دور مهم للعراق.. هل يمكن إطلاق “دبلوماسية الطاقة” في الخليج؟
الاقتصاد نيوز-بغداد
تساءل موقع “مؤسسة بورز آند بازار” البريطاني عما إذا كان بالإمكان خلق قوة دبلوماسية بين دول الخليج نفسها، وبينها وبين العراق، من خلال توحيد مصادر حقول النفط والغاز والتعاون فيما بينها.
وذكر تقرير المؤسسة البريطانية البحثية المتخصصة بالتنمية والدبلوماسية الاقتصادية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في تقرير نشر باللغة الإنجليزية، أنه في ظل تحرك اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في المنطقة، نحو الحوار وتخفيض التصعيد والحوار، مثلما اتضح مثلا من انتهاء الصراعات داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك فيما يتعلق بالعلاقات السعودية والاماراتية مع ايران، فإنه يجب النظر في إمكانيات تحقيق “دبلوماسية الطاقة الإقليمية”.
واعتبر التقرير، أن حقول النفط والغاز المشتركة في الخليج العربي وخليج عمان مناطق لم تستغل بشكل كبير في مجال التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، مشيرا الى ان ايران وقطر تشتركان في أكبر احتياطي غاز في العالم، كما تشارك إيران في أكثر من عشرين حقلا للنفط والغاز في الخليج مع دول مجلس التعاون الخليجي والعراق، بالإضافة الى أن هناك الكثير من الحقول المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين العراق.
وعلى سبيل المثال، لفت التقرير الى لقاء في مارس /آذار الماضي، بين وزير الطاقة السعودي مع نظيره الكويتي من أجل التوقيع على اتفاقية تطوير حقل غاز الدرة المشترك على بعد حوالي 80 كيلومترا من الساحل على الحدود بين السعودية والكويت وعلى مسافة تجاور شواطيء جنوب غرب إيران، وهو حقل بامكانه انتاج مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي و 84 الف برميل من المكثفات يوميا.
وتابع التقرير انه بعد الاعلان السعودي -الكويتي، أعربت وزارة الخارجية الايرانية بشكل سريع عن استيائها معتبرة أن أي خطوة نحو تطوير سعودي-كويتي مشترك للحقل الذي تسميه ايران باسم حقل “أراش”، يجب ان تجري من خلال التعاون بين الدول الثلاث.
واضاف التقرير انه في في موقف مفاجئ، وجهت السعودية والكويت دعوة لإيران من أجل اجراء مفاوضات اضافية بهدف ترسيم الحد الشرقي للمنطقة البحرية المشتركة الغنية بالطاقة.
ورغم أن التقرير لفت إلى أن المحادثات المقترحة لم تجري حتى الان، الا ان حقل “الدرة -أراش” هو بمثابة مثال واضح على كيفية تحويل منطقة خلاف الى منطقة للتعاون، عندما تسمح البيئة السياسية والأمنية في المنطقة بذلك.
واشار التقرير الى انه من اجل نقل موارد الطاقة التي تنتجها حقول المنطقة، فان الدول في المنطقة فكرت منذ فترة طويلة في إقامة مشاريع خطوط الأنابيب، مثل مشروع بين إيران وسلطنة عمان، وكذلك مثلا المحادثات من اجل اعادة تصدير الغاز الايراني كغاز طبيعي مسال من قبل قطر ومن سلطنة عمان.
الا ان التقرير اشار الى ان غالبية الحقول المشتركة بين دول الخليج، إما أنها غير مستغلة، أو أنها متنازع عليها، مضيفا في ظل غياب اتفاقيات للتعاون حولها، فقد اختارت هذه الدول تطوير واستخراج الاحتياطيات بمفردها، مشيرا الى انه في كثير من الأحيان، تسببت الخلافات حول الخطوط وحقوق الاستخراج والامتيازات المختلفة، في ظهور توترات بين الدول الإقليمية.
وعلى سبيل المثال، ذكر التقرير بأن إيران، عارضت مطالبات الكويت والسعودية بشأن حقل “الدرة- أراش” منذ ان تم اكتشافه خلال الستينيات من القرن الماضي، وذلك في وقت لم تكن الحدود البحرية في الخليج محددة بشكل جيد ولم تكن الدول المجاورة لها تهتم كثيرا بذلك.
وتابع أن وضعا مشابها كان مرتبطا ايضا بحقل “جنوب بارس – شمال دوم”، وهو حقل الغاز المشترك بين ايران وقطر، حيث جرت مفاوضات حول الخط الوسطي بين البلدين قبل اكتشاف حقل الغاز في العام 1971، مشيرا الى انه عندما حددت ايران وقطر حدودهما قبل عامين، كان العامل المعتمد خلف الترسيم هو تساوي المسافة.
