اخبار العراق الان

عاجل

أكراد أم كُرد؟ أتراك أم ترك؟ أفغان أم فغن؟

أكراد أم كُرد؟ أتراك أم ترك؟ أفغان أم فغن؟
إبراهيم الصالح

غالباً ما أتابع وسائل الإعلام الكردية الناطقة بالعربية، وتساءلت كثيراً في ذهني، لماذا لم يحقق هذا النوع من الإعلام شهرة وتأثيراً كبيرين على النطاق العربي؟ لماذا لم يكن له أي تأثير على الرغم من حجمه وتمويله والاستثمار الكبير فيه، هذه أسئلة تثير اهتمامي بشكل دائم وتراودني باستمرار.

وبعد ذلك، تبين لي بوضوح أن السبب يعود إلى جودة اللغة والأسلوب وفن الإقناع، وهذه الجوانب تبدو مفقودة إلى حد ما في وسائل الإعلام الكردية التي تستهدف الجمهور العربي.

وبالطبع، لا ننوي ذكر الأخطاء اللغوية والشائعة هنا، لكن هناك مسائل يجب أن ينتبه إليها المسؤولون عن وسائل الإعلام الكردية التي تتفاعل مع الثقافة العربية بشكل عام. على سبيل المثال، يبدو أن الإعلام الكردي يتجاوز حدوده عندما يُصبح "مصححاً" للغة العربية، مما يمكن أن يؤدي - دون قصد - إلى تقليل من قيمة معاجم اللغة العربية ونحاة العرب، وحتى فطاحل اللغة العربية من الكرد.

حروف كردية بالأبجدية العربية!

تصفحتُ موقعًا يُفترض أنه لقناة كردية معروفة، ولاحظت أن محرريها يستخدمون في قسمهم العربي أسماءً مكتوبة بحروف كردية. هذه الحروف غالباً لا يفهمها سوى عدد قليل جدًا من العرب، وتُلفظ بطريقة مختلفة عما هو متوقع، مثل القاف والفاء والكاف وغيرها.

وفعلاً، يمكن أن تكون هذه المشكلة مُحرجة للإعلام الكردي الذي يهدف إلى التواصل مع الجمهور العربي، ومن الضروري تصويب هذه الأخطاء اللغوية لضمان تواصل فعّال وفهم أفضل من قبل الجمهور العربي، من خلال:

استخدام الأحرف المناسبة

يجب على الكتّاب والمحررين في الإعلام الكردي استخدام الأحرف العربية التي تناسب الأصوات الكردية بدقة. مثلاً، يمكن استخدام حرف (ك) أو (غ) بدلاً من (ڤ) لتمثيل الصوت "G" كما في كلمة "Google".، فالعرب تكبتها (كوكل) و(قوقل) و(غوغل)، لكنها تلفظ بلفظة واحدة كما الإنكليزية.

من الواضح أن هذا الأمر يسهم في تبسيط النصوص وزيادة فهمها للقرّاء العرب. ويجب على الكتّاب والمحررين في الإعلام الكردي أن يستخدموا الأحرف العربية التي تمثل الأصوات الكردية بدقة وبالشكل الذي يعترف به العرب. يمكن تحقيق هذا عبر تجنب استخدام الأحرف التي قد تكون مربكة للقرّاء العرب واستبدالها بالأحرف المناسبة.

كما هذه دعوة إلى القرّاء العرب أن يكونوا مفتونين للتعرف على الأحرف الكردية وتعلم كيفية نطقها بشكل صحيح. هذا سيسهم في تحسين التواصل بين الجمهورين وزيادة الفهم المتبادل بين الثقافات.

إن فهم اللغة هو جسر حقيقي لفهم الثقافة والشعب، وقد أثبتت تجارب مثل بي بي سي تعلم اللغة الإنكليزية وإذاعة صوت أمريكا نجاحها في تعليم اللغة وتعريف الجماهير بالثقافة.

إطلاق دورات تعليمية للكردية من قبل الإعلام الكردي هو فكرة رائعة. سيمكن هذا الإجراء من تمكين القرّاء العرب من فهم اللغة الكردية وتقديرها بشكل أفضل، وسيسهم في تعزيز التواصل وتعزيز الحوار بين الثقافات. تعلم اللغات الأخرى هو دائمًا وسيلة مهمة للتعرف على العالم والأفراد بطريقة أفضل وأكثر تفهمًا.

التوعية بالنطق الصحيح

يجب أن يعمل الإعلام الكردي على توعية القرّاء العرب بكيفية نطق الأحرف الكردية بشكل صحيح. يمكن إضافة تعليقات صوتية أو شرح مختصر لكيفية النطق الصحيح عند استخدام حروف كردية.

تبسيط الكتابة: يُفضل تبسيط الكتابة بحيث تكون الكلمات والأسماء الكردية مكتوبة بشكل يسهل فهمها للقرّاء العرب. هذا يُسهم في جعل المحتوى أكثر وصولاً وفهماً.

التدقيق اللغوي: يجب على المحررين والكتّاب في الإعلام الكردي أن يكونوا دقيقين في استخدام الأحرف والكلمات الصحيحة بما يعكس النطق الكردي بدقة.

الاعتماد على الرموز الدولية: يُفضل استخدام الأحرف والرموز الدولية المعترف بها عالميًا لتمثيل الأصوات بدلاً من استخدام أحرف مختلفة قد تسبب الالتباس.

من خلال تصحيح هذه الأخطاء، يمكن للإعلام الكردي أن يزيد من جاذبيته ويوسع دائرة جمهوره في الوطن العربي ويحقق تأثيراً أكبر في توصيل رسالته ومعلوماته.

لكل لغة ترميزها الخاص في الشبكة العنكبوتية، وأن الكيبورد العربي لا يتضمن تلك الحروف بشكل افتراضي، فما هو الفائدة من كتابة هذه الحروف واستخدامها في الإعلام العربي، خاصة وأنها لا تظهر أصلاً في نتائج محركات البحث على الإنترنت؟ كما أنني لا أشجع على استخدام الإعلام الكردي (الرقمي) مصطلحات عربية بشكل مجرد. يجب تنقيتها وتقديمها للمتلقي بالأبجدية الكردية المعترف بها رسميًا وبدون أي تعديل.

هذا يعني أن المثقف الكردي ليس ملزمًا بإدراج حروف كردية في كلمات عربية، فإن هذا يشبه إضافة حروف إنكليزية أو فارسية أو تركية إلى كلمات عربية، وهو أمر غير مناسب. الثقة في النفس تعزز الثقة في اللغة، سواء كانت اللغة العربية أو الكردية. كذلك من الخطأ تجاهل النحاة العرب والاجتهاد نيابة عنهم، إذ من غير المنطقي أن يقرر العرب نيابة عن الشعب الكردي حول لغتهم وأبجديتها وأوزانها!

الاختلاف في تهجئة واستخدام المفردات يمكن أن يكون مصدر ارتباك واضطراب في الفهم، وهو ما تطرقنا إليه سلفاً عن نطق الحروف، فكيف بكلمات من حروف عدة!

نأتي إلى الأهم،

هو هل هم كُرد أم كورد أم أكراد؟

كُرد: هذا هو اللفظ الذي يستخدم في بعض الأماكن للإشارة إلى الشعب الذي يعرف بالأكراد. يتم استخدامه في بعض البلدان واللهجات ويمكن أن يكون مفهومًا لبعض الناس، لا يفهمه كل العرب على انه إشارة إلى الأكراد، بل يختلط عليهم ما بين قبيلة عربية تعرف باسم "كُرد الأزدية" في الجزيرة العربية وما بين الشعب الكردي الذي نعرفه اليوم.

كورد: هذا هو تهجين آخر باستخدام الأبجدية لنفس المصطلح ويستخدم في الإعلام الكردي الناطق بالعربية حصراً للإشارة إلى الشعب الكردي.

أكراد: هذا هو المصطلح الرسمي والمستخدم على نطاق واسع للإشارة إلى الشعب الكردي. إنه مفهوم على الصعيدين الوطني والدولي ويستخدم في الكثير من الأوساط الرسمية ووسائل الإعلام، كما انه مصطلح تعتمده منظمة الأمم المتحدة! فهل يعني أنها لا تدرك ذلك؟!

الاختلاف في اللفظ يمكن أن يكون نتيجة لاختلافات في اللهجات واللغات المحيطة بالمنطقة. من المهم أن نفهم هذه الاختلافات وأن نستخدم المصطلح الذي يفهمه الأشخاص بسهولة ودون إساءة.

 بعض القوميين الأكراد يعترض على هذا المصطلح بادّعاء أن من يستخدم هذا المصطلح (وزن أفعال) يقصد انتقاص الكرد مستدلًا ببيت من ألفية ابن مالك: «أفعِلة أفعُل ثمَ فِعلة ثمّت أفعَالٌ جُموع قِلّة.

