أنباء عن دفع قوى قريبة من إيران في اتجاه إعادة عبد المهدي إلى رئاسة الوزراء
يعود الحديث في الأوساط السياسية العراقية عن دعم أطراف سياسية لإعادة تكليف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة العتيدة، أو استمراره بحكومة تصريف الأعمال إلى حين موعد الانتخابات المبكرة، فيما يواجَه هذا الطرح برفض كبير من بعض القوى السياسية، فضلاً عن رفض المحتجين الواضح لهذا الأمر.
وتفيد تسريبات بأن بعض القوى داخل كتلة "البناء" تسعى إلى إعادة تكليف عبد المهدي بالمنصب أو الإبقاء عليه كرئيس حكومة تصريف أعمال حتى الانتخابات المبكرة.
وساطات ورفض
في غضون ذلك، نقل موقع "السومرية نيوز" عن مصدر سياسي قوله، إن "الهدف من زيارة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني هو طرح إمكانية إبقاء رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي إلى حين إجراء انتخابات مبكرة".
وأشار المصدر إلى أن "بعض القيادات السياسية رفضت هذا الاقتراح من بينهم رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس الجمهورية برهم صالح". ولعل أبرز ما يعرقل تلك المساعي هو رفض المحتجين العراقيين الذين يحمّلون عبد المهدي المسؤولية الأكبر في قمع حركة الاحتجاج، فضلاً عن رفض مرجعية علي السيستاني لهذا الأمر.
في الإطار السياسي، فإن أبرز الكتل السياسية الرافضة هذا السيناريو هي تحالف "سائرون"، حيث يشترك التيار الصدري في الاحتجاجات، فضلاً عن تحالف "النصر" وكتلة "الحكمة" وائتلاف "الوطنية" وبعض القوى الأخرى.
توافقات محتملة
في السياق ذاته، تفيد تسريبات بأن اجتماعات تجري منذ ثلاثة أيام بين الكتل الشيعية لحسم ملف رئاسة الوزراء، فيما تشير تلك التسريبات إلى أن أبرز الأسماء التي تم طرحها هي رئيس جهاز الاستخبارات العراقي مصطفى الكاظمي والوزير السابق علي الشكري.
ويبدو أن الاعتراضات على الكاظمي من قبل التيارات القريبة من إيران بدأت تتبدد تحديداً بعد لقائه شمخاني. ولعل ما يرجح التوافق على الكاظمي بين الكتل السياسية، هو أن بعض الأطراف ترى أنه قادر على أن يكون عنصر تسوية بين إيران والولايات المتحدة، والعودة إلى مرحلة التوافق بين الطرفين بشأن بالعراق.
أما ما يعقد موقف الشكري فهو رفض زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر له، حيث كان ضمن التيار الصدري في السابق لكنه غادره في السنوات الأخيرة.
"الكتلة الأكبر" وعودة عبد المهدي
في السياق ذاته، قال النائب عن كتلة "البناء" خالد الأسدي، إن "هناك حواراً قائماً بين القوى السياسية في ما يتعلق بقضية تشكيل الحكومة وتكليف شخص جديد لمنصب رئيس الوزراء"، مبيناً أن "هناك فعلاً مَن يطرح فكرة التمديد لعبد المهدي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقات". وأوضح الأسدي أن "مَن يطرح فكرة التمديد أو تجديد الثقة بعبد المهدي يطرح مبررات الواقع ذاتها بغض النظر عن قبول تلك المبررات أو رفضها"، لافتاً إلى أن "التوجه العام هو لتكليف شخص جديد".
وأشار إلى وجود "شخصيات مطروحة تخضع للنقاش والبحث، ونأمل بأن يُحسم الحوار خلال هذا الأسبوع حتى يستطيع رئيس الجمهورية المضي بإجراءات التكليف ضمن السياقات الدستورية المتعلقة بالكتلة الأكبر"، مردفاً "نرى أن كتلة البناء هي الكتلة الأكبر".
"الفتح" ينفي
في المقابل، نفى النائب عن تحالف "الفتح" حنين قدو "التقارير الإعلامية التي تحدثت عن وجود تحالف سياسي جديد شيعي – سني – كردي يهدف إلى إعادة عادل عبد المهدي إلى السلطة"، قائلا إنه "لا يوجد تحالف كهذا، والعمل مستمر لإيجاد رئيس وزراء جديد". وأضاف أن "هناك ثلاثة أمور تمنع عودة عبد المهدي إلى السلطة من جديد، وهي الدستور العراقي الذي يدعم التداول السلمي للسلطة، وهو لا يسمح بعودة رئيس وزراء قدم استقالته إلى الحكم، كما أن هناك رفضاً شعبياً لوجوده بالسلطة".
