوق أجواء إسرائيل، في 14 يوليو/ تموز 2014.