محمد عبد المنعم: غياب المهرجانات الحكومية ونقابة الفنانين العراقيين
نظّم محمد عبد المنعم مهرجانات سينمائية عدّة في العراق، قبل أنْ يستقرّ أخيراً على "مهرجان كلكامش السينمائي". تخرّج من كلية الإعلام ـ قسم الإذاعة والتلفزيون، وعمل في المجال الإعلامي وفي صحف عراقية، لكنّه اختار العمل في المجال السينمائي، وتحديداً تنظيم المهرجانات، فضلاً عن إخراجه عدداً من الأفلام القصيرة، كـ"أضواء" و"مواجهة" و"جريدة".
التقته "العربي الجديد" في حوارٍ عن تجربته في إدارة المهرجانات السينمائية.
لماذا اخترت السينما بشكل حرفي وأنتَ خرّيج إعلام؟
منذ البداية، كنتُ عاشقاً للسينما. شاءت الصدفة أنْ أحضر، عام 2005، تصوير مشهدٍ من فيلم "غير صالح" لعدي رشيد، لتغطيةٍ صحافية لصالح صحيفة البرلمان التي كنتُ أتمرّن فيها حينها. منذ تلك اللحظة، بدأ الشغف بعالم السينما. فضلاً عن أنّ دراستي الإذاعة والتلفزيون قريبةٌ، نوعاً ما، من عالم السينما. ذلك أنّنا، كطلاّب إعلام، كنا ندرس السيناريو والتصوير والإخراج بكلّ أنواعه. كنا أول دفعة في الكلية يُشترط عليها تقديم فيلمٍ قصير كمشروع تخرّج، فكان "الجريدة"، ثاني أفلامي، مشروع التخرّج، وحصل على المركز الثاني في مهرجان الكلية.
يعرفك الوسط السينمائي من خلال تنظيمك مهرجانات سينمائية. ماذا عن هذا المجال؟
دخلتُ عالم تنظيم المهرجانات والملتقيات السينمائية كمنسّق لفعاليات وزارة الشباب والرياضة عام 2013. بعدها، شكّلنا، صديقي فؤاد المصمم وأنا، فريق "صدى السينما والمسرح"، ونظّمنا 250 عرضاً في إحدى القاعات، ثم "ملتقى صدى السينما الأول"، ثم الثاني الذي كان مميّزاً جداً باعتراف متابعين كثيرين له. امتلأ "مسرح الطليعة" بجمهور سينمائي، لمُشاهدة أفلام "مهرجان النهج السينمائي". بعدها، نظّمنا "ملتقى الشباب الرمضاني الأول" عام 2018، و"ملتقى الشباب الرمضاني الثاني" عام 2019 الذي تضمّن 20 عرضاً سينمائياً، في كلّ دورة، للجمهور، في "مقهى رضا علوان" المشهور. بعدها، أقمت "مهرجان سينماتك العراق لأفلام الموبايل"، ثم عملتُ على تأسيس "مهرجان الرافدين"، وكنتُ مدير النسخة الأولى منه. أخيراً، أسّست "مهرجان كلكامش السينمائي"، وكانت حصيلته إلى الآن دورتين.
عملتَ في مهرجانات كثيرة، لكنّك مؤسّس "مهرجان كلكامش" ومديره، الذي يُعدّ من المهرجانات السينمائية المهمة. ما الذي يتميّز به هذا المهرجان؟
يتميّز بأربع نقاط؛ أوّلها الجوائز المادية التي تُعدّ حافزاً لصنّاع الأفلام. بلغت هذه الجوائز نحو 10 ملايين دينار عراقي، و2000 دولار أميركي لأفضل فيلم. كذلك، احترافية مفرداته، كموقع "ويب سايت"، وموقع/منصّة "فيلم فري وي". كذلك مشاركة الشركات المعنية في مجال السينما في سوق مفتوحة، تُقدّم حسومات تصل إلى 20 في المائة. وأيضاً، بعض الفعاليات التفاعلية مع الجمهور. تكمن أهميته في عدد المشاهدين، ونوع الجمهور الذي حضر نسختيه، إذْ تجاوز العدد 700 ضيف في النسخة الواحدة. أيضاً نوعية الأفلام التي تمتاز غالبيتها بسمة العرض الأول. والمطبوعات، إذْ طُبع في النسخة الأخيرة كتابان على نفقة المهرجان. بسبب غياب مهرجانات العاصمة، أصبح "مهرجان كلكامش" قبلةً لصنّاع الأفلام من المحافظات العراقية المختلفة.
