هل دخلت "جماعة القربان" وأتباعها فعلا إلى لبنان؟
أحدث خبر انتحار الشاب علي عصام فرحات في الضاحية الجنوبية صدمة في لبنان نظراً إلى الظروف التي رافقت الحدث والأخبار التي جرى تداولها، فالأسباب التي دفعته إلى الانتحار لم ترتبط بالأوضاع المعيشية أو الضائقة المادية ولا بالمشكلات العائلية، كما في حالات الانتحار التي تكررت أخيراً في البلاد، بل إن الدوافع المزعومة كانت هذه المرة صادمة بالفعل.
أقدم الشاب الذي عاد أخيراً مع زوجته فاطمة وطفلهما من كندا على رمي نفسه عارياً من سطح أحد المباني السكنية وهو لم يكن يعاني مشكلات مادية أو ضغوط عائلية. وبعد ساعات أقدمت زوجته على الفعل نفسه وحاولت رمي طفلها الصغير، لكنها نجت ونقلت إلى المستشفى بحال خطرة.
وأشارت التقارير الإعلامية إلى وجود علاقة ما بين حالتي الانتحار وجماعة دينية ناشئة تعرف بـ"جماعة القربان" كانت ظهرت في جنوب العراق وانتشرت أخبار عن أنه من الممكن أنها وصلت إلى لبنان وربما يكون فرحات وزوجته من أتباعها، ويذكر أن هذه الجماعة تعمد إلى اختيار أحد أتباعها بالقرعة حتى يقدم على الانتحار من دون ملابس ليقدم نفسه قرباناً في سبيل "العقيدة".
بين العراق ولبنان
بشكل عام من الممكن أن تظهر هذه الجماعات المتطرفة ثم تعود وتختفي لفترات ثم تعاود الظهور بتسميات مختلفة وربما مع اختلافات بسيطة أخرى في الأزمات. أما "جماعة القربان"، فبدأ الحديث عنها في العراق قبل أشهر معدودة ويعتقد بأنها انشقت عن التيار الصدري لأسباب نفسية وسياسية، وبرزت هذه الجماعة مع أولى حالات الانتحار شنقاً في العراق لشاب قيل إنه أقدم على فعله هذا ليقدم نفسه "قرباناً للإمام علي".
بعدها أصدرت وكالة الاستخبارات العراقية بياناً أكدت فيه القبض على أربعة متهمين في إطار متابعة الجماعات المنحرفة والخارجين عن القانون، وأشارت تقارير في العراق إلى أن "جماعة القربان" تتخذ من موكب "شهيد الجمعة" في محافظة ذي قار، حيث ألقي القبض على المتهمين، مقراً لها، فيما يقيم زعيمها في إيران.
وتروّج هذه الجماعة لعقيدة تأليه "الإمام علي" عبر تحريف في فهم بعض الآيات القرآنية واستطاعت غسل دماغ مجموعة من الشباب في العراق بهذا الأسلوب حتى يقدموا على الانتحار طمعاً بالجنة المزعومة بعد وقوع قرعة القربان عليهم تلبية لأمر الأمير. أما انتحار من تقع عليه القرعة من أتباع هذه العقيدة ذات الأفكار المتطرفة، فيكون شنقاً غالباً أو بأساليب أخرى محددة، على رغم أن الانتحار يخالف الشريعة الإسلامية بما أن حفظ النفس من أهم الواجبات في الدين الإسلامي وقتل النفس من كبرى المحرمات. يضاف إلى ذلك أن لهذه الجماعة التي تعرف أيضاً بـ"العلاهية"، طقوساً غريبة، منها التطهر بالبول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تكتم واستنفار
وتتوسع الأجهزة الأمنية اللبنانية حالياً في التحقيقات حول حادثتي الانتحار في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت. وتفيد تقارير إعلامية بأن أحد أقرباء فرحات أشار في التحقيق إلى أنه كان رآه قبل يومين وهو يغتسل بالبول مؤكداً أنه يطهر نفسه. وصرح والد الشاب بأن ابنه الذي وصل إلى لبنان قبل حوالى أسبوع لقضاء عطلة عيد الأضحى مع عائلته، كان تعرّف إلى شيخ مقيم في لندن وهو يستمع إلى أحاديثه وأفكاره المتطرفة عبر "يوتيوب" وتأثر بها بشكل واضح، فأصبح يرفض العلاج له ولأفراد عائلته استناداً إلى ما ورد في القرآن الكريم "وإذا مرضت فهو يشفيني".
