بارزاني من منظور أمني (3)
الحلقة الثالثة / الرقابة الامنية على بارزاني
ان روح الاستقلال التي تميز بها أسرة شيوخ بارزان منذ بداية ظهورهم , والذي تمثل بعدم تحبيذها للسلطات الحاكمة , و رفض هداياها , و امتناعها عن تملك واستملاك الارضي والعقارات , كما كان شائعاً بين الأسر الكبيرة , أو ذات الوجاهة الإجتماعية , هذة الصفات عززت النفوذ السياسي والاجتماعي لها منذ سنة ١٨٢٥ , وعلى يد الشيخ تاج الدين , و ازداد في عهد إبنه الشيخ عبدالسلام , وحفيده الشيخ محمد والد مصطفى بارزاني , ففي عهد الشيخ محمد تمتعت المنطقة بنوع من الاستقلال , وأخذ سكانها يأتمرون بأوامره دون أوامر الدولة العثمانية .
كانت الدولة العثمانية تخاف من أن تتحول تكية بارزان ومريدوها في المنطقة إلى قوة جديدة تلعب دورا مهما في تاريخ الكورد ، لذا سارعت إلى مراقبتها , و بالإمكان القول إن مراقبة أعمال أسرة شيوخ بارزان وترصدها قد بدأت فعليا منذ أن تولى الشيخ محمد أمور المشيخة , والتكية , وتمثل ذلك باعتفاله سنة ١٨٨٥م , وسجنه , في مدينة الموصل , وعندما تمكن التخلص من سجنه والعودة إلى بارزان ، أبعدته السلطات هذه المرة إلى مدينة بدليس , ولم تطلق سراحه إلا ليموت في بارزان سنة ١٩٠٣م وفي ١٤ آذار من السنة نفسها ولد ابنه مصطفي بارزاني .
في عام ١٩٣٦ تم نقل البارزانين , ومن ضمنهم بارزاني من الناصرية إلى السليمانية , ويقول عثمان حمة نادر الجراح (الشخص الذي عينه مدير شرطة السليمانية جاسوساً , و مراقبا على بارزاني ومقتفياً لأثره , يقول في هذا الصدد :
حين هرب الشيخ محمود سنة ١٩٤١ خلال حركة رشيد عالي الكيلاني من بغداد , اضطرت الحكومة , لأنها كانت تعلم فيها لو هرب بارزاني أيضا من السليمانية , فإن أوضاع كوردستان ستسؤ , ومن الممكن أن تندلع نيران ثورة كوردية , ولهذا فإنها جعلت من عينها على بارزاني , والشيخ أحمد وبارزاني ألف عين (أي شددت الرقابة عليهم).
كنت شرطيا في السليمانية , ولم أكن قد تزوجت . كان أفراد الشرطة جميعهم من الكورد وإن المتزوجين قد حلفوا بطلاقهم , وغير المتزوجين حلفوا بالقران مثل بابه شيخ حسين .... الايخونوا الكورد .
دعاني معاون الشرطة (عه زرا) الذى كان مسيحيا من بادينان وقال : إن مدير الشرطة (علي غالب) الذي كان كورديا من أهل كفري يريدك , ذهبت إليه , قال أنت شرطي , و مخلص , وابن الحكومة يجب أن تكون سريا (أي جاسوساً)على بارزاني , ولي شرط واحد , وهو الا يعرف بارزاني بذلك , وتقدم لنا تقارير عن الأشخاص الذين يزورهم , والذين يزورونه , وأن تراقب بيته إلى الساعة الثانية عشرة ليلا , وكمكافاة على ذلك تمنحك الحكومة خطين , أي كنت سأصبح نائب عريف , وكان راتب الشرطي أنئذ دينارين ونصف دينار فقلت له أنا ابن الحكومة وسأنفذ ما تقوله الحكومة . ولما علم أصدقائي من الشرطة بهذا الأمر عاتبوني , وقالوا إنك كنت قد أقسمت ألاّ تخون , فقلت لهم أنا ابن الحكومة , و هم لم يكونوا يعرفون ما بقلبي . كانت (شمس) زوجة أخ بارزاني مستاجرة في بيتي , كان بارزاني يأتي لزيارة شمس وأطفالها سليم علي , ولكن قبل أن أصبح جاسوسا على بارزاني بفترة , أنتقلت (شمس) من بيتي , وذهبت إلى بيت بارزاني في دار كانت قرب مسجد بابه علي , في محلة سه رجيمه ن , فذهبت إلى بيت بارزاني , وطرقت الباب خرجت(شمس) قلت لها: جئت لرؤية بارزاني ذهبت وقالت له , وكان قد قال ليأت , و هكذا نظرا لأن شمس كانت سابقاً تسكن داري خرج بارزاني من غرفته احتراما لي , وجاء لاستقبالي في ذلك الوقت .... قال لي ماذا تريد قلت : عينت جاسوسا عليك ، رويت له كل شيئ , وقلت إن كنت تصدقنى , فهذا كل شيئ , وإذا لا تصدقني سأعود إلى دائرة الشرطة .... فقال بارزاني كلامك مقبول عندي اعتبرك ولدا (انسانا) نظيفاً , ثم قال : اذهب كل صباح إلى الشيخ أحمد , وأعود , وربما أذهب إلى (اسكندر الصيدلاني) كان المذكور مسيحياً ومن أصدقاء بارزاني القريبين , كما كان الدكتور(نوري عه له كه) صديقه أيضا , وكان مخلصا جداً , وقدم خدمات للكوردستان عضوا في (حزب برايه تي) .
