أزمة الكاردينال لويس ساكو والرئيس العراقي... هل ستؤثر في المسيحيين؟
لم ينه قرار الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد بسحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريركاً على الكنيسة الكلدانية في العراق، الأزمة المسيحية الحالية في البلاد، في ظل التصعيد الذي يمارسه زعيم مليشيا "بابليون" المسيحية المدعومة من "الحشد الشعبي"، ريّان الكلداني، الطامح لاختزال التمثيل السياسي والديني المسيحي به، لا سيما دائرة الوقف المسيحي التابعة لهيئة الأوقاف الدينية.
وأمس الاثنين، عاودت الأزمة التفاعل عراقياً، بعد زيارة القائم بأعمال سفارة الفاتيكان لدى بغداد، والتي أوجدت مشكلة أخرى وهي تضارب البيانات بشأن الزيارة، ناهيك عن ظهور بوادر غضب لدى مسيحيي بغداد والموصل من هذا القرار الرئاسي.
ووزع المكتب الإعلامي لرئاسة جمهورية العراق، أمس الاثنين، بياناً عن اللقاء بين الرئيس العراقي والقائم بأعمال سفارة الفاتيكان، الأب تشارلز لوانغا سوونا، جاء فيه، أنّ "سفارة الفاتيكان ليست لديها أية ملاحظات على إجراءات رئاسة الجمهورية بشأن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بالكاردينال لويس ساكو".
لكن عقب ذلك بساعات، ردّت سفارة الفاتيكان ببيان كذّبت الرئيس العراقي، وقالت إنها "تأسف لسوء الفهم والتعامل غير اللائق فيما يتعلق بدور غبطة البطريرك مار لويس ساكو كوصي على ممتلكات الكنيسة الكلدانية، إضافة إلى بعض التقارير المنحازة والمضللة حول هذه القضية، والتي غالباً ما تتجاهلها كشخصية دينية تحظى بتقدير كبير".
وأوضحت السفارة أنّ "رئيس الجمهورية العراقي، طلب لقاء القائم بأعمال السفارة الرسولية (سفارة الكرسي الرسولي/ الفاتيكان) لدى جمهورية العراق، الأب تشارلز لوانغا سوونا، بخصوص أمر المرسوم الأخير بشأن غبطة البطريرك لويس ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية، وشدد الأب سوونا على أن إدارة ممتلكات الكنيسة -على النحو المنصوص عليه في الدستور العراقي- يجب أن تستمر بحرية من قبل رؤساء الكنائس وعلى المستوى العملي، أي أمام المحاكم العراقية والمكاتب الحكومية، في حين أن السفارة الرسولية لا تعلق على ما إذا كان سيجري ضمان ذلك من خلال المراسيم الرئاسية أو بأي طريقة أخرى مناسبة"، بحسب البيان.
وفي ظلّ هذه الأزمة، تمارس القنوات الإعلامية والمنصات القريبة من إيران، وبعضها مملوكة لزعيم مليشيا "بابليون" ريان الكلداني، هجوماً واضحاً على الكاردينال ساكو، وصل الأمر إلى تهديده في حال العودة إلى بغداد بالعقاب "غير القضائي"، الذي تحدثت عنه بعض المنصات، وهو ما دفع مسيحيين في بغداد والموصل إلى إعلان حالة التضامن مع ساكو، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تحدث بعضهم عن عدم ارتياحهم لما يحدث، وأن بعضهم قد يفكر بالهجرة إلى أربيل على أقل تقدير.
وسبق أن تحدث ساكو، الذي اختار مطلع الأسبوع الحالي مغادرة بغداد إلى إقليم كردستان، عن تعرضه لضغوط مستمرة بدوافع سياسية، معتبراً قرار رئيس الجمهورية "سابقة لم تحدث في تاريخ العراق"، كما أكد أن قرار الرئيس العراقي بسحب المرسوم منه يأتي "تحقيقاً لرغبة"، زعيم فصيل بابليون المنضوي في "الحشد الشعبي" ريان الكلداني.
في السياق، قال مدير منظمة "سورايه"، نوزاد بولص، وهو أحد المقربين من الكاردينال ساكو، إن "استهداف مرجعية دينية بحجم غبطة الكاردينال ساكو بهذه الطريقة، ما هو إلا تجاوز كبير على مكانة الموقع المسيحي المهم لدى شريحة أصيلة في العراق، وللأسف فإن القرار الرئاسي سبقته حملات إعلامية قادتها فضائيات قريبة من الفصائل المسلحة والمليشيات ضد مكانة الكاردينال، وكأن القرار كان مبيتاً ونحن شعرنا بذلك".
وأوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذا القرار لا يستهدف ساكو فقط، بل كل المسيحيين في بغداد والموصل، وكأنها طريقة لإبعاد المسيحيين عن العراق، وتحويل فئة صغيرة مرفوضة شعبياً وهي جماعة بابليون، على أنها صوت مسيحي رسمي وهذا غير مقبول".
وأضاف بولص أنّ "حزب بابليون دخل في صراع واضح مع ساكو، ويتحمل مسؤولية ما يحصل له حالياً، والأزمة التي تمر على المكون المسيحي"، مشيراً إلى أن "قرار رئيس الجمهورية مخطط له، بعد اجتماعات جمعت ما بينه وبين حزب في مدينة السليمانية مع حزب بابليون، ما يؤكد أنها خطة سياسية ولا علاقة للأمور الدستورية في ذلك".
في المقابل، رد النائب عن كتلة "بابليون" في البرلمان العراقي، دريد جميل على ذلك بالقول إنّ "الهجوم الذي نتعرض له من قبل غبطة الكاردينال ساكو غير مبرر، وقد تحملنا كثيراً هجماته الإعلامية ضدنا، التي اتهمنا من خلالها بالسرقة والاختلاس والإضرار بالمصالح المسيحية، ورغم ذلك فإننا لحد الآن لم نرد عليه عبر الإعلام بطريقته نفسها، بل توجهنا إلى القضاء العراقي، وأقمنا دعوى قضائية، وهذا كل ما فعلناه، وليس أكثر من ذلك".
ونفى، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أي دور لحركة "بابليون"، بالقرار الذي صدر عن رئيس الجمهورية القاضي بسحب قرار المصادقة على الكاردينال ساكو بطريركاً للكنسية الكلدانية، معتبراً أن "إقحام بابليون في الأزمة تجن عليها ولن نقبل به، وعلى الكاردينال ساكو أن يتعامل مع هذا الأمر بطريقة تتناسب مع مكانته الدينية، وليس عبر الهجوم على كتلة برلمانية ولواء في الحشد الشعبي، ويتهمنا بالإرهاب، لأن في ذلك عيب على جلباب الكنيسة الذي يرتديه".
أما النائب المسيحي السابق في البرلمان العراقي، جوزيف صليوا، فلفت إلى أن "المسيحيين العراقيين، وحدهم ضحايا الصراعات ما بين رئاسة الجمهورية، والأحزاب، والقضايا الدستورية من جهة، ومنصب بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق، لا سيما أن المسيحيين في العراق يعانون من مشاكل أمنية وأخرى تتعلق بتمثيلهم السياسي، وبالتالي فإنهم باتوا بين المطرقة والسندان في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل".
وأضاف، في حديثه مع "العربي الجديد" أنّ "هناك خلافاً وصراعاً ما بين ساكو ورئيس الجمهورية، وهذا كان واضحاً حين زُجّ بالكاردينال ساكو في منع استقبال الرئيس العراقي في الفاتيكان واللقاء بالبابا في وقتٍ سابق، وفي الوقت نفسه فإن قرار سحب المرسوم الرئاسي هو أمر غير صحيح أيضاً".
وتشهد قيادة الوضع المسيحي في العراق حالة من الصراع ما بين بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس ساكو، وقائد جماعة "بابليون" المسلحة ريان الكلداني، وصلت خلال الأشهر الماضية إلى تبادل التهم والبيانات عبر وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحافية، في مرحلة جديدة من الصراع على الوضع الديني والسياسي للمكون المسيحي، الذي لم يمر بحالة جيدة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.