سكان الموصل: المدينة تحت ضغط الانتقام الامريكي الايراني لهذه الاسباب
على الرغم من إعلان تحريرها بالكامل في يوليو 2017، بعد معارك قوية مع تنظيم "الدولة" الذي سيطر عليها في يونيو 2014، فإن المدينة لم تنل حريتها بعد؛ فبحسب سكانها ومختصين في الشأن السياسي، فإن الموصل (شمالي العراق) تحولت السيطرة عليها من تنظيم "الدولة" إلى المليشيات.
والموصل تعتبر ثانية كبرى مدن العراق بعد العاصمة بغداد، وعُرفت بغالبية سكانية من العرب السُّنة، واشتهرت منذ عقود طويلة بكثرة الضباط الذين يقطنونها، وتعتبر مسقط رأس كبار الضباط في الجيش العراقي.
وبعد غزو العراق عام 2003، كانت من أخطر المحافظات على القوات الأمريكية؛ حيث وجدت فيها مقاومة شرسة من قِبل تنظيمات مسلحة تشكلت بعد حل الجيش العراقي، كان يقودها ضباط متمرسون.
يقول سكان المدينة إن هذا الدور إلى جانب الدور الذي أدته في الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)؛ لكون عدد كبير من قادة هذه الحرب من أبناء هذه المدينة، هما ما جعلاها تحت مرمى نيران الانتقام الأمريكي والإيراني معاً.
فبعد اتفاقية الانسحاب التي وقعتها واشنطن مع بغداد، وعلى أثرها انسحبت القوات الأمريكية من العراق عام 2011، شغلت مليشيات مسلحة -تدعمها إيران- الفراغ الذي خلَّفته هذه القوات في البلاد.
بحسب مختصين، فإن الإهمال والتهميش والتضييق على سكان الموصل، واعتقال أبنائها عشوائياً، بقمع أمني وعسكري لم تتوقف فصوله منذ عام 2003، إلى جانب الاغتيالات التي طالت مختلف الشرائح خاصة ضباط الجيش السابق، وانتشار الفساد والمحسوبية والرشوة، كل ذلك جعل المدينة لُقمة سهلة لتنظيم القاعدة، الذي كان له سطوة قبل سيطرة تنظيم "الدولة".
الناشط الحقوقي قيدار الحيالي اعتبر أن تلك السطوة جاءت بتغاضٍ أمني متعمد؛ بهدف نشر الفوضى في المدينة، لجعلها في نظر العالم حاضنة للإرهاب؛ وهو ما أدى إلى ظهور تنظيم "الدولة" واحتلاله المدينة عام 2014، بعد هزيمة قوة عسكرية كبيرة من الجيش العراقي دون مقاومة، على الرغم من أنها مسلحة بأحدث الأسلحة الأمريكية التي استخدمها التنظيم لاحقاً لبسط نفوذه على نحو ثلث مساحة البلد.
وقال الحيالي للخليج أونلاين إن "الحكومة العراقية أطلقت عمليات عسكرية في أكتوبر 2016، لاستعادتها من أيدي التنظيم، ونجحت في ذلك، لكن بعد حرب طاحنة اعتُمدت فيها سياسة الأرض المحروقة، وتمت هزيمة داعش في 2017".
وأضاف "استعادت الدولة مدينة مدمرة بالكامل، وحلَّت مليشيات الحشد الشعبي (مجموعة من المليشيات المسلحة الشيعية) محل تنظيم الدولة، وسيطرت على مقدرات المدينة، وأصبحت تحت سيطرتها وسطوتها".
وتابع الحيالي "بدلاً من إعادة إعمار المدينة وتعويض أهلها عن عدم قدرة الحكومة على حمايتهم من داعش وتجنيبهم ويلات حرب التحرير، واصلت الحكومة نهجها في تهميش المدينة".
ودليل اتهامه الحكومة، بحسب قوله، "تخصيصات الميزانية لعام 2019، البالغة 130 مليون دولار، وهي لا ترقى إلى مستوى الدمار الذي حلّ بالمدينة، والتي لاتصل إلى ثلث الميزانية المخصصة لهيئة الحشد الشعبي الذي بدأ بناء قواعد عسكرية دائمة له في المحافظات السُّنية التي تحررت من داعش"، في إشارة إلى محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار.
كثير من المؤتمرات والندوات عُقدت حول قضية الموصل داخل العراق وخارجه، تناولت أوضاع المدينة ما قبل تنظيم "الدولة" وبعده، والأسباب التي وصلت بها إلى حافة الانهيار مع توارد أنباء عن احتمال عودة التنظيم من جديد أو شكل آخر من أشكال الفوضى.
في هذا السياق، عقد مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم التركية، مؤخراً، ورشة عمل حول التحديات التي تواجهها الموصل وآفاق المستقبل بعد تنظيم "الدولة"، استضاف فيها عدداً من الباحثين والسياسيين العراقيين والأتراك والأمريكان.
