اخبار العراق الان

عاجل

بعد طول انتظار: ما الذي يحول دون تفعيل شبكة مترو بغداد؟

بعد طول انتظار: ما الذي يحول دون تفعيل شبكة مترو بغداد؟
المهندس محمد اسعد

المهندس: محمد اسعد

على امتداد عقود خلت، اصطدم مشروع مترو بغداد بعقبات جمة ومتنوعة، ناجمة عن تشابك عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية ولوجستية. وتفصيلاً لذلك، نستعرض فيما يلي أبرز الإشكاليات التي أخرت إنجاز هذا المشروع الحيوي:

1- عقود من الصراع وعدم الاستقرار

وُضع مشروع المترو في ثمانينيات القرن الماضي في عهد صدام حسين لمعالجة ازدحام بغداد المروري. إلا أن الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) أوقفت الخطط الأولية، مما ادی الی تحویل الموارد الی الجهود العسکریة. كما أدت الصراعات اللاحقة، بما في ذلك حرب الخليج (1990-1991)، والغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وصعود تنظيم داعش في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، إلى مزيد من زعزعة استقرار العراق، مما جعل مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق مثل المترو غير مجدية بسبب المخاطر الأمنية وتضرر البنية التحتية.

2- عدم الاستقرار السياسي وقضايا الحکم:

اتسم المشهد السياسي العراقي بتغييرات متكررة في القيادة، وتوترات طائفية، وضعف في الحوكمة منذ عام 2003. وقد أدى هذا الوضع من عدم الاستقرار إلى تأخير اتخاذ القرارات، وموافقات التمويل، والتنسيق بين الوزارات والشركاء الدوليين، وهو ما يلزم لتنفیذ المترو. على سبيل المثال، على الرغم من الإعلانات ومذكرات التفاهم المتعددة (مثلاً، مع شركة ألستوم في عامي 2017 و2020)، كان التقدم بطيئًا بسبب تغير الأولويات والعقبات البيروقراطية.

3- القيود الاقتصادية وتحديات التمويل:

واجه الاقتصاد العراقي، الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، تقلباتٍ بسبب أسعار النفط العالمية والأضرار الناجمة عن الحرب. وتتطلب التكلفة المقدرة للمترو - والتي تتراوح بين 2.5 مليار دولار في المقترحات السابقة و17.5 مليار دولار في خطة 2024 - استثماراتٍ ضخمة، يصعب تأمينها في ظل عجز الموازنة وتنافس مطالب إعادة الإعمار. وكثيرًا ما فشلت جهود جذب الاستثمار الخاص، مما اضطر إلى الاعتماد على التمويل الحكومي أو القروض الأجنبية، والتي تخضع للتأخير والمفاوضات.

4- الفساد و سوء الادارة:

لطالما عانى العراق من الفساد في مشاريعه العامة، حيث احتلّ المرتبة 154 من أصل 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. وقد أُثيرت مخاوف بشأن اختيار شركات عديمة الخبرة أو مشكوك في أمرها لمشروع المترو، حيث أشار بعض النقاد إلى أن العقود قد تتأثر بالرشاوى أو المحسوبية السياسية بدلاً من الجدارة. وهذا يُقوّض الثقة والكفاءة في تنفيذ المشاريع.

5- تحديات البنية التحتية والتخطيط الحضري:

البنية التحتية الحالية لبغداد قديمة ومثقلة، وهي مصممة لاستيعاب عدد أقل بكثير من المركبات، مقارنةً بالعدد الحالي البالغ 4 ملايين مركبة يوميًا (مقارنةً بسعة 400 ألف مركبة). يتطلب إنشاء نظام مترو - سواءً كان تحت الأرض أو فوقها - التنقل في مدينة مكتظة بالسكان ذات مساحة محدودة، واضطرابات مرورية قائمة، وتعارضات محتملة مع المناطق السكنية أو التجارية، وکذلك العشوائیات والتجاوازات علی الاراضي الحکومیة، وتؤدي الحلول الهندسية لتجنب هذه المشكلات إلى زيادة التكاليف والتعقيد.

6- المخاوف الأمنية:

حتى مع انخفاض وتيرة العنف منذ ذروته في عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٧، لا تزال بغداد عرضة للتهديدات الأمنية بسبب التوتر الاقلیمي والاحداث التي حصلت في غزة، لبنان وسوریا. تـُثـني هذه الظروف الشركات الدولية عن الالتزام بمشاريع طويلة الأجل، وتُعقّد لوجستيات البناء، مثل ضمان سلامة العمال وحماية المعدات.

7- التأخير في التخطيط الفني والمالي:

على الرغم من المقترحات التفصيلية - مثل خطة مشروع مترو بغداد بطول 148 كيلومترًا وسبعة مسارات و64 محطة، والتي أُعلن عنها عام 2024 - إلا أن استكمال التصاميم الفنية، وإجراء دراسات الجدوى، والحصول على الاتفاقيات المالية، تعثر مرارًا وتكرارًا. على سبيل المثال، واجهت الخطط السابقة في عامي 2011 و2022 انتكاسات بسبب نقص التمويل أو عدم اكتمال موافقات البرلمان على الميزانية.

8- الأولويات المتنافسة:

اضطرت الحكومة العراقية إلى إعطاء الأولوية للاحتياجات العاجلة - مثل إعادة إعمار المناطق التي مزقتها الحرب، وتوفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، ومعالجة البطالة - على حساب مشاريع طموحة طويلة الأجل مثل المترو. وقد أدى ذلك إلى تراجع أولوية المترو رغم قدرته على تخفيف الازدحام وتعزيز النمو الاقتصادي.

ومع أن المستجدات التي طرأت في شهر تموز (يوليو) 2024، والتي تمثلت في إحالة عقد بقيمة 17.5 مليار دولار أمريكي إلى تحالف دولي يضم شركات من فرنسا وإسبانيا وتركيا وبنك دويتشه الألماني، توحي بوجود دفع جديد للمشروع، فإن استمرار تلك التحديات ينذر بإمكانية مواجهة التنفيذ لعقبات جوهرية قبل الموعد النهائي المقدر في أيار (مايو) 2029. ويتطلب تجاوز ذلك توفر إرادة سياسية ثابتة، وحكم رشيد يتسم بالشفافية، وأوضاع اقتصادية مستقرة، وهي أمور لم تستقر بصورة دائمة في تاريخ العراق الحديث.

المهندس: محمد اسعد

استشاري انفاق وخطوط المترو

 

 

المصدر: موسوعة العراق