المباني المخالفة لشروط السلامة تتهدد العراقيين: فساد حكومي وتقصير
عدم الالتزام بالشروط المعيارية أدّى إلى انهيار هذا المبنى (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
تُعَدّ المباني المخالفة لشروط السلامة في العراق الأكثر عرضة للانهيار، خصوصاً في المدن والأحياء القديمة منها، الأمر الذي يمثّل تهديداً حقيقياً لحياة قاطنيها.
وقد تصاعدت وتيرة انهيارات تلك المباني في العامَين الماضيَين في العاصمة بغداد ومناطق الجنوب والوسط وإقليم كردستان العراق، علماً أنّ المشكلة تبدو أكبر في مناطق السكن العشوائية التي يقطنها نحو خمسة ملايين عراقي، وتتوزّع على مدن مختلفة من البلاد.
وأمس السبت، أعلنت السلطات المحلية في محافظة الديوانية جنوبي العراق مصرع أربعة أفراد وإصابة آخرَين من أسرة واحدة، نتيجة انهيار سقف منزلهم من جرّاء الأمطار، وذلك بعد أيام من حادثة مماثلة وقعت في منطقة عشوائيات شرقي بغداد أدّت إلى مصرع امرأة وطفل من جرّاء انهيار في غرفة يقطنون فيها.
ويؤكد مسؤولون محليون عزم الحكومات المحلية حلّ مشكلة السكن وقضية المنازل العشوائية من خلال إقامة مشاريع مجمّعات سكنية.
ويقول محافظ الديوانية فارس الحمزاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة المحلية في المحافظة وضعت في أولويات عملها إنشاء مجمّعات سكنية، سواء تنفّذ من قبل الجهات الحكومية أو تُعرَض كفرص استثمارية ينفّذها رجال أعمال، لتخليص المحافظة من العشوائيات وإتاحة الفرص أمام المواطنين للسكن في منازل شرعية بعيدة عن المخاطر".
ويضيف الحمزاوي أنّ "الحكومة المحلية، من خلال مديريات الدفاع المدني، تُلزم في العادة جميع أصحاب المشاريع باتّباع إرشادات السلامة، إلا أنّ ثمّة عمليات فساد تطاول هذه المشاريع من خلال تحايل بعض أصحابها وعدم تطبيق الإرشادات المطلوبة".
من جهته، يشرح المتحدث باسم الشرطة في محافظة القادسية جنوبي العراق رحيم عودة، إجراءات الأجهزة الأمنية وأجهزة الدفاع المدني المتعلقة بالحوادث التي تقع نتيجة عدم اتّباع إرشادات السلامة. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأجهزة الأمنية في المحافظة ومديرية الدفاع المدني شكّلت لجنة للتحقيق في حوادث انهيارات، نتيجة عدم اتّباع إجراءات السلامة"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة تدقيقاً وتحقيقاً مستمرَّين تقوم بهما مديرية الدفاع المدني في المحافظة لمعرفة الجهات التي لا تطبّق إرشادات السلامة التي تقرّها الجهات الحكومية".
ويشير مراقبون إلى فساد أدّى إلى مخالفة إرشادات السلامة وسقوط ضحايا. ويؤكد ليث العبادي، وهو مهندس استشاري في إحدى شركات البناء، لـ"العربي الجديد"، أنّ "ثمّة رشاوى تُدفع من قبل أصحاب المشاريع لجهات معنيّة تجعلها تتغاضى عن عدم تطبيق الإرشادات، الأمر الذي يتسبّب في انهيار في عدد من المشاريع، من بينها مشاريع حكومية، وبالتالي وقوع ضحايا".
يضيف العبادي أنّ "الفساد نخر جسد الدولة العراقية وكلّ القطاعات في العراق، لذلك تجد أنّه يؤثّر سلباً على المواطنين من دون أيّ محاسبة حقيقية للمتسببّين فيه". ويبيّن أنّه "بحكم متابعتنا، فإنّنا لا نجد أيّ خطوة حقيقية لمعالجة مشكلات هذه المشاريع، ولا نظنّ أنّ هذه الحوادث تدفع الحكومة إلى إصلاح بعض القطاعات، خصوصاً أنّ أكبر المشكلات تقع في قطاع السكن، وثمّة مساكن عشوائية عدّة مهدّدة بالسقوط، لأنّها غير نظامية وغير مشيّدة وفقاً لشروط السلامة".
وأكّد المتحدث أنّ "ثمّة مباني غير نظامية وعشوائية في أماكن عديدة على وشك السقوط والتسبّب في كوارث".
وتمثّل المباني المخالفة لشروط السلامة والمباني القديمة تهديداً حقيقياً لحياة العراقيين، وقد حذّرت مديرية الدفاع المدني العراقية في وقت سابق من انهيارات قد تحدث في المباني الحكومية والأهلية في البلاد، فيما أشارت إلى متابعتها للملف وسعيها إلى محاسبة المخالفين للشروط الخاصة بإنشاء المباني.
وكانت مديرية الدفاع المدني العراقية قد كشفت في نهاية عام 2022 أنّ 2.517 مبنى مهدّدة بالانهيار في عموم البلاد، موضحة أنّها غير مطابقة للمواصفات الهندسية وتحوي تشققات خطرة. تجدر الإشارة إلى أنّ المباني التي شُيّدت في السنوات الأخيرة والتي تُشيَّد حالياً هي بمعظمها غير مطابقة للمواصفات النوعية، ولا تخضع لعمليات كشف من قبل الجهات المسؤولة.