المجتمعون ناقشوا تاريخ المدينة وأسباب تدهور أوضاعها الأمنية، والظروف الإقليمية التي جعلتها تحت مرمى النيران، وظهور تنظيم "الدولة"، وآفاق الحل الذي يمكن أن يخرجها من عنق الزجاجة.
وعلى هامش المؤتمر طرح محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، فكرة تدويل قضية المدينة، لتخليصها من هيمنة المليشيات التي تدعمها إيران، ومن براثن الصراع الداخلي والإقليمي الذي يحيط بها.
وقال النجيفي إن "صراع المصالح الإقليمي أخل بالسلم الاجتماعي في المدينة، وجعل بعض مكوناتها في مواجهة البعض الآخر لمصلحة أجندات الآخرين".
وأضاف "الصراع الأمريكي - الإيراني محتدم، وأذرعه كبدت المدينة وأهلها ثمناً غالياً، وكل المؤشرات عندنا تؤكد أننا كجهات سياسية ومجتمع مدني غير قادرين على مواجهة نفوذ واشنطن وطهران معاً، لذلك نحن بحاجة إلى إشراك المجتمع الدولي من خلال تدويل القضية، لفرض الرؤية العراقية التي يتبناها أبناء المدينة ولا يؤخذ بها".
النجيفي أعرب عن اعتقاده أن "التدويل أحد الحلول المهمة التي يجب البحث فيها، لمساعدتنا كعراقيين على مواجهة النفوذين الأمريكي والإيراني، وفرض الرؤية العراقية التي يمكن أن تتبلور من خلال حوار سياسي ومجتمعي برعاية دولية".
رشاد هرمزلو، المستشار السابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اختلف مع النجيفي بخصوص التدويل، وفقاً لما أوضحه في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، حيث يرى أن "التدخل الدولي أو الإقليمي يجب أن يرفضه العراقيون".
وشدد بالقول على أن "طريق الخلاص يكمن في أن يُطبخ القرار بالمطبخ العراقي، ولابد من وصول الفعاليات السياسية والاجتماعية إلى صيغة تعايش تضمن بناء الثقة والتأسيس لمرحلة تعايش جديدة".
وتابع "عندما كنت في رئاسة الجمهورية التركية ويسألني الناس عن حلّ مسألة العراق، كنت أقول لهم: إن البلد بحاجة إلى سياسي مثل الألماني هيرمان أديناو، الذي استطاع أن يوحد الألمان ويقودهم لتكون بلادهم من أغنى الدول وأقواها".
هرمزلو يرى أن "المكونات العراقية من عرب وتركمان وكورد تحتاج الوصول إلى قناعة بأن الحلّ في تعايش بعضها مع بعض، وليس في التدخلات الإقليمية والدولية التي لا تراعي إلا مصالحها على حساب البلاد الأخرى".
عثمان علي، باحث عراقي يعمل في معهد الشرق الأوسط بجامعة سقاريا التركية، رأى من جهته أن مسألة جلوس العراقيين بعضهم مع بعض لاتخاذ قرارهم قد فات أوانها.
وقال عليّ إن "نظرة فاحصة لمخرجات الانتخابات الأخيرة على سبيل المثال، تشير إلى أن انتخاب الرئيس العراقي تم بتدخل مباشر من الولايات المتحدة وإيران، وبسبب هذا التدخل لم يتمكن رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، إلى الآن من إتمام تشكيل حكومته، وهذا يؤكد أن مصير البلاد خارج يد العراقيين".
وأضاف "أنا أعتقد أن على مجلس الأمن والأمم المتحدة أن يتدخلا، لإخراج مدينة الموصل من المأزق الذي تعيشه؛ فالمدينة تشكل أهمية استراتيجية لأمن العراق والمنطقة، بسبب ارتباطها بتركيا من ناحية وسوريا من ناحية أخرى، ولكون الطريق البري الذي يصل إيران بالأراضي السورية يمر بالمدينة".
الباحث العراقي حذر من أن "عدم تدخل المجتمع الدولي لإنقاذ الموصل سيصب في مصلحة إيران، التي تدعم المليشيات التي سيطرت على المدينة وأضعفت العرب السُّنة، المكون الرئيس للمحافظة".
يشار إلى أن تنظيم "الدولة" ما يزال يشكل تهديداً جدياً لمدينة الموصل، حيث ذكرت تقارير نشرتها صحف محلية، أن هناك عشرات المسلحين ينتشرون في قرى على أطراف المدينة، ويناشد الأهالي والمسؤولون المحليون الدولة اتخاذ خطوات جدية تجنبهم تكرار سيناريو سيطرة التنظيم عام 2014، لا سيما بعد محاصرة التنظيم في سوريا وانتقال عدد من مقاتليه إلى العراق.