واقع قد يرضي الجميع
من جانبه، قال السياسي المستقل إبراهيم الصميدعي، إن "الجميع خائف من إعادة عبد المهدي إلى المنصب، لكنهم يعتقدون أن بقاءه بات أمراً ممكناً، في ما لو لم تفضِ الحوارات السياسية إلى بديل". وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن "كل الشخصيات القادرة على تولي المنصب والتي تمتلك خبرة إدارية وسياسية في التعامل مع الأزمة السياسية والإقليمية والدولية، بدت تتردد عن الترشح بسبب الأزمة المالية الحالية والانخفاض الكبير في أسعار النفط".
وأشار الصميدعي إلى أن "المتدافعين على المنصب لا يتمتعون بالخبرة السياسية أو الحكمة، بحيث يقدمون على انتحار كهذا". ولفت إلى أنه "بما أن عبد المهدي حدد موعد انتخابات وطالب بإنجاز القوانين المرتبطة بها، قد يكون بقاؤه كرئيس وزراء تصريف أعمال مع بقاء الخرق الدستوري واقع حال تقبل به أغلب القوى السياسية".
وكان عبد المهدي أعلن في 2 مارس (آذار) الحالي، أنه سيلجأ إلى ما سماه "الغياب الطوعي" عن حضور جلسات الحكومة بعد انتهاء المدة الدستورية لها، فيما اقترح يوم 4 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، موعداً للانتخابات المبكرة. ودعا البرلمان إلى عقد جلسة استثنائية لإتمام قانون الانتخابات واحتساب الدوائر الانتخابية وقانون مفوضية الانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فصائل مسلحة داعمة
في السياق، قال الصحافي العراقي مصطفى ناصر إن "الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء تحالف الفتح هي التي ترغب في إعادة تكليف عبد المهدي".
وأوضح أن "عقبات كبيرة تقف أمام هذا المشروع ابتداءً من بيان عبد المهدي الأخير، الذي يبيّن فيه أنه غير راغب بالاستمرار، فضلاً عن قرب انتهاء المهلة الدستورية واسمه ليس ضمن الأسماء المطروحة للتداول".
وأشار إلى أن "عبد المهدي مطروح إعلامياً فقط على أمل إغلاق الطريق أمام إمرار شخصية ثانية، لإبقاء الوضع على ما هو عليه". وأضاف أن "هذه فترة ذهبية بالنسبة إلى بعض الجهات السياسية، لأن عبد المهدي فتح لها مساحات نفوذ كانت تحلم بها في مفاصل الدولة والوزارات والأجهزة الأمنية". وزاد أن "ما يجعل عودة عبد المهدي مستحيلة هي الاعتراضات الدولية والمحلية الكبيرة".
ورجّح ناصر أن تكون تلك القوى "تسعى إلى عرقلة إمرار أي شخصية للإبقاء على عبد المهدي لأطول فترة"، مبيناً أن "الإرادة الإيرانية باتت تدفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة لأنها تعتقد أن استمرار الفوضى يجعلها تخسر الكثير من نفوذها في العراق مقابل الوجود الأميركي، فضلاً عن أن حكومة تصريف الأعمال لا يمكن لها أن تقوم بمفاوضات بما بتعلق بإخراج القوات الأجنبية".
ورقة محروقة
في المقابل، قال الصحافي حيدر البدري، إن "معظم القوى السياسية أكدت رفضها لعودة عبد المهدي إلى المنصب مرةً أخرى"، مضيفاً أنه "ربما هناك حراك كردي يتبنى مثل هذا الخيار". وأوضح أن "عبد المهدي بات ورقة محترقة، من الصعب تبنيه من قبل القوى الشيعية، وقد يؤدي تبنيه مرة أخرى إلى سقطة جديدة لتلك القوى".
ورجّح البدري أن تكون هناك "خيارات شيعية جديدة أقرب إلى الانفتاح والليبرالية، وليست من الزعامات التقليدية"، مبيناً أن "هذا قد يصطدم بالتخوف من صناعة زعامات جديدة على الساحة السياسية تأكل من جرف القوى الرئيسية". وتابع أن "عبد المهدي مجرد من الصلاحيات باعتباره قدم استقالته، لكن إذا وجدت هذه القوى إخراجاً قانونياً للإبقاء عليه فهذا هو أفضل حال بالنسبة إليها".
تهديد للأمن القومي الإيراني
أما الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، فرأى أن "هناك محاولات من قبل القوى القريبة من إيران لإعادة تكليف عبد المهدي في منصب رئيس الوزراء لكنها ستفشل". وأضاف أن "قدوم علي شمخاني إلى العراق يهدف للإبقاء على عبد المهدي وتذليل العقبات أمامه"، مبيناً أن "إيران تعتبر وصول شخصية مستقلة لمنصب رئيس الوزراء تهديداً لأمنها القومي".
ورجّح أن "تستسلم القوى السياسية القريبة من إيران لخيارات أخرى نظراً لانهيار وحدة موقفهم". وتابع أن "تلك القوى تنفي نيتها إعادة رئيس الوزراء المستقيل، لأنها تدرك حقيقة الرفض الكبير لهذا المشروع على مستوى مرجعية النجف والشارع العراقي، لكنها باطناً تدعم خيار عودة عبد المهدي أو استمراره كرئيس وزراء تصريف أعمال".