اخبار العراق الان

تكتيكات ما بعد انهيار «دولة الخلافة»: داعش يعود إلى ديالى مع تحالفات جديدة

تكتيكات ما بعد انهيار «دولة الخلافة»: داعش يعود إلى ديالى مع تحالفات جديدة
تكتيكات ما بعد انهيار «دولة الخلافة»: داعش يعود إلى ديالى مع تحالفات جديدة

2017-04-27 00:00:00 - المصدر: نقاش


 السبت الماضي بدأت قوات مشتركة من الجيش و"الحشد الشعبي" عملية عسكرية هي الأكبر في محافظة ديالى منذ طرد المتطرفين قبل عامين، والغرض ملاحقة خلايا "داعش" كما يقول مازن التميمي وهو قائد ميداني في قوات "الحشد الشعبي".

 

التميمي قال لـ "نقاش" إن "العملية تقوم بها قوات من الجيش تابعة لقيادة عمليات دجلة واللواء (24) لقوات الحشد، والهدف مناطق الوادي وثلاب وامام ويس ونفط خانة الواقعة شمال شرق بعقوبة بحثا عن إرهابيين تسللوا الى المدينة مؤخرا وتمكنوا من إنشاء مضافات لإيواء الإرهابيين".

 

نهاية الشهر الماضي ظهر عناصر من تنظيم "داعش" في شريط  فيديو من ديالى، وأعلنوا تشكيل "كتيبة الفارسي" لمحاربة ايران، وطالبوا الشعب الايراني بالانتفاض ضد نظام ولاية الفقيه، قام أفرادها لاحقا خلال الفيديو باطلاق الرصاص على صورة تعود الى سياسيين ورجال دين إيرانيين.

 

الغريب ان التنظيم اختار ديالى لإعلانه الجديد وبدا مقاتلوه في وضع مريح لتسجيل شريط فيديو في مدينة كان من المفترض ان تكون خالية من المتطرفين، اذ ان قوات الأمن العراقية أعلنت مطلع عام 2015 القضاء على "داعش" وفرض الأمن في المدينة.

 

شكك البعض في مقطع الفيديو واتهموا إيران بتمثيله، ولكن الواقع الأمني في ديالى يشير الى تصاعد المخاطر الارهابية ضد قوات الأمن العراقية هناك، بالتزامن مع ردود فعل من قبل مجموعات مسلحة تسيطر على الملف الامني نفذت عمليات قتل واختطاف، في مؤشر الى هشاشة السلم الاجتماعي في المدينة التي كانت ملاذ التنظيمات المتطرفة طيلة السنوات العشر الماضية.

 

عودة "داعش" هذه المرة جاءت بعد إبرامه تحالفا جديدا مع مقاتلي التنظيمات المسلحة القديمة التي اعلن الانقلاب عليها في أوج قوته قبل ثلاثة أعوام، بينها تنظيم "القاعدة" وتشكيلات جهادية عراقية متطرفة، وفقا لضابط في استخبارات وزارة الداخلية العراقية.

 

يقول الضابط الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه لعدم تخويله بالتصريح، لـ"نقاش" ان "معلومات مؤكدة تشير الى عودة خلايا من المقاتلين العرب والأجانب بعد هروبهم من الموصل، ومهمة هؤلاء إيجاد أرضية لعودتهم إلى ديالى".

 

ويضيف "عندما طردت قوات الامن العراقية داعش من المدينة كنا نعلم أنهم سيعودون، قبل ثلاث سنوات كانوا منشغلين في ادارة مدن كاملة في صلاح الدين والانبار والموصل، الآن خسروا الحكم وسيعودون الى الهجمات العشوائية، وديالى بيئة مناسبة لذلك بسبب طبيعتها الريفية الزراعية التي يسهل فيها التخفي".

 

مقاتلو "داعش" العائدين الى ديالى ضموا قادة بارزين، ومهمتهم التفاوض مع بقايا عناصر تنظيم "القاعدة" والتشكيلات المسلحة المحلية من اجل تشكيل تحالف جديد، ويقول الضابط ان "الخلافات كبيرة بين هذه الفصائل بعد اعلان "داعش" "دولة الخلافة" إذ اجبر باقي الفصائل على مبايعته او تسليم أسلحتهم او القتل، ولكن "داعش" الآن بات ضعيفا، ولا نستبعد إبرام تحالف بينهم، فالمقاتلون العرب والاجانب بحاجة الى حلفاء لهم خبرة في جغرافية المدينة".

 

وبالعودة الى الوراء، كانت ديالى اول عاصمة للتنظيمات الجهادية في العراق، ففي عام 2004 تأسس اول تشكيل متطرف في العراق بعد الغزو الأميركي، وأعلن القيادي في تنظيم "القاعدة" انذاك ابو مصعب الزرقاوي تشكيل فصيل "التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين" الجناح المحلي لتنظيم "القاعدة" العالمي.