وبالنسبة للملاحظة حول كلمة "أكراد" وارتباطها بكلمة "أعراب"، فإن هذه نظرية لا يفكر فيها حتى الأطفال!، وللأسف هذه نظرية أطلقها رئيس الجمهورية العراقية السابق السيد جلال الطالباني، فهو كان ملماً باللغتين العربية والفارسية، لكنه كان يجتهد في العربية فقط!

من الواضح أن هناك اعتبارات مهمة للثقافة واللغة في هذا النقاش. تحمل اللغات والثقافات خصائصها الفريدة وهويتها الخاصة، والاحترام المتبادل والتفاهم الثقافي هما أمور مهمة جدًا. لذا، يجب أن يتم التعامل مع المصطلحات واللغات بعناية واحترام.

في الواقع، اللغتان العربية والكردية هما لغتان متميزتان تاريخيًا وثقافيًا، ولكل منهما دورها واهتمامها الخاص. من الضروري أن يُستخدم كل مصطلح في سياقه الثقافي واللغوي المناسب. إذا كان هناك تواصل بين مجتمعين يستخدمان لغتين مختلفتين، يجب أن يتم الترجمة أو التوضيح عند الحاجة لضمان فهم صحيح.

التنوع الثقافي واللغوي هو جزء أساسي من التراث الإنساني، والتعامل معه باحترام يساهم في تعزيز التفاهم بين الثقافات والشعوب المختلفة.

فهل يُعقل، أن يسخر العرب بلغتهم وثقافتهم من "الألمان" و"الأفغان" و"الأتراك" و"الألبان"؟ وهي كلها على وزن أفعال، كما في لفظ "أكراد"، وهو مصطلح تعتمده الأمم المتحدة؟

مام جلال!

كلمة مام جلال أصبحت متداولة في الإعلام العربي دون توضيح معناها!، ولكن بعد إجراء استطلاع بين زملائي في العمل، لم يتمكن أحد من تقديم تفسير مقنع. وهذا يشير إلى أنه لا يجب دمج المصطلحات الكردية في الخطاب العربي، وعلى العكس، لا ينبغي دمج المصطلحات العربية في الخطاب الكردي. وهذا يظهر أهمية الحفاظ على اللغتين العربية والكردية كل لها خصوصياتها اللغوية وقواعدها وبنيتها النحوية وأصولها المعربية والكردية.

أل التعريف

في الماضي، كانت لدى العرب تقاليد تُظهر احترامهم للأشخاص من خلال إضافة "أل التعريف" عندما يريدون التعبير عن التقدير. هذا كان يشمل الأسماء والألقاب، كالهاشمي، والراجحي، والحسيني، والحسن، والحسين، وغيرها. ومع ذلك، في يوم ما، قام السيد جلال الطالباني، حين كان رئيسًا للجمهورية العراقية، بأمر مفاجئ بإزالة "أل التعريف" من لقبه، واختار أن يكون اسمه "طالباني" بدلاً من "الطالباني"، وقد عمم ذلك في الإعلام الرسمي اولاً!

كان السيد الطالباني أول من اقترح تغيير كلمة "كُرد" أو "أكراد" لتصبح "كورد" في الإعلام الكردي الذي يستهدف العرب. الفرق الصوتي بين "كورد" و"كُرد" يمكن مقارنته بالفرق بين "بُورد" و"بُرد"، حيث يكمن الاختلاف في الضمة الخفيفة، وهذا التغيير يتوافق مع النطق اللاتيني للكلمة "كرد Kurd" وليس "كورد Kord".

هل هناك مجل للتصحيح؟

نعم، هناك حاجة للتصحيح، خصوصاً في الإعلام الكردي في أربيل. يمكن ملاحظة وجود فرصة كبيرة للتحسين، حيث يبدو أنهم أكثر تفتحاً وأقل تشدداً، وهذا ما أظهره خطاب السيد مسعود البارزاني. فقد تكرر استخدام كلمة "أكراد" للإشارة إلى أبناء شعبه في أكثر من مناسبة، مما يشير إلى روح رجاحة وتفهم. كما لاحظتُ على صفحة فيسبوك أن أسم مكتبه هو "مقر البارزاني" وليس مقر بارزاني.

