عام على تسريبات نوري المالكي... كأنها لم تكن قضائياً
مرّ عام على تسريب التسجيلات الصوتية لزعيم حزب "الدعوة الإسلامية"، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ضمن جلسة جمعته بعدد من قيادات وأعضاء مليشيا "لواء أئمة البقيع"، تنشط في محافظة ديالى الحدودية مع إيران، شرقي البلاد.
وتحدث المالكي خلال هذه التسريبات بأكثر من موضوع، منها ما يتعلق بـ"الحشد الشعبي"، وعمله على تشكيل مليشيا جديدة لحمايته، وكشف عن عداوته لزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، وتهديده بضربه في معقله بحي الحنانة في النجف، عدا عن ملفات مرتبطة بحوادث حصلت في العراق بالسنوات الماضية له علاقة فيها، فضلاً عن اتصالاته مع "الحرس الثوري" الإيراني وشخصيات إيرانية مختلفة.
عام على تسريبات المالكي
التسريب الذي تسبب بزلزال سياسي وشعبي داخل العراق، بسبب احتوائه على معلومات خطيرة وتهجم على قيادات سياسية ودينية، دفع مواطنين ومحامين إلى تقديم شكاوى عدة للقضاء، من بينهم شخصيات قريبة من الصدر، لكن بعد عام كامل عاد التساؤل بشأن أسباب اختفاء نتائج التحقيقات التي أعلن عنها القضاء العراقي ووزارة الداخلية.
مسؤول بوزارة الداخلية: لم يتم تشكيل لجنة بالأساس لفحص صوت المالكي بالتسجيلات
في التسجيلات التي سرّبها الإعلامي العراقي، المقيم في واشنطن، علي فاضل، على شكل حلقات صوتية، تحدث المالكي عن خططه لتشكيل مليشيا جديدة، وتسليح 20 ألف شخص من مجاميع وعشائر. كما هدد في هذه التسجيلات بضرب مدن مختلفة، ومنها النجف، في معرض حديثه عن الصدر المقيم فيها. ووصف الصدر بأنه "يريد أن يذبح الجميع".
وتطرق المالكي إلى ما وصفه بـ"الفساد المالي والإداري" في "الحشد الشعبي"، وعن حصول مليشيا "بدر" بقيادة هادي العامري على رواتب لنحو 40 ألف شخص، في حين أنها لا تملك هذا العدد على الأرض.
إثر ذلك طالب الصدر في بيان المالكي بتسليم نفسه و"من يلوذ به من الفاسدين" إلى الجهات القضائية، كما دعا عشيرته والقوى المتحالفة معه إلى التبرؤ من حديثه من أجل "إطفاء الفتنة". وأضاف الصدر أنه يجب أيضاً استنكار "تحريضه على الفتنة والاقتتال الشيعي الشيعي".
كما أعلن مجلس القضاء الأعلى (أعلى سلطة قضائية في البلاد)، في 19 يوليو/ تموز 2022، أن محكمة تحقيق الكرخ في بغداد تلقت طلباً مقدماً إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص التسريبات الصوتية، إلا أن القضاء لم يتحدث عن أي تطورات بشأن التحقيق.
بدورها، أصدرت وزارة الداخلية بياناً أعلنت فيه تشكيل لجنة فنية لفحص صوت المالكي والتأكد منه، لكنها لم تعاود الكشف عن نتيجة ما توصلت إليه اللجنة، وسط تأكيد مسؤول رفيع في وزارة الداخلية ببغداد أنه لم يتم تشكيل لجنة من الأساس وأن البيان أذيع من أجل تهدئة الصدريين بالدرجة الأولى.
وأكد المسؤول في حديثٍ مع "العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "القضاء أصدر أيضاً بيانه من أجل تهدئة الموقف ومنع تأزم الوضع أكثر بعد احتشاد الصدريين، ولم يجر أي تحقيق مع المالكي".
ولفت إلى أن "المعلومات تؤكد صحة التسجيل المسرب، كما أن الشخص الذي سجله هو أحد المشاركين في الجلسة التي حضرها أربعة أشخاص، بمن فيهم المالكي، وفي مقره الخاص بالمنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، وهذا الشخص هو أحد أفراد لواء أئمة البقيع".
وأشار المسؤول في وزارة الداخلية إلى أن "المقربين من المالكي يعرفون أنه في الجلسات الخاصة يتحدث أكثر من ذلك، بما فيها الشتائم التي استخدمها بالتسجيل، إلا أنه لا أمل في عودة قضية التسريبات إلى الواجهة، فلأسباب سياسية تم وضعه جانباً في القضاء".