 

اتخذ الزرقاوي من ديالى مقرا له، وتحولت بلداتها الزراعية الكثيفة الى محطة استراحة المقاتلين العرب والأجانب القادمين من الخارج، وفيها يجري تدريبهم وتأهيلهم لشن هجمات على المدن العراقية الاخرى، حتى تمكنت غارة جوية أميركية من قتله في مقر إقامته في بلدة هبهب التابعة الى مدينة الخالص في ديالى.

 

ويكمن خطر "داعش" الجديد عبر سلسلة قرى زراعية كثيفة تمتد من منطقة جغرافية تعرف باسم "سنسل" شمال بلدة المقدادية وصولا الى ضواحي بلدة الخالص على نحو هلال يحيط مدينة بعقوبة مركز المحافظة ومقار الحكومة المحلية والدوائر الحكومية التي هيمنت عليها الأحزاب الشيعية، بعدما كانت القوى السنية هي الحاكمة قبل 2014.

 

ومن هذه المناطق يهاجم مسلحون متطرفون قوات الجيش و"الحشد الشعبي" المرابطين عند نقاط تفتيش في قرى زراعية كثيفة.

 

هذه المناطق عبارة عن مدن اشباح خالية من السكان منذ عامين بعدما غادرها سكانها السنّة خوفا من "داعش" وايضا من الفصائل الشيعية التي تتهمهم بالتعاون مع المتطرفين، وبعد طرد "داعش" من ديالى قبل عامين لم يسمح لسكانها بالعودة، وهو ما أفسح المجال للمتطرفين بالعودة اليها.

 

حقي الجبوري عضو مجلس ديالى المحلي يقول لـ "نقاش" إن "هناك خطورة في بقاء عشرات القرى شمال المقدادية خالية من سكانها الذين يقدر عددهم بنحو (1700) عائلة، لان الإرهابيين قد يستغلون ذلك ويبدأون بتشكيل مخابئ لعناصرهم القادمين من المدن المجاورة.. ولهذا يجب إعادة جميع النازحين الى مناطقهم لتحقيق السلم الاجتماعي بين مكونات المحافظة".

 

الازمات التي عصفت بديالى خلال العامين الماضيين خلقت هاجسا امنيا يصعب تبديده، وأوجدت كسرا في السلم المجتمعي بين السكان، تتهم العشائر الشيعية نظيرتها السنية بالتعاون مع الإرهاب، وفي اعقاب كل حادث ارهابي يتبعه رد فعل عبر عمليات قتل، وتحفل المحافظة بالعديد من هكذا إحداث، وأبرزها ما يعرف بمجزرة "مصعب بن عمير".

 

عودة الهواجس الطائفية

قبل أيام قليلة هاجم مسلحون مجهولون نقطة تفتيش لقوات "الحشد الشعبي" عند ضواحي بلدة الوجيهية الواقعة على الطريق بين بعقوبة ذات الغالبية الشيعية والمقدادية ذات الغالبية السنية، لم يصب احد في الهجوم، ولكن رد الفعل كان عبر قذائف هاون استهدفت القرى المجاورة التي فر اليها المسلحين نحو المقدادية.

 

ويبدو ان استراتيجية "داعش" الجديدة في ديالى هي اشعال الطائفية لادراكه ان السلم المجتمعي بين السكان هش ومعرض للانفجار.

 

يقول الملازم في شرطة ديالى باسم العزاوي في اتصال هاتفي مع "نقاش" ان "داعش لم يعد يمتلك ترسانة عسكرية لشن هجمات كبيرة، ولهذا بدأ يحرك الوتر الطائفي لجعل عشائر المدينة تتقاتل فيما بينها".

 

كما ان النائب عن محافظة ديالى رعد الدهلكي عضو كتلة "اتحاد القوى الوطنية" (السنية) اعلن قبل اسبوعين عن عودة عمليات التهجير والخطف والجثث المقتولة الى بلدات المقدادية وبلدروز وبعقوبة وكصيبة في ديالى.

 

التطورات الخطيرة كان لها صدى واسع في بغداد المجاورة، اذ ان اجتماعا لمجلس الامن الوطني الذي يتألف من رئيس الحكومة حيدر العبادي ووزراء الداخلية والدفاع والامن الوطني خصص قضية ديالى ضمن جدول اعماله الى جانب معركة الموصل.

 

وأوضح بيان رسمي صدر عن الحكومة بعد الاجتماع المعقود في العاشر من الشهر الماضي ان "المجلس ناقش تقريرا مفصلا عن الاوضاع الامنية في ديالى، وتم اتخاذ عدد من الاجراءات التي تساهم باستقرار الاوضاع في المدينة".

 

عودة المتطرفين الى المناطق التي حررتها قوات الامن العراقية خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة، يشكّل اختبارا صعبا للحكومة العراقية في مرحلة بعد "داعش"، ويتمثل التحدي الجديد بضرورة مسايرة تكتيكات "داعش" الجديدة، واذا خسر المتطرفون ترسانتهم العسكرية لخوض معارك مكشوفة مع الجيش، فأن إستراتيجيتهم المقبلة ستكون مختلفة، وعلى الحكومة الاستعداد لها والحفاظ على الانتصارات العسكرية.