حالياً، لا تزال زوجة فرحات في المستشفى، فيما تتوسع التحقيقات للبحث في حال المنتحر وزوجته النفسية للتأكد من إمكان وجود اضطرابات لديهما، إضافة إلى البحث في المعلومات الموجودة على هاتفه بعد إرساله إلى القسم الفني في فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي. كما يجري التحقق من الصلة التي تربطه بهذه الجماعة أو غيرها. أما زوجة فرحات، فقالت في التحقيق إنها حاولت الانتحار حزناً على وفاة زوجها بهذه الطريقة، مؤكدة أنها قررت الانتحار عارية بالطريقة نفسها التي انتحر فيها زوجها، من دون أن تقر بوجود علاقة لها أو لزوجها بـ"جماعة القربان" أو أي جماعة دينية أخرى.
حتى اللحظة لم يثبت بعد ما إذا كانت "جماعة القربان" وصلت فعلاً إلى لبنان وما إذا كان لها أتباع فيه، كما في دول أخرى. وكانت عائلة المتوفي أصدرت بياناً نفت فيه ما يجري تداوله في وسائل الإعلام حول وجود "جماعة القربان" من دون نفي انتماء فرحات إلى الجماعة.
مما لا شك فيه أن الربط بين هاتين الحادثتين وهذه الجماعة الغامضة أحدث ردود فعل قوية وصدمة في الشارع اللبناني، خصوصاً في المنطقة المعنية ذات الغالبية الشيعية التي تضم بشكل أساس المراكز الدينية والثقافية التابعة لتلك الطائفة.
ووسط تكتم شديد حول الموضوع على المستويين الديني والأمني وإحجام الأجهزة المعنية عن إعلان أي جديد في التحقيقات، أكد مصدر توتر الأجواء في المنطقة بسبب ما يشاع حول هذا الموضوع، وصولاً إلى محاولة حرق منزل العائلة المعنية إثر الأخبار المتداولة.
لا معلومات
أما المراجع الدينية، فتتحفظ عن الإجابة بوضوح عن وجود "جماعة القربان" في لبنان، وتواصلت "اندبندنت عربية" مع المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب الذي قال إنه لا يملك معلومات عن وجود هذه الجماعة في لبنان، مؤكداً أنها "جماعة منحرفة خارجة عن الدين ولا تمت إلى الإسلام أو إلى التشيع بصلة، بالاستناد إلى رأي مراجع الشيعة عامة".
وفي اتصال مع رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية الشيخ محمد كنعان، أكد أيضاً عدم وجود معلومات حول هذا الموضوع لدى المراجع الشيعية، مضيفاً أن المسألة بالنسبة إليه تقتصر على ما هو متداول في وسائل الإعلام "ولا مجال للتصريح بأكثر من ذلك حول هذه القضية التي لم تتضح بعد ولم تؤكد أي جهة رسمية إلى الآن ما إذا كان لها وجود في البلاد".
حتى اللحظة تبقى هذه القضية قيد التحقيق في ظل تستر تام حولها وتقتصر المعلومات المتوافرة على ما يجري تداوله في وسائل الإعلام من دون تصريحات رسمية دينية أو أمنية أكيدة.
ويبدو أن الحركات الدينية التي تتجه نحو الغلو والتطرف وتستغل الأزمات لتتغلغل في المجتمعات وتتمكن من التأثير في أفرادها تستخدم أسلوباً نفسياً وتستهدف المجموعات التي ينتشر في صفوفها الجهل والفقر لإقناع أفرادها، وبالتالي تقع المسؤولية على المؤسسات التربوية والدينية لنشر الوعي في المجتمع للتصدي لها ومحاربتها، سواء دخل أتباعها إلى البلاد فعلاً أو كان كل ما يجري التداول فيه مجرد أقاويل لا أساس لها من الصحة.