وعلى الرغم من أن الحملات الإعلامية المدعومة من القوى السياسية التابعة للمالكي والمتحالفة معه عملت جاهدة على الترويج لفكرة أن التسجيلات مفبركة في ذلك الوقت، إلا أن فرقاً معروفة بمتابعة قضايا الأخبار الزائفة والكاذبة، أبرزها فريق "التقنية من أجل السلام"، وهو أشهر فريق فني عراقي، أكد صحة التسجيلات المنسوبة إلى المالكي. وشدّد على أنها "ليست مفبركة"، وذلك فيما لا يزال كثيرون يتساءلون عن أسباب عدم توصل القضاء إلى أي نتيجة بشأن التسريبات.
لكن عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، النائب محمد الصيهود، ما زال مصراً على أن التسجيلات "ملفقة لتشويه صورة نوري المالكي"، مؤكداً أنها "ما زالت محفوظة لدى القضاء العراقي، وأن المالكي ينتظر أي تحديثات في هذه القضية، لأن مقربين منه وعدوا بأنهم ينوون محاسبة المتسبب بنشر وفبركة هذه التسجيلات قانونياً".
وأضاف الصيهود في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "قضية التسريبات ليست أكثر من استهداف سياسي لمشروع الإطار التنسيقي، وكان يهدف إلى الاقتتال الشيعي ــ الشيعي بين قوى الحشد الشعبي والفصائل المسلحة والأحزاب الإسلامية ضد التيار الصدري، وللأسف فإن هناك من تأثر بهذه الخدعة".
وأوضح أن "هناك برامج تعتمد الذكاء الاصطناعي قادرة على إخراج تسجيلات أو أفلام مماثلة لهذه"، مشيراً إلى أن "المالكي يحترم القانون، وسيكون ماثلاً أمام أي قرار قضائي بحقه، في حال صدر، لأن المالكي وفريقه قدموا الأدلة الحقيقية للطعن بهذه التهمة".
أيهم رشاد: هناك اتفاق بين كل الأحزاب السياسية على عدم محاسبة أي قيادي فيها
من جانبه، أشار الباحث السياسي القريب من التيار الصدري عصام حسين إلى أن "قضية التسريبات الصوتية لا تعد قضية خطيرة بالنظر إلى بقية الاتهامات التي توجه إلى المالكي، مثل الفساد المالي في عهد حكومتيه (الأولى بين عامي 2006 و2010، والثانية بين عامي 2010 و2014)، إضافة إلى جريمة سقوط الموصل (في عام 2014)، وكذلك مجازر كارثية مثل مجزرة سبايكر (في عام 2014 أيضاً)".
نفوذ المالكي في القضاء العراقي
وأكد حسين في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المالكي يمتلك نفوذاً في القضاء العراقي والجهات الأمنية والعسكرية والمليشياوية، وبالتالي من الصعب محاسبته وهو بهذه القوة".
وأكمل حسين حديثه قائلاً: "أي قضية يتم رفعها ضد المالكي، أو أي زعيم سياسي أو مليشياوي، لن يأخذ بها القضاء العراقي، لأن المحاسبة تكون على أسس التوافق والمحاصصة والمحسوبية والعلاقات، وأن أعلى جهة تتحكم بالوضع العراقي حالياً هي المليشيات الداعمة للمالكي".
واتفق الناشط السياسي أيهم رشاد مع حسين بالقول إن "المالكي يتحدى الدولة، ولطالما كان يتحدى القانون من خلال تصريحاته وتصرفاته، وهذا الأمر يعرفه العراقيون، وعلى الرغم من ذلك فإنه يحظى بدعم وحماية كل شركائه السياسيين، وللأسف ليس فقط من الأحزاب الشيعية، بل الأحزاب السنية والكردية أيضاً".
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك اتفاقاً بين كل الأحزاب السياسية على عدم محاسبة أي قيادي في الأحزاب، أو مسؤول كبير، لأن الدخول في هذا الأمر سيجعله عرفاً سياسياً، بالتالي قد تتدهور علاقات الأحزاب والثقة في ما بينها".
وأوضح رشاد أن "الأجهزة الأمنية والقضائية التي تتعامل مع ملفات يتهم فيها زعماء فصائل ورؤساء أحزاب مخترقة من قبل الأحزاب والفصائل ذاتها، وهو ما يمنع الوصول إلى نتائج جيدة، سواء بالتحقيقات أو العقوبات. وملف تسريبات المالكي يمكن اعتباره ملفاً أضيف إلى عشرات الملفات وربما المئات التي لن ترى النور".
وفي وقتٍ سابق، أكدت مصادر قانونية أن المالكي كان قد حضر إلى محكمة في بغداد في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعد بلاغ استقدام صدر بحقه، وقد خرج من المحكمة في اليوم نفسه بكفالة، فيما لا أحد يعرف مصير الدعاوى التي رفعت بحقه من قبل عشرات المواطنين والمحامين ومن أنصار زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر.