من الألف إلى الياء.. تقرير صحفي عن استيراد العراق للغاز القطري
تتجه بوصلة العراق صوب قطر لاستيراد الغاز المسال لإدامة زخم عمل محطات الإنتاج الكهربائي العراقية، وسد النقص الحاصل فيها، والتعاون الثنائي في مجال الطاقة.
وزار وزير الكهرباء العراقي عادل كريم الدوحة بداية الشهر الحالي، والتقى وزير الطاقة القطري سعد شريدة الكعبي، وبحث معه توريد الغاز القطري لسدّ نقص الغاز في العراق.
ونفى المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد العبادي أن تكون الخطوة العراقية تهدف إلى الاستغناء عن الغاز الإيراني، الذي تستورده بلاده وتسبّب مؤخرًا في توقّف عدد من محطات الكهرباء العراقية نتيجة ضعف الضخ من 50 مليون متر مكعب خلال الشتاء، و70 مليون متر مكعب في الصيف، إلى 8.5 ملايين متر مكعب يوميا حاليا.
وحول إمكان ضخ الغاز القطري إلى العراق قبل حلول فصل الصيف المقبل، أجاب العبادي بأن "الموضوع بحاجة إلى إجراءات سريعة بين وزارة الكهرباء ووزارات النفط والنقل والمالية، إلى جانب الموانئ العراقية".
تنويع المصادر
وبشأن السعر المتفق عليه بين بغداد والدوحة لاستيراد الغاز من قطر، أكد العبادي أن الأسعار محل تفاوض بين الطرفين، مشيرا إلى أن هناك ضرورة لتنويع مصادر الطاقة منها الغاز، كون العراق بدأ بتنويع تلك المصادر كالربط الكهربائي مع الخليج بعدما تم الربط مع إيران، والآن سيتم استيراد الغاز القطري في ظل التوجه الحكومي الجديد نحو مشاريع الطاقة المتجددة التي تعد الأقل كلفة مالية من بين جميع المصادر.
وقال الأكاديمي في مجال النفط والغاز الدكتور بلال الخليفة: إن "استيراد الغاز القطري بسعر أقل من سعر الغاز الإيراني المستورد يعد أمرا إيجابيا لحاجة العراق المتزايدة إلى الغاز نتيجة حاجة الطاقة الكهربائية المتزايدة لأكثر من 1500 ميغاواط سنويًا، وبالتالي تزداد الحاجة للغاز لغرض مجاراة الزيادة في الطلب على الطاقة الكهربائية ولضمان الطاقة للأعوام المقبلة.
ومن وجهة نظر اقتصادية، يرى الخليفة أنه من الضروري البدء بمد شبكة أنابيب لاستيراد الغاز القطري ذات مواصفات خاصة تمتد مرورًا بالكويت أولا وإلى جنوبي العراق ومن ثم إلى بغداد لتغذية محطات الكهرباء، وقال إن "العراق لا يستطيع الاستغناء عن الغاز المستورد كون استغلال غازه المصاحب لن يسد حاجة محطاته لتوليد الطاقة الكهربائية التي تصل إلى 33 ألف ميغاواط".
ويقول الخليفة إن "جميع الغاز المستورد يستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية في تغذية عدة محطات توليدية منها محطة بسمايا الغازية حيث يتم توليد 3300 ميغاواط، ومحطة جنوب بغداد 400 ميغاواط، ومحطة القدس 1360 ميغاواطا، ومحطة الصدر 600 ميغاواط، ومحطة المنصورية في محافظة ديالى 500 ميغاواط.
وكشف الخليفة عن "حرق العراق الغاز المصاحب أثناء استخراج النفط الخام يوميا 1400 مليون قدم مكعب، وسنويا 17 مليار متر مكعب".
البنى التحتية
من الناحية العملية فإن العراق لا يملك البنى التحتية لاستقبال الغاز القطري أو من أي مصدر آخر من دول الخليج، كما يقول مستشار شؤون الطاقة وعضو معهد الطاقة العراقي هاري ستيبانيان.
ويقول ستيبانيان إن العراق بحاجة إلى الغاز القطري، وعليه البدء بإنشاء بنى تحتية لهذا الغرض، مشددا على ضرورة ذهاب العراق للاستثمار في مجال الغاز الحر والبدء بالتفاوض مع إقليم كردستان لتطوير حقلي بني باوي وميران بعد انسحاب شركة "جنرال إنيرجي" ( General Energy) البريطانية من الاتفاق العام الماضي.
وأشار إلى أن ربط اتفاق تطوير الغاز المصاحب من مجموعة حقول أرطاوي مع شركة "توتال" (Total) الفرنسية في سبتمبر/أيلول الماضي مع عقود أخرى يبطئ تطوير مشروع الغاز لحين انتهاء توتال من مباحثات تمويل المشاريع الأخرى المقدرة بـ10 مليارات دولار كمرحلة أولى.
بوابة الانفتاح
"أن تأتي متأخرا خيرٌ من أن لا تأتي"، هكذا بدأ المختص في الشأن الاقتصادي يوسف النبهاني حديثه عن استيراد الغاز من قطر، التي تمتلك احتياطيا يمثل نحو 13.1% من إجمالي احتياطات العالم من الغاز الطبيعي، واصفا خطوة الاستيراد بـ"الممتازة".
ويقول النبهاني: إن "استيراد العراق للغاز من قطر يساعده على الانفتاح على محيطه العربي ويساهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال دخول الاستثمارات القطرية والخليجية ليجعل من العراق قوة اقتصادية كبرى"، ودعا حكومة العراق إلى تذليل كافة العقبات أمام المستثمر الأجنبي والعمل بقانون النافذة الواحدة.
البحث عن الاستثمار
أما إقليم كردستان العراق فلجأ إلى الاستعانة بالخبرات القطرية في مجال الاستثمار للغاز، إذ زار رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني الدوحة بداية الشهر الجاري، والتقى بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ووزير الطاقة جاسم شريدة الكعبي.
وحول ذلك يتحدث المستشار الاقتصادي لرئاسة برلمان الإقليم الدكتور أرشد طه للجزيرة نت عن أن "الإقليم يطمح لجذب الاستثمارات القطرية الناجحة لتساهم في تنمية قطاع الغاز لكردستان التي تحتل المرتبة السابعة عالميا كأغنى احتياطي في الغاز الطبيعي بامتلاكها 5.7 تريليونات قدم مكعب".
ويضيف طه أن تطوير قطاع غاز الإقليم يسهم في إنتاج كميات كبرى من الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض إلى تركيا والدول المجاورة، مضيفًا أن ذلك سيساعد أيضا على التكامل الاقتصادي داخل الإقليم ومع العراق، مما يحقق فوائد للبلد بأكمله.
ويتوقع طه أن يكون لدى الإقليم قدرة على إنتاج 40 مليار متر مكعب من الغاز سنويا بحلول عام 2035 إذا ارتفع الاستثمار، مقارنةً بالمستوى الحالي 5 مليارات متر مكعب سنويا.
الغاز المحترق
وبحسب بيانات البنك الدولي فإن العراق ثاني دولة في حرق الغاز المصاحب بعد روسيا، إذ يحرق 18 مليار متر مكعب سنويا أثناء استخراج النفط، في حين يستورد العراق غازا بالمقدار نفسه سنويا، وتبلغ معدلات الخسائر السنوية ما بين مليارين و3 مليارات دولار.
ويتحدث عن ذلك الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي بأن "العراق يمتلك احتياطات من الغاز تقدر بـ3.5 تريليونات متر مكعب، يتشكل 70% منها على شكل غاز مصاحب للنفط، و30% على شكل مكامن غاز حرة في مناطق مختلفة من البلاد".
من الناحية الفنية يرى العلي في حديثه للجزيرة نت عدم سهولة استثمار الغاز المصاحب خصوصا وأن الكثير من الحقول الممنوحة بعقود التراخيص تمت إدارتها بصورة غير مهنية، مما تسبب في هدر كميات كبيرة من الغاز عام 2013 لصالح الزيادة في الإنتاج النفطي، لافتا إلى أن ذلك ساهم أيضا في تغيير تركيبة الغاز الطبيعي الموجود في المكامن النفطية وتغير نسب مكوناته، والتي قد تتطلب مزيدا من الاستثمارات لمعالجته وتنقيته من المواد المضرة.
رغم ذلك، فإن العلي يرى ضرورة بذل المزيد من الجهود لتقليل الهدر في هذه الثروة وتوجيهها لصالح اقتصاد العراق الريعي وزيادة استثماراته في معالجة الغاز المصاحب والغاز الحر معًا.