ماذا تقول عن كثرة المهرجانات في العراق؟ هل تراها حالة صحية، أم لا؟
لا يخفى على أحد أنّ هناك فوضى على صعيد تنظيم المهرجانات التي تفتقر غالبيتها لأهمّ معايير المهرجانات. حتّى أنّها تفتقر لمعايير الملتقيات المتعارف عليها، حيث الاستسهال والاستخفاف بكلمة مهرجان. السبب أنّ هذه المهرجانات يقف خلفها أفراد غير مؤهّلين، يُحرّكهم دافع الأرباح المادية. كما أنّهم غير مُكترثين برصانة المهرجان، ولا بفعالياته التي غالباً ما تكون فقيرة. لكنّ هذا لا يعني أنّه لا توجد محاولات محترمة ومحترفة لإقامة مهرجانات سينمائية، كمهرجان النهج والسليمانية، ومهرجان دهوك، ومهرجان القمرة، ومهرجان "3×3" في بغداد. لا بُدّ أنْ أشير هنا إلى غياب المهرجانات الحكومية، أي تلك التي تموّلها الدولة، عبر دائرة السينما والمسرح، أو وزارة الثقافة عامة. كذلك غياب الدور الرقابي لنقابة الفنانين العراقيين، وهذا ساهم بشكل كبير في هذه الفوضى، في إقامة المهرجانات السينمائية.
ماذا عن ورشة إعداد الممثل التي أقمتها أكثر من دورة؟ ما الغاية منها؟ ما النتائج التي حقّقتها؟
الغاية من الورش، كما هو معروف، تطوير المهارات الفنية. إقامة ورشة إعداد الممثل، الأولى والثانية، جزءٌ من مشاريعي التي أعددت لها مسبقاً، والتي حرصت على إقامتها، بسبب خلو الساحة السينمائية من أي معهد أو مؤسّسة تُعنى بهذا المجال، وغياب التدريبات العملية لأكاديمية ومعاهد الفنون الجميلة، والتركيز على الجانب النظري. فمعظم أساتذة الفنون غير مُمارسين لاختصاصاتهم. نتائج هذه الورش أنّه، في السنة الماضية، شارك 17 مُتدرّباً في أعمال الدراما الرمضانية، واثنان منهم عملا في "أناشيد آدم"، الفيلم الجديد لعدي رشيد. كذلك شارك آخرون في "طيور الجنّة" لمحمد الدراجي، وفي أكثر من ستة أفلام قصيرة أخرى. كما ستقام ورش أخرى في العام الحالي.
هل تتطلّع إلى مشروع سينمائي جديد؟
بالتأكيد. هناك مشروع فيلم بالشراكة مع صانع الأنيميشن أنس الموسوي، بصفة منتج. يُتوقّع أنْ يكون أطول فيلم تحريك عراقي، وسيكون خاصّاً بالأعمار بين 6 و12 عاماً. يُنتظر أنْ ينتهي العمل فيه مطلع العام المقبل. أيضاً، هناك فكرة إخراج فيلم طويل، بات اليوم في مرحلة تطوير النص، والبحث عن مموّل له.
ماذا عن إشرافك على تأسيس كلية فنون أهلية في "جامعة كلكامش"؟
أعمل حالياً على إكمال كلّ ما يخصّ أكاديمية الفنون الجميلة الأهلية في "جامعة كلكامش"، وهذا أحد أهمّ مشاريعي التي استطعتُ بها أنْ أقنع المستثمرين بجدوى إقامتها. إنّها أول أكاديمية فنون جميلة غير حكومية، تحتوي على قسم سينما. بالإضافة إلى قسم المسرح وقسم التصميم. نحن الآن في المراحل النهائية لتأسيسها، بعد حصولنا على الموافقات الرسمية. وسنعلن عنها مطلع العام الدراسي المقبل، 2023 ـ 2024.
بماذا تشخّص مشاكل السينما العراقية، خاصة ما يعانيه شباب السينما؟
السينما صناعة، نحتاج إلى عوامل كثيرة للنهوض بها. من أهم المشاكل التي تعترضها، غياب شركات الإنتاج الرصينة التي تعمل باستراتيجية واضحة، وعزوف الجمهور العراقي عن مشاهدة الأفلام العراقية، ووجود منصّات سينمائية عدّة تُتيح المُشاهدة المنزلية، وعدم ارتياد صالات العرض، وتوجّه المخرجين إلى استهداف المهرجانات، غير آخذين بالاعتبار الشروط التي يجب توفّرها في الفيلم الجماهيري. بالإضافة إلى غياب الدعم الحكومي. أعتقد أنْ أهمّ سبب كامنٌ في صناعة النجم، فالفيلم يسوَّق بنجومه. الأدلة على ذلك معروفة.