قبيل الانتخابات النيابية.. داعش و"الأغلبية السياسية" يحددان مستقبل التحالف الوطني!
يواجه التحالف الوطني أقسى اختبار له منذ 2005، اذ تزداد انقساماته الداخلية حدة كلما اقترب موعد الانتخابات، ملفات الحشد الشعبي، ومرحلة ما بعد داعش، والرؤية الى مستقبل الحكم جميعها تحديات صعبة تواجهه.
ففي الاسبوع الماضي، دعا رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم، الى اختيار بديل عنه ضمن اتفاق جرى توقيعه العام الماضي لجعل رئاسة التحالف دورية بين مكوناته، ولكن الغريب ان الحكيم استعجل هذا الطلب قبل خمسة اشهر من انتهاء فترة رئاسته، فما السبب؟.
إعلان مبكر
واعترف الحكيم خلال كلمة له في احتفالية جرت في بغداد ان الكثير من المصاعب والمعرقلات واجهت فترة رئاسته للتحالف، وقال انه ادى واجبه وقلل من الخلافات السياسية الشيعية، ولكن الواقع يشير الى عكس ذلك، فالخلافات ازدادت حدة وستزداد اكثر خلال الاسابيع المقبلة.
كتلة التحالف الوطني، هو التحالف الشيعي الاوسع والاكبر الذي تولى رئاسة الحكومات منذ عام 2005 بعد اول انتخابات تشريعية جرت بعد سقوط نظام صدام حسين، ولغاية الآن، وتمتلك الان 178 نائبا ويضم ثلاث قوى أساسية، وهي: ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، وله 80 نائبا، والتيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، وله 34 نائبا، وائتلاف المواطن بزعامة عمار الحكيم، وله 30 نائبا.
بعد تشكيل الحكومة العراقية الحالية في 2014، انقسم التحالف الوطني الى فريقين، الاول دعم حيدر العبادي لرئاسة الحكومة وهم كل من التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي وجزء من ائتلاف دولة القانون الموالين للعبادي، اما الفريق الثاني ضم الجزء الاكبر من ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي الذي رفض العبادي، واصّر على بقاء المالكي في الحكم، وهو ما لم يحصل.
وبعد ثلاثة اعوام على تشكيل الحكومة، تبدو الخلافات بين المكونات الثلاثة أعمق وأكثر تعقيدا، إثر المستجدات السياسية والامنية التي طرأت على البلاد، وكانت دعوة الحكيم الى الاستعداد لاختيار بديل عنه لرئاسة التحالف الوطني مؤشرا الى صعوبة العمل ضمن مؤسسة غير متجانسة.
ويقول النائب عن ائتلاف دولة القانون عباس البياتي، "فوجئنا بإعلان الحكيم، الوقت ما زال مبكرا للحديث عن اختيار بديل، والغريب ان هذه القضية لم تناقش داخل الاجتماعات الدورية بين اعضاء الكتلة، ربما التناقض بين نواب التحالف حول قضايا نوقشت مؤخرا في البرلمان وراء السبب".
بعد عامين من الخلافات بين الاحزاب الشيعية حول من يتولى رئاسة التحالف، تم التوصل الى اتفاق في ايلول عام 2016 يقضي باختيار الحكيم رئيسا للتحالف لعام واحد على ان يترأس التحالف لاحقا مرشح من فريق المالكي، وقبل خمسة اشهر من انتهاء المهلة جاء إعلان الحكيم مبكرا.
داعش وتوسيع الخلافات
برغم محاولات الحكيم خلال الشهور الستة الماضية على اخفاء الصعوبات التي تواجه التحالف الوطني من اجل ضمان وحدته، الا ان اجتماعات التحالف غالبا ما تواجه مشكلات عدة بينها مقاطعة بعض النواب مثل التيار الصدري الذي اعلن انسحابه، وعدم الالتزام بقرارات التحالف.
