مطيبيجة القرية "اللغز" تهدد أمن صلاح الدين لأكثر من عامين
تحولت قرية "مطيبيجة" في محافظة صلاح الدين، الى "لغز" حيّر القوات الأمنية، فالقرية التي هجرها السكان باتت مركزا لشن هجمات خاطفة من قبل تنظيم داعش على باقي مناطق المحافظة.
إغلاق مداخل ومخارج المدن وطرقها بالتزامن مع تكثيف نقاط تفتيش تجوب الشوارع ليلا ونهارا، وسيارات مدنية وأخرى عسكرية تحمل مسلحين عشائريين، تلك هي أهم المظاهر السائدة منذ شهرين في مناطق شرق صلاح الدين.
عناصر تنظيم داعش عادوا الى تلك المناطق بقوة لشن هجمات خاطفة ومؤثرة تستهدف القوات الأمنية والحشد العشائري، مستغلين طبيعة جغرافية وحاضنة ما زالت تحت سيطرتهم في مناطق جبال حمرين.
مناطق جنوب وشرق سامراء، والدور، وناحية العلم، أصبحت في خطر واضح مع تكرار العمليات التي يشنها تنظيم داعش ووصوله في إحدى هجماته الى اقل من كلم واحد من مركز قضاء الدور (25 كلم جنوب شرق تكريت)، كما سيطر التنظيم على قرى مثل تل كصيبة، والربيح، والحسان، والصلابخة، والعيث، ومطيبيجة، وغالبية تلك الهجمات تشن من مناطق جبال حمرين الخاضعة للتنظيم منذ أكثر من سنتين ونصف السنة.
القرية المهجورة
"مطيبيجة" القرية النائية الغامضة (شرق الضلوعية 35 كلم) الواقعة على ضفة نهر العظيم على الحدود الفاصلة بين محافظتي صلاح الدين وديالى، ذات طبيعة زراعية ووعورة جغرافية، اذ تنتشر فيها عرائش العنب ومزارع الحبوب والخضراوات على مساحات واسعة.
وتحوي القرية على مقالع للحصى والرمل ومبازل لتصريف المياه، خالية من السكان منذ أكثر من سنتين، إذ اصبحت من اهم بؤر داعش وأكثر المناطق التي يشن التنظيم هجماته منها، وبرغم تنفيذ القوات الامنية لأربع حملات لتطهيرها لم تعثر تلك القوات على اي تجمعات مهمة لداعش، مما يؤكد قدرة المسلحين على التملص والهروب ومعرفتهم بطبيعة المناطق ذات الاحراش والقصب والمستنقعات الشاسعة وإنهم يتحركون بمجاميع صغيرة.
سكان القرية من عشائر البو عيسى، هجروا المكان بسبب كثرة العمليات العسكرية وسكنوا في محيط سامراء عند أقاربهم حيث أضحت قرية مطيبيجة "لغزا" كما يقول الشرطي زياد خلف "كل مرة نداهم القرية لا نجد اي شخص وبعد ساعات عدة نتعرض لهجوم ويقتل زملاء لنا فعلا انها لغز محيّر".
هجمات ممنهجة
محافظ صلاح الدين احمد الجبوري، طالب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، بالتدخل لحماية مناطق شرق المحافظة، وقال في تصريحات صحفية، ان مناطق شرق نهر دجلة وقضاء الدور الواقعة شرقي صلاح الدين تعاني من مسلسل الهجمات المستمرة لداعش، وان أكثر من 600 عائلة نزحت الى مراكز المدن القريبة في الدور وتكريت وسامراء خشية الاستهداف.
عناصر داعش استهدفوا في هجمات ممنهجة ايضا مراكز امنية واقطعوا طريق تكريت كركوك في أكثر من مكان ولعدة مرات في شهري كانون الثاني وشباط الماضيين، ولعل أبرز تلك العمليات استهداف مركز شرطة "البو خدو" شرقي سامراء ومقتل ستة من عناصره وإحراقه، وكذلك مركز شرطة قرية "النايب"، وتفجير انتحاري استهدف مقر عمليات شرق دجلة خلف 33 قتيلا من قوات الامن، وتفجير 12 برجا لنقل الطاقة الكهربائية ادى الى قطع الكهرباء لأكثر من اسبوع عن مناطق الدور وشرق تكريت والعلم.
رئيس اللجنة الامنية في مجلس محافظة صلاح الدين جاسم الجبارة، يقول "داعش ينطلق من مناطق لا تزال تشهد فراغا امنيا وتعتبر معقلا له في جبال مكحول شمال بيجي، وحمرين شرق المحافظة، لشن الهجمات الارهابية في محافظة صلاح الدين".
ويضيف أن "تحرير تلك المناطق بحاجة الى هجوم بري وجوي لتدمير خلايا التنظيم التي تتخذ هذه المنطقة وخاصة المناطق التي تقع بين محافظتي صلاح الدين وديالى والتي تعد مركزا لانطلاق الهجمات".
مرحلة خطرة
على مقربة من بؤرة التوتر الامني في مطيبيجة، يقود الشيخ علي الثاير الفرحان، زعيم عشائري شاب (38 عاما)، مجموعة من عناصر الحشد العشائري منذ سنتين، ورغم عدم اسناده من الجهات الحكومية الا انه مستمر بصد الهجمات المتكررة على قريته التي تضم اكثر من 300 منزل وتقع على الحدود بين محافظة صلاح الدين وديالى وتعد طريق تسلل المسلحين على مقرهم في مطيبيجة.
يقول الفرحان "لقد وصلنا الى مرحلة خطرة، نحن في طريقنا الى القاء السلاح والنزوح وترك المكان، فمنذ أكثر من شهرين يقصفنا داعش بشكل يومي ويقتل الابرياء من السكان".
طراد مسعف الشمري، رجل خمسيني من اهالي قرية الحسان شرق قضاء الدور، يسكن في منزل قيد الانشاء في تكريت، يقول حول وضعه "أجبرونا على النزوح إذ أن مسلحي داعش يقومون بقتل حيواناتنا ومصادرة أغنامنا وعجلاتنا وتفجير وحرق المنازل وأصبحت حياتنا في جحيم لا يطاق".
ومن أهم الأسباب التي جعلت من مناطق مطيبيجة ومرتفعات حمرين وجبال مكحول ملاذا امنا ومنطلقا لعمليات داعش هو الطبيعة الجغرافية الصعبة بالدرجة الاساس كونها مناطق وعرة ومرتفعة وشاسعة المساحة تمتد لعدة محافظات، ووجود عناصر من داعش من اهالي تلك المناطق التي خبروها جيدا ويعرفون الطرق والكهوف والوديان المتداخلة الأمر الذي يجعل مهاجمتهم في تلك المناطق شيء عبثي وصعب.