فصيل عراقي مسلح يبني "إمبراطورية اقتصادية" من الخمور
من مجرد تابع لإيران إلى شرعية سياسية ومخالب مغروسة في كافة الأجهزة الأمنية، كان الصعود السريع لفصائل لم تنس أن تبني لنفسها إمبراطورية اقتصادية، تمثل دعما ماليا "احتياطيا"، تجنبا لتداعيات أزمة مالية خانقة تواجهها طهران.
وبعض هذه الفصائل تكثف نشاطها السياسي في بغداد بالتزامن مع تكثيف نشاطها في "كفاح" من نوع آخر، يختص بحماية دخول المشروبات الكحولية إلى العاصمة، في تجارة مربحة تدر عليها دخلا يقدر بعشرات آلاف الدولارات يوميا.
وفي ظل تراخي أمني، وعدم التقيد بالقانون الذي صدق عليه البرلمان في 22 أكتوبر 2016 بحظر واستيراد وبيع المشروبات الكحولية، توسع نشاط بعض الميليشيات المسلحة لاستغلال الوضع، وتوفير احتياطات مالية ضخمة.
فقد أكد مصدر مطلع على عملية إدخال الخمور إلى العاصمة أن "فصائل مسلحة تدخل زجاجات الخمر إلى بغداد، عبر شاحنات لا تعترضها سلطات الجمارك أو أي رقابة أمنية".
وأوضح لسكاي نيوز عربية أن هذه الشاحنات تسير ضمن أرتال مدججة بالسلاح، وتصاحبها سيارات دفع رباعي تحمل شعارات أحد الفصائل المسلحة.
ومضى المصدر، الذي يرفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، قائلا: "يشرف أعضاء عصائب أهل الحق على إدخال زجاجات الكحول إلى مخزن بمنطقة الكرادة ببغداد، مقابل 12 ألف دولار عن كل شاحنة، بينما لا يتجاوز أجر الشاحنة التي تحمل أي مواد عدا الخمور من إقليم كوردستان إلى بغداد 800 دولارات كحد أقصى".
وظهرت "عصائب أهل الحق" كأحد أبرز اللاعبين في الحياة السياسية بالعراق، عبر عملياتها المسلحة منذ رحيل القوات الأميركية عن البلاد في ديسمبر 2011، وقد نشأت برعاية قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
وبينما ينتهي دور العصائب في تأمين دخول الخمور إلى بغداد، يأتي دور "سيارات الشرطة الاتحادية إلى جانب متاجر الكحوليات، حيث توفر دورياتها الحماية الأمنية لغالبية محال بيع الخمور المنتشرة في بغداد"، بحسب ما قاله ناشط حقوقي.
وأضاف "لأن هذه المحال لا تضع لافتات تدل على هويتها، أصبحت سيارات الدفع الرباعي الأمنية، من طراز شيفروليه سيلفرادو، علامة تدل على وجود متاجر بيع المشروبات الكحولية".
وأوضح المصدر الحقوقي الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية، قائلا: "عادة ما تتخذ محال بيع الخمور من أسفل البنايات المهجورة التي غادر أصحابها بغداد مقرا لها، بعد أن سيطرت عليها عصابات وفصائل مسلحة تابعة لأحزاب سياسية، تتقاسم مناطق بغداد، حسب نفوذ أفرادها".
وكان مسؤولون بالمخابرات العراقية تحدثوا عن تلقي عصائب أهل الحق ما بين 1.5- مليوني دولار شهريا من إيران، لكن يبدو أن الأزمة المالية التي تعصف بايران زادت من اعتماد العصائب على تجارة الخمور.
ومن أجل إفساح المجال أمامها، دون خصوم، عمدت عصائب أهل الحق على اختطاف وقتل كبار تجار الخمور في بغداد، وكان أشهر ضحايا هذه العمليات المروعة رجل الأعمال الذي يعمل في مجال استيراد المشروبات الكحولية، داوود شمو.
ففي نوفمبر 2016، اختطف مسلحون مجهولون، كانوا على متن ثلاث سيارات، شمو الذي يمتلك سلسلة من المناطق الاستثمارية والفنادق، أهمها فندق بغداد، بالإضافة إلى عدد من الأندية الليلية، ومتاجر المشروبات الكحولية.
وبعد أيام من نفس الشهر، أُطلق سراح شمو بعدما تحدثت مصادر عراقية عن دفعه فدية تقدر بـ5 ملايين دولار لعصائب أهل الحق، وإجباره على بيع أحد وجهاته الاستثمارية بمبلغ زهيد لشخصية مشهورة كانت تتولى قيادة أحد الأحزاب.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، تحفظ شمو عن الرد على أي أسئلة تشير إلى تفاصيل اختطافه، قائلا إنه لم يعرف حتى الآن الجهات وراء هذه العملية.
وعند سؤاله عن سيطرة بعض الميليشيات على تجارة المشروبات الكحولية، لم ينف شمو ذلك، ولكنه قال "لا أستطيع أن أوضح أكثر".
وفيما يتعلق بوضع تجارة المشروبات الكحولية في العراق، قال "نتمنى أن تكون أفضل في المستقبل، الظروف الأمنية حاليا ليست جيدة، والقانون لا يطبق".