اخبار العراق الان

عاجل

الابواب المغلقة

الابواب المغلقة
الابواب المغلقة

2019-06-12 00:00:00 - المصدر: وكالة الصحافة المستقلة


المستقلة – القاهرة – بقلم دكتور محمد سعيد

التحق الشاب متحمساً للعمل في ورشة لقطع الأخشاب، ليقضيفيها أحلى سني عمره.. فقد كان شاباً قوياً ماهراً في صناعة الأخشاب، وحين بلغ الأربعين حيث كان في كامل قوته وعلو شأنهفي تلك الورشة التي عمل بها لسنوات طويلة؛ فوجئ برئيسه فيالعمل يبلغه أنه مطرود وعليه أن يغادر الورشة نهائياً وبلا عودة.. خرج الشاب إلى الشارع بلا هدف، وبلا أمل، وتتابعت في ذهنه صور الجهد الذي بذله على مدى سنوات عمره، فأحس بقهر وأسف شديدين وأصابه الإحباط واليأس العميق، وكأن الأرض قد ابتلعته في أعماق مظلمة من الضيق والاكتئاب.. لقد أُغلق في وجهه باب الرزق الوحيد الذي يملكه، وكانت قمة الإحباط لديه أنه لا يملكمصدراً آخر للرزق غير تلك الورشة.. ذهب متثاقلاً لبيته وأبلغ زوجته بالأمر، فقالت له: ماذا سنفعل!؟ فقال: سأرهن البيت الصغير الذي نعيش فيه، وسأعمل في حرفة البناء. وما لبث أن بدأ مشروعه الأول في بناء منزلين صغيرين بذل فيهما جهده، ثم توالت المشاريع وأصبح متخصصاً في بناء البيوت الصغيرة، ثم تطورت حرفته حتى صار مشهوراً ليبني سلسلة فنادق هولداي إن” العالمية، إنه رجل الأعمال المعروف والاس جونسون.

كتب يوماً في مذكراته: لو علمت أين يقيم رئيسي الذي طردني من عملي لذهبت إليه أشكره على ما فعل بي؛ فقد قدَّم لي معروفاً كبيراً، فعندما أغلق في وجهي باباً؛ فُتِّحت لي أبواب أوسع وأكثر..

إن تغيرات الدهر مهما بدت لنا مؤلمة تحبط النفس وتجلب القلق وتوتر الأعصاب؛ إلا أنها تغيرات تخرج عن نطاق القدرة والإرادة، وقديقرع الإنسان سن اليأس على ما أصابه من تقلبات القدر التي لا دخل له فيها. وإذا بنفسه وقد  فرغت من اليقين؛ تُعد تصاريف الدهر كأنها أمواج تتدافع مداً وجزراً يغرق فيها المرء أو يحيا بفؤاد هواء تلعب به الأحداث وتعبث به الظنون.

ومن المعلوم أن الإنسان يتخوف فقدان ما أَلِف، أو وقوع ما يفدح حمله، وكلا الأمرين بعد حدوثه يستقبله الواثق بيقين الله دون عناء جسيم، ولاسيما أن الإنسان قد يدهش إذا عرف أن تقلبات الدهر كانت إيقاظاً للإيمان الغافي في نفسه، ووخزاً لمهاراته وأفكاره وإبداعاته ليسخرها فيما يصلح أحواله ليُحيي الأمل والإرادة المخدرة، ويستنهض العزيمة الساكنة بين جنبات نفسه؛ فإذا بحياته قد تطورت وارتقت وصارت أكثر نضوجاً وثراءً. إن التسليم بأنّ ما قُدّر يكون يحرر الإنسان من القيود النفسية السلبية، كما أن الرضا المطمئن بالقدر يقود إلى بناء آمال جديدة، واستئناف حياة أكثر رجاء وأحفل بالعمل والإقدام.

الابواب المغلقة