أخبار غزة تتصدر مجالس الشمال السوري
مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تناسى السوريون في شمال سورية جراحهم، وباتوا يتابعون مأساة الغزيين لجظة بلحظة. يقول الحاج سعد الدين العمر لـ "العربي الجديد": "خلال العقود السبعة التي عشتها، كانت فلسطين قضية الشعوب العربية الأولى، وكانت إسرائيل العدو الأول الذي نتمنى هزيمته. خلال سنوات الثورة، ابتعدنا عن القضية الجوهرية لانشغالنا بالقصف الذي نعيشه والمجازر التي تتكرر في سورية. لكن بعد عملية طوفان الأقصى وبدء العدوان الإسرائيلي على غزة، نسينا أزماتنا وشاركنا الفلسطينيين أزمتهم". يتابع: "مع بدء وصول أخبار عملية حماس، اشتعلت النشوة فينا مجدداً. تذكرنا همجية إسرائيل التي لن تدع عملية كهذه تمر مرور الكرام وانقسمنا ما بين مؤيد للعملية ومعارض لها خوفاً من تبعاتها، على الرغم من اتفاقنا جميعا على كره إسرائيل ونصرة أهالي غزة". يضيف العمر: "على الرغم من محدودية العمليات التي نفذتها حماس، إلا أنها أشعلت فينا أملاً بقدرة العرب على المواجهة وقدرة أهالي غزة على المبادرة وتحقيق نتائج تقلب الموازين في حال حصلوا على بعض الدعم من دول الجوار، إلا أن تلك الآمال تلاشت مع الصمت العربي وأخبار المجازر التي بدأت تتوارد من غزة".
ومع زيادة أعداد المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، تنامت المشاعر المتضامنة مع أهالي غزة، ووصلت إلى ذروتها يوم مجزرة المستشفى المعمداني. ويقول عدنان قنطار لـ "العربي الجديد": "لم أشارك في تظاهرة منذ زمن بسبب قناعتي بعدم جدواها. لكن يوم مجزرة المستشفى في غزة، قادتني قدماي للمشاركة في التظاهرة بمدينة إدلب. شعرت أن ما بيدي حيلة إلا التعبير عن غضبي". يضيف عدنان: "لم تكن مشاركتي في التظاهرة وليدة لحظتها. كنت أترقب أخبار غزة لحظة بلحظة وأتلقف أي خبر تنشره الوكالات وكأن الحرب التي يعيشها الأهالي هنا. لم أعد أهتم بأخبار القصف في منطقتي كما كنت سابقاً. هناك جرح أصعب يجذبني باتجاهه ويسرق وقتي ومشاعري".
وعن سبب تناسي الناس لجراحها في شمال سورية، يقول عدنان: "لا يمكن لإنسان أن ينسى ألمه والمآسي التي عاشها. لكن قد تمر بلحظة تشعر فيها بألم أكبر يجبرك على تناسي الآلام المعتادة لفترة وجيزة قبل العودة لتذكرها من جديد، وهذا ما حصل مع السوريين بتناسي القصف الذي عاشوه والتضامن مع أهالي غزة".
أما تيم الإبراهيم، فيرى أن التعاطف مع الحالة الفلسطينية تحول إلى ثقافة مجتمعية. ويقول لـ "العربي الجديد": "وجدت نفسي مجبراً على رسم خريطة فلسطين وشرح مجريات المعركة والعدوان لابني الذي ما زال في الصف الثاني. كثرة الأسئلة التي كان يطرحها أجبرتنا على شرح القضية كلها على الرغم من يقيني بأنه لن يفهم كل ما قلته، إلا أنني أردت أن أغرس في ذهنه معلومات دقيقة حتى لا يتعلم التاريخ من مكان لا أثق به كاليوتيوب والتيك توك". يتابع الإبراهيم: "حاولت جاهداً ألا أتابع الأخبار أمام أولادي ظناً مني أنهم غير مجبرين على مشاهدة وسماع المآسي التي نعيشها. إلا أن انتشار الأخبار على كافة مواقع التواصل الاجتماعي كان كفيلاً بنقل كل صورة لهم، ليكرر طفلي كل يوم ذات السؤال الذي يطرحه: متى ستنتهي الحرب؟ هل انتصرت فلسطين؟". يضيف: "حالة الاهتمام الكاملة بالحرب في غزة حولت القضية إلى حالة مجتمعية. ولأن الشعب السوري عانى من ويلات القصف، كان إحساسه بألم أهل غزة أكثر من غيره، ما أدى إلى صرف كامل اهتمام الأهالي نحو أخبار الحرب وتلقف أي خبر يمنحهم بعض الراحة ويجلب لأهالي غزة بعض السلام".
في المقابل، يرى آخرون أن مشاهد الإجرام التي رأوها عبر الفيديوهات الواردة من غزة استنهضت الصور القديمة من ذاكرتهم وأرجعتهم للتجارب القديمة. ويقول صافي الخليل لـ "العربي الجديد" إنه "بات يتحاشى رؤية أي فيديو من غزة. عشنا مشاهد الدمار وتوديع الأم لأطفالها وموت الأجنة". يضيف: "ربما كان لذلك دور في تأجيج المشاعر بشكل مضاعف عند السوريين. فتجربة التهجير واحدة وتجربة الخيام واحدة وتجربة الموت متطابقة. السوري يعيش مأساة فلسطين وكأنه يعيش مأساة مكررة".
أما زيدان الخالد، فيقول لـ"العربي الجديد": "يستحيل أن تدخل مجلساً من المجالس العامة في شمال غرب سورية إلا ويكون للقضية الفلسطينية نصيب من النقاش. الجميع يتابع الأخبار ويترقب ما سيحدث. هذا الأمر أرجعني بالذاكرة لأيام حرب العراق، لكن المفارقة أن الشعب السوري عاش ويعيش حرباً منذ سنوات وقد ظن البعض أن حياة الحرب تلك أصابتنا جميعاً بتلبد مشاعر ولم تعد لدينا القدرة على متابعة الأخبار السياسية أو الإحساس بالمجازر التي نراها. إلا أن ما يحدث اليوم خالف كل التوقعات".