على وسائل الإعلام الكردية الناطقة بالعربية التركيز على الكتابة باللغة التي يمكن للعرب فهمها، وأن يعيدوا النظر في الأسلوب الذي يتبعونه. فلماذا ينفقون مبالغ كبيرة على إنشاء قنوات ومنصات إذا لم يتمكن الجمهور العربي من فهم مضمونها؟ هل هذه الجهود مجرد وسيلة للتعبير؟ هذا ليس منطقياً على الإطلاق.

يُذكر أن أول صحيفة كردية كانت باسم "كُردستان"، ومن الغريب أن يتلاشى هذا الاسم الجميل. يجب أن يسعى الشعب الكردي إلى الحفاظ على هذه الهوية الفريدة بكل فخر، وأن يُظهِروا للعالم أنهم لا يقللون من شأنهم بأي شكل من الأشكال. إذا كنتم في موقعهم، يمكنكم أن تروِّجوا لاعتماد كلمة "أكراد" في وسائل الإعلام، حيث سيكون ذلك دليلًا على أنكم تؤكدون على هويتكم بكل فخر، وأنكم لا تقبلون بالتشويه البسيط الذي يُظهِره البعض، وأن أنكم لا تقعوا ضحية اجتهادات لأشخاص تأثروا بالخطاب الفارسي!

بالنسبة للتصنيف الذي يُعطى للشعب الكردي بأنه "متعصب"، فإن هذا يعكس تفهمًا خاطئًا. الوفاء بالهوية والترويج لها لا يعني بالضرورة التحامل على الآخرين. بالعكس، يمكن أن يشجع على فهم أعمق وأوسع لثقافة وتاريخ الشعب الكردي.

في الثمانينات من القرن الماضي، كان الإعلام الإيراني الناطق بالعربية، وخصوصاً إذاعة طهران، يشير إلى المرشد الإيراني السابق باسم "خميني" بدلاً من "الخميني"، وهذا كان يثير السخرية من قبل بعض الأشخاص خارج إيران. كان الرئيس العراقي السابق صدام حسين يسخر من هذا الأمر ويقول لمقربيه: "شوفوا حتى إعلامهم ما يحترمه".

لكن مع مرور الزمن، تغيرت الأمور وأصدرت السلطات الإيرانية تعميمًا رسميًا يفرض إضافة "أل" إلى لقب المرشد الأعلى، ليصبح بذلك "الخامنئي" عوضًا عن "خامنئي". تم ذلك لأسباب تتعلق باللغة والنحو والتشدد في النطق الصحيح للألفاظ الدينية واللقب الرسمي. تلك التغييرات تُظهِر أهمية الدقة والاحترام في النطق واللفظ، خاصة عند الإشارة إلى الشخصيات الدينية والسياسية ذات الأهمية الكبيرة.

شخصياً، أعارض استخدام المصطلحات المهينة للغة الكردية. أتمنى أن يكون الأشقاء الكرد مثالًا في عدم التحسس من استخدام المصطلحات التي تُستخدم في الإعلام العربي. ليس من المنطق أن تُسمى الشعب الكردي بألقاب أو مفردات مثل "أكراد" من أجل مقارنتهم بالأعراب؟ من أتيتم بهذه الفكرة؟!

الإعلام التركي الذي يستهدف العرب، لا يعامل بنفس الطريقة كلمة "أتراك" على الرغم من أنها تحمل نفس الوزن مع "أكراد" أو "أعراب"! هذه لأن فكرة "مام جلال" لم تصل إليهم بعد!

لكل لغة خصوصياتها، وإذا تم توحيد مصطلح واحد لعدة لغات، فإن ذلك يعني أن هذه اللغات قد تصبح لغة واحدة أو لغة هجينة، وهذا أمر لا يمكن تجاهله.

على سبيل المثال، مصر والمغرب والجزائر لم تعترض على استخدام أسمائهم بالإنكليزية بنفس الشكل الذي تم استخدامه للأسماء العربية. إن تشابه الأسماء في عدة لغات يمكن أن يكون مثيرًا للاهتمام من الناحية اللغوية ولا يجب أن يكون مصدرًا للإساءة، ويجب أن يكون الخطاب أمميًا بمعنى تفهمه جميع الأمم، وليس إعلامًا لا يفهمه إلا القائمين عليه!

كانت العرب عندما تريد التقليل من شأن شخص تعمد على تحذف أل التعريف، وهذا ما ظهر في مقابلة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي عندما سمى مصطفى الكاظمي بـ"مصطفى كاظمي"، بعد خلاف سياسي نشب بينهما، استصغاراً منه للكاظمي، وهنا تكمن فلسفة أل التعريف!

 

ا.د. إبراهيم الصالح