قال بارزاني: راقبني إلى أي بيت ذهبت , إذهب إلى بيت الشيخ لطيف ابن الشيخ محمود , وجونون ضابط الاستخبارات البريطاني , و ذكر بيوت أخرى , لا تكتب تقارير علي , وهكذا كنت أراقبه كل صباح , كنت وقتئذ بينها , وحتى المفوض كان يخاف مني لكوني أصبحت مراقبا , وهكذا حين كان بارزاني يذهب إلى إحدى الدور كنت اقف إلى ان يخرج ويلتفت إلى , ويشير لي أن أتبعه ....
وهكذا كنت اكتب التقارير في تلك الفترة أنه ذهب في الساعة الفلانية عند أخيه الشيخ أحمد , ومكث كذا من الوقت , وفي طريق عودته نزل عند (اسكندر الصيدلاني) , ومكث ساعة , ثم عاد إلى بيته . كان بارزاني يذهب أحيانا لزيارة مدير الشرطة , وقائد الحامية , وكان هو نفسه قد أذن لي أن اكتب تقارير عليه , حول زيارته إلى هذين المكانين . حين كان يذهب إلى بيت الشيخ لطيف , و الشيخ جلال أحمد , لم أكن أكتب عليه التقرير . لم يكن روؤساء العشائر يذهبون إلى بارزاني خوفا من الحكومة ....
لم أكن أقدم تقارير على بارزاني , فأخذ مدير الشرطة يرتاب مني من أنني لا أكتب تقارير نافعة ضد بارزاني . قلت له : إذا كنت تريد ساكتب إليك تقارير كثيرة , غير صحيحة قال أنت تصدق , و لكن الذين يقولون يكذبون .... حين خرجت من الشرطة , فتحت دكاناً كان بارزاني يأتي إلى دكاني , و كان يقول لي : لا أدري كيف أجازيك (اثيبك) .
عين بعدي أحمد مام حسن الذي كان شرطيا , و من أقاربي ليصبح جاسوسا على بارزاني , و ما كانوا يشعون (بقصده بارزاني) لذا أخذته اليهم , و قلت إنه مخلص مثلي , كنت مكلفا بمراقبة ١٣٣ عائلة بارزانية .
يقول (أحمد مام حسن) في عام ١٩٤١ صرت شرطيا في الشعبة الخاصة , و أصبحت جاسوسا على الشيخ سليمان و الشيخ بابو في السليمانية بعد هروب بارزاني , و أبعدت الحكومة بارزانين إلى الجنوب .
و من جانب آخر يلاحظ بأن بارزاني , و على مر السنين استطاع أن يخرق سوار العزلة الذي و ضع فيه في الاتحاد السوفيتي السابق , فاللقاءات مع المواقع الدبلوماسية في موسكو , ولا سيما بعد وفاة ستالين أصبحت أكثر و فرة , بل إن التواصل مع الكورد العراقيين قد أصبح ممكنا أيضا , فقد لاحظ جهاز المخابرات السرية الإيرانية (السافاك) حركة ذهاب و إياب العديد من المراسلات البريدية , هذه كل ما تشير المصادر الايرانية , كانت تنقل إلى بارزاني في منفاه الاختياري في الاتحاد السوفيتي , المعلومات الدقيقة حول أحداث الطرق , و كانت تتصل إلى اتباع بارزاني في العراق تعليماته السياسية .
و من خلال ماذكر أعلاه تبيين بأن الحكومات , و الأنظمة العراقية , و إلاقليمية كانت ترصد , و تراقب نشاطات الأسرة بارزانية , و خاصة شخص بارزاني , و جميع تحركاته سواء في الداخل , أو في الخارج , و هذا ماساعد على تنمية الحس الأمني لدى بارزاني , و قد أثبتت بالدليل القاطع محاولات هذه الحكومات مراقبتها للبارزاني , مما جعل منه قائدا أمنياً بأمتياز.