الأزمة السورية من وجهة نظر أمريكية
كتب / فهد الجبوري
نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يوم ١١/ مارس ٢٠٢١ مقالة تضمنت تحليل و وجهات نظر اثنين من الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين ، أحدهما السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد والذي شغل منصبه بين عامي ٢٠١١ و ٢٠١٤ ، وهو الآن زميل أقدم في معهد الشرق الأوسط ، والسفير السابق في العراق جيمس جيفري ، والذي تولى أيضا الملف السوري في الإدارة الأمريكية السابقة ، وهو الآن زميل متميز في زمالة ” فيليب سولونتز” في معهد واشنطن .
- روبرت فورد :
ارتكبت ادارة أوباما خطأين أساسيين في بداية الأزمة السورية ، الأول هو أننا لم نفهم بين عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٣ أن ما يحصل هو حرب فعلية ، فقد قلنا ، وكنا على قناعة تامة أنه لن يكون هناك حل عسكري للأزمة ، إلا أن الميزان العسكري لطالما كان القضية الأساسية . كنا نتجاهل ما كان الأسد يحاول تحقيقه : النصر بالنسبة له هو البقاء في السلطة . لقد أخطأت الإدارة الأمريكية خطأ فادحا و أثر ذلك على سياستها بشتى الطرق .
ثانيا ؛ إعتمدنا كثيرا على الروس بين عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٤ ، فقد إعتقدنا أنهم قادرون على تقديم حلول وسط سياسية مهمة من حكومة الأسد ، ولم ندرك أنهم لم يكونوا مهتمين بالقيام بذلك ، ولقد كان الاعتماد على روسيا متجذرا في الأمل وليس في التحليل .
وقد افترضنا ايضا أننا اذا مارسنا ضغطا كافيا على نظام الأسد ، فأنه سيضطر الى التفاوض ، ومع ذلك فقد تراجع العديد من المحللين عن هذه الفكرة ، وعند استعادة الأحداث الماضية ، ليس من الواضح أن الضغوطات الاقتصادية كانت ستجبره على التفاوض .
واليوم تطور الوضع العسكري الى درجة أصبح الرجوع الى الوراء يتطلب استثمارات ضخمة ، وليس هناك إقبال على القيام بذلك. فالعقوبات لن تجدي نفعا أيضا .
من الضروري أن تتوقف الولايات المتحدة وتفكر في ماهية المصالح الأساسية لأمنها القومي . إن احتواء تنظيم ” الدولة الإسلامية “هو مصلحة أساسية ، ولدى أمريكا أيضا مصلحة أخلاقية وربما أمنية قومية في مساعدة اللاجئين . لكن ضاعت الفرص التي كانت لواشنطن في الفترة ٢٠١٣-٢٠١٤، وبدلا من الضغط من أجل الحصول على تنازلات غير منطقية من نظام الأسد ، سيكون التركيز على المصالح الأساسية استراتيجية منطقية .
- جيمس جيفري :
من وجهة نظر تاريخية ، شكلت سوريا صراعا انتقاليا ، فقد انتقلت الأزمات من تلك الاعتيادية التي شهدناها بعد العام ١٩٨٩ ( على سبيل المثال التدخل في البوسنة ) الى المواجهات المدولة مثل تلك التي نشهدها اليوم في إقليم ناغورنو كاراباخ ومضيق تايوان . وأصبحت سوريا في حالة صراع على مستوى الدولة ، والتي تضع القضايا الأمنية في الشرق الأوسط على المحك . ولم تتمكن أي من الإدارتين الأمريكيتين من فهم هذه المشكلة – بحيث عجزتا عن التصور ولم يقتصر فشلهما على السياسة فقط .
ومن بين الأخطاء ذات الصلة كان ميل الولايات المتحدة الى النظر في كل واحدة من تداعيات الصراع المروعة بمعزل عن غيرها ، فقد تم التعامل مع أزمة اللاجئين ، و موجة الهجمات الإرهابية في أوروبا ، ومخاوف تركيا من قيام دويلة ” لحزب العمال الكردستاني ” والعديد من القضايا الأخرى على أنها مشاكل أصغر حجما ولابد من معالجتها بشكل فردي من قبل أطراف مختلفة من البيروقراطية الأمريكية . وقد تغير ذلك في أيلول ٢٠١٨ حين انتهك الأسد الاتفاق الخامس لوقف إطلاق النار ، وهذه المرة في الشمال ، وكانت تلك هي لحظة حاسمة لأن واشنطن أدركت أخيرا أن المشاكل الصغيرة حجما هي نتاج المشكلة الأساسية نفسها ، وهي الضغط الذي يفعله الأسد لتحقيق نصر عسكري حاسم ، والذي كان على وشك تحقيقه في ذلك الوقت .
واتخذت ادارة ترامب موقفا بعدم السماح للأسد بالمضي قدما في هذا الهدف . اتفقنا على استجابة منخفضة المخاطر ، مثل المقاربة الأمريكية إزاء التدخل الإيراني في العراق والغزو السوفيتي لافغانستان – أي أننا لم نكن مستعدين لاستثمار الموارد الضرورية للتوصل الى حل ، بل فقط لحرمان الطرف الآخر من الانتصار . وكان الأمل أن يؤدي ذلك الى حل وسط قادر على إفشال الأهداف الإيرانية والروسية في المنطقة . لقد جمعنا مواردنا معا ، وكان ذلك كافيا لتجميد الصراع . ولا تريد الولايات المتحدة أن تبقى الأمور في حالة مراوحة وحسب ، لكن مخاطر تحقيق ايران-روسيا انتصارا هي كبيرة للغاية ، لذا فهذه هي الطريقة التي يتم بها التعامل مع الصراع في الوقت الحالي .
ولم تضع ادارة بايدن حتى الآن سياسة شاملة لسوريا فهي تميل ، على مستوى العمل المتوسط الى المرتفع ، الى التركيز على السياسة المعتمدة إزاء ” تنظيم الدولة الإسلامية ” ، وأزمة اللاجئين لأن هذه هي الخطوات التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها بشكل فعال ، لكن المشكلة أن هاتين المسألتين لا تزالان تجسدان الأزمة الكامنة ، لذلك سيكون من الصعب حلهما بمعزل عن القضايا الأخرى .