وحول حقل “الدرة-أراش”، اشار التقرير الى انه في ظل عدم وجود ترسيم واضح، فقد أكدت كل من الكويت والسعودية وإيران سيادتها على الحقل من خلال قيام كل منها بمنح حقوق امتيازات متداخلة طوال العقود الخمسة الماضية، مضيفا انه بحلول عام 2000، توصلت السعودية والكويت الى اتفاق حول المناطق البحرية ما يتيح لكل منهما منح امتيازات التنقيب الخاصة بها.
ولكن وكرد على استبعادها من المفاوضات، قامت ايران بنشر معدات حفر في الحقل في العام التالي، وتواصلت سلسلة من الخطوات والردود حتى الان، مما عرقل استغلال الحقل على الجوانب السعودية والكويتية والايرانية بشكل كامل.
ونقل التقرير عن الخبير في قطاع الطاقة واين أكرمان قوله ان الانتاج من حقل “الدرة-أراش” لن يكون له تأثير مهم على الأسواق العالمية للغاز الطبيعي في اعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا والطلب المتزايد على موارد الطاقة، موضحا ان السبب الأول لذلك هو ان الدول الثلاث، اي السعودية والكويت وايران، ستكون بحاجة الى استخدام الغاز المستخرج لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة.
وبغض النظر عن ذلك، اعتبر التقرير ان انتاج الحقل سيكون مهما لجهة تعزيز احتياطيات الغاز العالمية، بالاضافة الى خلق منطقة لتعاون اكثر شمولا ومتعدد الاطراف في المنطقة.
وختم التقرير بالقول ان بامكان “الدبلوماسية الاقتصادية، في حال تم تنفيذها من خلال مشاريع مشتركة مثل تطوير حقل غاز “الدرة -أراش”، بامكانها ان تعطي دفعة جديدة للعلاقات بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي.
وتابع ان اقامة مشروع تعاون طويل المدى من اجل تطوير مشترك للحقل، يمثل وسيلة يمكن من خلالها قياس “حالة الدبلوماسية الاقتصادية الاقليمية” في المنطقة ويوفر لايران وجيرانها في المجلس الخليجي وسيلة للتعبير عن حسن النية.
وبعدما اشار التقرير الى وجود ميدان محتمل آخر للتعاون، يتمثل في “حقل سلمان” المشترك بين ايران والامارات، لفت الى ان ايران والعراق تبدوان الاقرب نحو وضع خطط التنمية المشتركة موضع التنفيذ، اذ انهما بعد سنوات من المفاوضات، قررتا مؤخرا تشكيل لجان فنية مشتركة لتطوير علاقات الطاقة والمجالات المشتركة.
وفي هذا الاطار، قال التقرير ان بامكان الدول والشركات من اوروبا واسيا أن تشارك وتتدخل من اجل تعزيز تدابير بناء الثقة بين دول الخليج من خلال اقتراح مشاريع متعددة الاطراف، مضيفا ان بمقدور اللاعبين الخارجيين، وخصوصا هؤلاء الذين لديهم الامكانية من اجل القيام بوساطات والعمل مع كل من ايران ودول الخليج، ان تساعد دول المنطقة في ترسيم حدودها بالاستناد الى القانون الدولي، وايضا من خلال اقتراح مشاريع متعددة الاطراف وتحقق الارباح لكل الاطراف للجانبين، وتستثمر في تطوير الحقول واستغلالها.
وخلص التقرير الى القول ان مجلس التعاون الخليجي ايران تجاهلت بدرجة كبيرة فوائد “التوحيد”، أي من خلال التطوير المشترك لحقول النفط والغاز الممتدة عبر منطقتين أو أكثر.
واكد التقرير ان مثل هذا “التوحيد” سيسمح لدول مجلس التعاون الخليجي وايران بالاضافة الى اللاعبين الخارجيين مثل الشركات الأوروبية والآسيوية، بالمساهمة المشتركة في تطوير الحقول المشتركة والاستفادة ايضاً من الحلول الفعالة في خلال تكاليف الاستخراج والمعالجة والتصدير.
ولهذا، يختم التقرير البريطاني بتوجيه دعوة الى الزعماء الاقليميين من أجل الاستفادة من التعاون في مجالات الطاقة بهدف خلق حوافز مشتركة، من اجل جعل “الدبلوماسية الاقليمية اكثر استمرارية”.