اختيار بديل عن الحكيم مهمة ليست بالسهلة وربما تستغرق أشهراً طويلة، وبينما اعلن ائتلاف دولة القانون ترشيح المالكي ليكون رئيسا للتحالف، يرفض التيار الصدري ذلك بشدة.
حتى عام 2014 كانت الخلافات بين مكونات التحالف تقتصر على من يترأس الحكم في البلاد، والصراع كان يدور بين مؤيد ومعارض للمالكي، ولكن الخلافات تطورت كثيرا بعد الحرب على تنظيم داعش، والصراع يدور اليوم حول ملفات سياسية وامنية عدة.
وأولى هذه الخلافات تتعلق بقوات الحشد الشعبي، وبرغم انها تابعة قانونيا للحكومة الا انها ليست خليطا متجانسا، فالتيار الصدري يدعم فكرة رئيس الوزراء حيدر العبادي في حل هذه القوات بعد هزيمة داعش ويؤيدهما في ذلك المرجع الأعلى علي السيستاني.
معادلة الحشد الشعبي
ولكن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي يسعى للإبقاء على قوات الحشد الشعبي باعتبارها قوة امنية الى جانب الجيش والشرطة، ويؤيد ذلك منظمة بدر، وعصائب اهل الحق، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء.
أما ائتلاف المواطن فما زال موقفه متأرجحا بين الموقفين، وهو يؤيد بقاء الفصائل الشيعية قوة امنية تابعة الى الحكومة، وفي الوقت نفسه فإن الفصائل التابعة له مثل، سرايا عاشوراء، وسرايا الجهاد والبناء، وسرايا انصار العقيدة، لديها علاقات وثيقة مع الفصائل المؤيدة لإبقاء قوات الحشد.
وبينما ترفض الفصائل الشيعية التابعة الى الحكيم ومقتدى الصدر المشاركة في الصراع السوري، فإن فصائل أخرى تعتبر العراق وسوريا جبهة واحدة، ولا ترى إشكالا في مشاركة مقاتليها في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا.
الأغلبية السياسية
نقطة الخلاف الاخرى، تتعلق بطريقة الحكم في العراق مستقبلا، يروج ائتلاف دولة القانون ورئيسه المالكي بقوة منذ الآن الى مبدأ الاغلبية السياسية في الانتخابات المقبلة عبر توحيد القوى الشيعية، ويسعى لاستثمار شعبيته والتحالف مع بعض الفصائل الشيعية المسلحة لتحقيق ذلك.
ولكن التيار الصدري يرفض تشكيل حكومة غالبية داخل التحالف الوطني، وفي الآونة الاخيرة بدأ يتقرب من القوى المدنية والليبرالية مبتعدا عن الاحزاب الشيعية التقليدية، وانضم مقتدى الصدر الى التظاهرات الشعبية التي ينظمها التيار المدني في البلاد، وبسبب شعبية الصدر الواسعة ازداد زخم التظاهرات أكبر من اي وقت مضى، كما انه يجري محادثات للتحالف مع السياسي العلماني اياد علاوي.
أما الحكيم في هذه القضية فيبدو متأرجحا ايضا، واعلن قبل ايام عن رؤية جديدة للحكم مستقبلا اطلق عليها اسم "الاغلبية الوطنية" التي تعتمد على كتل سياسية ليست مذهبية، وهي فكرة صعبة التحقق في الوقت الراهن بسبب الانقسامات الحادة داخل الاحزاب الشيعية والسنية والكردية.
بلا شك ان الانتخابات التشريعية المقبلة مطلع العام المقبل ستكون حساسة ومصيرية، وتمثل اختبارا مهما لمستقبل العراق لمرحلة ما بعد تنظيم داعش، كما انها ستشهد خلافات هي الاعمق داخل التحالف الوطني الذي حكم البلاد على مدى عقد من الزمن، فهل سيصمد هذا التحالف في الانتخابات المقبلة؟.